عجوز القلب

الكاتب: المدير -
عجوز القلب
"عجوز القلب

 

تمر بنا الأيام لتحفر بأحداثها المتلاحقة آثارًا بالقلب لا تُمحى تشكل ملامحه وجماله، وأحيانًا تشيبه وتزيل قوة الشباب التي تعمَّقت به فيظهر عجزه سريعًا، وضعفه ويشيخ، وبينما كنت أتأمل حال قلبي، وأتساءل: أيمكن أن يهرم القلب قبل الجسد؟ وكيف يكون القلب عجوزًا ومتى؟ وهل يمكن أن يبقى قلبي شابًّا؟

 

وبينما أنا غارقة في التفكر إذا بعقلي يردد قول الله تعالى في قصة السيدة سارة زوجة سيدنا إبراهيم عليه السلام: ? أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ? [هود: 72].

 

وقتها أحسستُ كأن صاعقة ضربتني فوقْعُ الآية كان شديدًا عليَّ، سبحان الله إنه شيء عجاب حقًّا، فسيدنا إبراهيم عليه السلام كان شيخًا وامرأته عجوزًا، لكن بشَّره الله بالولد؟ تعرفوا لماذا؟ لما كان بقلبه من يقين وتوكُّل واستسلام وعبودية حقة لله، فقد كان له قلب قوي يافع مقبل على الله، لم يضعف أمام الابتلاءات والمحن المتتالية التي تعرض لها من تكذيب قومه له، وكفرهم وإلقائه بالنار، وهِجران أبويه له، وهجرته من بلده، وتأخُّر الولد من السيدة سارة، وقصته مع النمرود، وتركه لزوجته هاجر وابنه الرضيع إسماعيل عند البيت الحرام، وكان واديًا غير ذي زرع، ورؤياه بذبح ابنه وامتثاله لأمر الله، كل هذه الابتلاءات نجح فيها، فزادته قوة وقربًا من الله، فكانت عطاءات الله لسيدنا إبراهيم، نعم هرم الجسد لكن لم يهرم القلب!

 

نعم الرزق والسعادة تغيب أحيانًا عن حياتنا لفقر القلب، فمفاتيح السعادة هي ملك للقلب وحده، ولن تتسنَّى لنا إلا إذا صلحت قلوبنا، فقد يصيب الإنسان العجز وربما يصل إلى سن الشيخوخة، لكن يبقى القلب قويًّا مليئًا بعنفوان الشباب؛ لأنه قد تغذى باليقين والصدق والاستسلام لله والتوكل عليه، وغيرها من مغذيات القلب من العبوديات، بينما إذا فسدت القلوب وخلَت من معاني العبودية هرم القلب ومات، فصار الإنسان إلى ضياع وخسران في الدنيا والآخرة.

 

وقد أخبرنا الرسول الله صلى الله عليه وسلم أن صلاح الجسد كله يتأتَّى أولًا من صلاح القلب، فقال: (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).

 

لذا الواجب علينا أن نعلم أن الإيمان قول وعمل ونية، وأن صلاح الباطن يؤثِّر في صلاح الظاهر، وكلما ازداد صلاح الباطن، كان ذلك زيادة في صلاح الظاهر.

 

وهنا فقط عدت لقلبي من جديد لأسأله: أعجوز القلب أنت يا قلبي؟! أم بعنفوان الشباب ستحيا دائمًا، إنها وقفة تحتاج منك أيها القلب إلى إجابة.


"
شارك المقالة:
25 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook