إنّ القلب هو أكثر الأعضاء التي تربطنا بالحياة، فهو الذي يشعرنا أنّ الحياة جميلة وتستحق أن نعيشها دون حزن أو ألم، ولكن أحياناً يغمرنا الشعور بالاكتئاب والإحباط نتيجة للمشكلات ومواقف الفشل أو عدم الوصول للنجاح المرغوب فيه.
قصيدة المساء للشاعر إيليا أبو ماضي هو شاعر لبناني ولد سنة 1891م، يُعدّ من أهم شعراء المهجر في أوائل القرن العشرين، وتوجه أبو ماضي إلى نظم الشعر في الموضوعات الوطنية والسياسية، وكان أحد أعضاء الرابطة القلمية البارزين، ومن دواوينه: تذكار الماضي.
السحبُ تركضُ في الفضاء الرّحب ركض الخائفين
و الشمس تبدو خلفها صفراء عاصبة الجبين
و البحر ساج صامت فيه خشوع الزاهدين
لكنّما عيناك باهتتان في الأفق البعيد
سلمى ... بماذا تفكّرين ؟
سلمى ... بماذا تحلمين ؟
أرأيت أحلام الطفولة تختفي خلف التّخوم ؟
أم أبصرت عيناك أشباح الكهوله في الغيوم ؟
أم خفت أن يأتي الدّجى الجاني و لا تأتي النجوم ؟
أنا لا أرى ما تلمحين من المشاهد إنّما
أظلالها في ناظريك
تنمّ ، يا سلمى ، عليك
إنّي أراك كسائح في القفر ضلّ عن الطّريق
يرجو صديقاً في الفـلاة ، وأين في القفر الصديق
يهوى البروق وضوءها ، و يخاف تخدعه البروق
بل أنت أعظم حيرة من فارس تحت القتام
لا يستطيع الانتصار
و لا يطيق الانكسار
هذي الهواجس لم تكن مرسومه في مقلتيك
فلقد رأيتك في الضّحى و رأيته في وجنتيك
لكن وجدتك في المساء وضعت رأسك في يديك
و جلست في عينيك ألغاز ، و في النّفس اكتئاب
مثل اكتئاب العاشقين
سلمى ... بماذا تفكّرين ؟
بالأرض كيف هوت عروش النّور عن هضباتها ؟
أم بالمروج الخضر ساد الصّمت في جنباتها ؟
أم بالعصافير التي تعدو إلى و كناتها ؟
أم بالمسا ؟ إنّ المسا يخفي المدائن كالقرى
و الكوخ كالقصر المكين
و الشّوك مثل الياسمين
لا فرق عند اللّيل بين النهر و المستنقع
يخفي ابتسامات الطروب كأدمع المتوجّع
إنّ الجمال يغيب مثل القبح تحت البّرقع
لكن لماذا تجزعين على النهار و للدّجى
أحلامه و رغائبه
و سماؤه و كواكبه ؟
إن كان قد ستر البلاد سهولها ووعورها
لم يسلب الزهر الأريج و لا المياه خريرها
كلّا ، و لا منع النّسائم في الفضاء مسيرها
ما زال في الورق الحفيف و في الصّبا أنفاسها
و العندليب صداحه
لا ظفره و جناحه
فاصغي إلى صوت الجداول جاريات في السّفوح
واستنشقي الأزهار في الجنّات ما دامت تفوح
و تمتّعي بالشّهب في الأفلاك ما دامت تلوح
من قبل أن يأتي زمان كالضّباب أو الدّخان
لا تبصرين به الغدير
و لا يلذّ لك الخرير
لتكن حياتك كلّها أملا جميلا طيّبا
و لتملإ الأحلام نفسك في الكهولة و الصّبى
مثل الكواكب في السماء و كالأزاهر في الرّبى
ليكن بأمر الحبّ قلبك عالما في ذاته
أزهاره لا تذبل
و نجومه لا تأفل
مات النهار ابن الصباح فلا تقولي كيف مات
إنّ التأمّل في الحياة يزيد أوجاع الحياة
فدعي الكآبة و الأسى و استرجعي مرح الفتاة
قد كان وجهك في الضّحى مثل الضّحى متهلّلا
فيه البشاشة و البهاء
ليكن كذلك في المساء
قصيدة عَلَّ طيفاً سرَى حليفَ اكتئابِ للشاعر السرّي بن أحمد بن السرّي الكندي أبو الحسن هو شاعر أديب من أهل الموصل، كان في صباه يرفو ويطرز (يعمل خياطا) ولذا سمي بالرفاء أي الخياط، وهو مع ذلك ينظم الشعر ويتولع بالأدب، ولم يزل حتى جاد شعره ومهر فيه، وكان عذب الألفاظ، مفتناً في التشبيهات.
عَلَّ طيفاً سرَى حليفَ اكتئابِ
لم يُذِقْنا حلاوة َ الوَصْلِ إلاَّ
كيفَ عنَّتْ لنا ظِباءُ كِناسٍ
كلُّ ريمٍ يَشفي إذا رُمتَ منه ال
لطمَتْ خدَّها بحُمْرٍ لِطافٍ
يتشكَّى العُنَّابُ نَورَ الأَقاحي
نحنُ في معدِنٍ من اللؤم مُطغٍ
قصدَتْنا يدُ الحوادثِ فيه
ودَعَتْنَا إلى العِراقِ هَناة ٌ
كلُّ زنجيّة ٍ كأن سوادَ ال
تَسحَبُ الذَّيْلَ في المسيرِفتختا
وتشُقٌّ العُبابَ كالحيَّة ِ السَّوْ
وإذا قُوِّمَتْ رؤوسُ المطايا
مُهدِياتٌ إلى الأميرِ لُباباً
زهرة ٌ غَضَّة ُ النَّسيمِ غَذَاها
فهي كالخُرَّدِ الأوانسِ يَخلِطْ
رِقَّة ٌ فوقَ رِقَّة ِ الخصرِ تُبْدِي
طالباتٍ أبا المُفَضَّلِ يَمْتُتْ
خطبَتْ ودَّه ونائلَه الغَمْ
ملكٌ ما انتضى المهنَّدَ إلا
خِيمُه في مواطنِ الحِلْمِكَهْلٌ
راتعٌ في رِياضِ حمدِ أُناسٍ
قمرٌ أطلعَتْه أقمارُ ليلٍ ؛
جَلَبَ الخيلَ ضُمَّراً تُلْهِبُ العُشْ
بخميسٍ كأنما حَجَبَ الشَّمْ
وكأنَّ اللِّواءَ في الجولما
فإذا الرِّيحُ نبَّهتْهوقد أغْ
في مقامٍ للموتِ تُحْتَسَبُ الأنْ
حين أَوفَى على العِراقِ طُلوعَ ال
فثنَى الأرضَ منه محمرَّة َ الأرْ
آلُ حمدانَ غُرَّة ُ الكرمِ المحْ
أشرقَ الشرقُ منهمُ وخلا الغَرْ
نَزَلوا منه مَنْزِلاً وسَمُوهُ
يَنْجلي السِّلْمُ عن بدورٍ رَواضٍ
جادَنا منهمُ سَحائبُ جودٍ
فحمَلْنا مِلءَ الحقائبِ من أفْ
واستقلَّت بنا سواعٍ تخوضُ ال
شتَّتتْ شملَها الشَّمالُوأمسَت
وبعد ذلك سوف تسأل نفسك.. أين ضاعت أحلامك؟ وستقوم بهز رأسك وأنت تُهمهم: ما أسرع مرور الوقت! وتعيد سؤال نفسك مرة أخرى.. ما الذي أنجزتهُ طوال فترة حياتك؟.. وأين دفنت وبددت أفضل سنوات عُمرك؟.. وهل كُنت على قيد الحياة أم لا؟.. وسوف تقول لنفسك.. أُنظر كيف أن الحياة أصبحت باردة وكئيبة.. وستَمُر سنوات أخرى من عُمرك.. وبعد ذلك ستمر سنوات أخرى تكسوها الكآبة.. وبعد ذلك ستأتي فترة الشيخوخة.. ويليها فترة اليأس والكآبة التامة.. وسينهار عالمك الرائع.. وأحلامك سوف تذبل وتموت.. وسوف تُنثر مثل فتات أوراق الشجر الأصفر في فصل الخريف.
مع العسر يسران هون عليك .. فلا الهم يجدي ولا الاكتئاب.. فكم ضقت ذرعاً بما هبته .. فلم ير من ذاك قدر يهاب.. وكم برد خفته من سحاب .. فعوفيت وانجاب عنك السحاب.. ورزق أتاك ولم تأته .. ولا أرق العين منه الطلاب.
الاكتئاب ليس مجرد يوم حزين يمر به الفرد.. أو مجرد لحظات من الكآبة يمكن تخطيها.. وهو ليس علامة ضعف عند الشخص.. أو قلة حيلة على الصعيد الشخصي أو العقلي.. بل هو مرض مزمن وخطير مثل داء السكري أو ارتفاع ضغط الدم .. وهو بحاجة لرعاية طبية محترفة وعلاج ملائم.
الرسالة الأولى:
يحدث أن يكون الاكتئاب فرصة ذهبية،
أعطتها الحياة لنا،
لنواصل التقدم في أمور تعني الكثير لقلوبنا،
إلا أنّها جراء تسرعنا أو إهمالنا،
قد أزيحت تحت السجادة،
أُخفيت فنُسيت.
الرسالة الثانية:
من المفترض أن يدفعنا القلق إلى العمل،
وليس إلى الاكتئاب،
فليس حراً من لا يستطيع السيطرة على نفسه.
الرسالة الثالثة:
عليك تدريب النفس على استيعاب المشاكل اليومية،
وذلك باسترجاع الذاكرة،
بأن هذا الموقف المحبط قد ألم به من قبل،
وأمكن التغلب عليه،
إذًا فهو قادر على التغلب عليه أيضاً هذه المرة.. وهكذا.