عسرات الولادة الناجمة عن أقسام الممر التناسلي

الكاتب: د. ايمان شبارة -
عسرات الولادة الناجمة عن أقسام الممر التناسلي.

عسرات الولادة الناجمة عن أقسام الممر التناسلي.

 تنجم هذه العسرات عن شذوذاتٍ خِلقية أو مُكتسبة في النُسج الرخوة للمسير التناسلي بدءاً بالفرج وانتهاءً بالمبيضين.

أولاً ـ الشذوذات الفرجية

 1 ـ رَتق الفرج atresia: قد يكون هذا الرتق خِلقياً في أسفل المهبل وفي الفرج، وهو يحول أصلاً دون حدوث حمل إلا إذا أُصلح، أما ما ينجم عن تمزقات والتصاقاتٍ سابقة فغالباً ما يؤدي ضغط رأس الجنين المتقدّم في المسلك التناسلي إلى توسيعها وربما تمزيقها مما قد يؤدي إلى تمزقٍ عميق في العجان إلا إذا أُجري خزع فرجٍ episiotomy كافٍ ومن دون تأخير. كذلك الوذمة oedema والأورام الدموية والخُثارات الوريدية venous thrombosis قد تعوق وتؤخّر الولادة ولكن يندر أن تسبب عُسرة ولادة حقيقية.

2 ـ الالتهابات الفرجية والمهبلية: قد تُسبب هذه الالتهابات بالعوامل الجرثومية المختلفة صعوبةً في الولادة وفي إجراء خزع الفرج ولكن الخزع يقي من حصول أذياتٍ شرجية كما يُسهّل الولادة. من هذه الالتهابات خُرّاج غدة بارتولان، وهو إن ظهر في أثناء الحمل فإنه يسبب ألماً شديداً كما أنه قد يسبب إنتاناً نِفاسياً إثر الولادة، لذا يجب شقّه وترك فوهة الشقّ مفتوحة لتفجيره، أما إذا نزفت الحواف فيمكن خياطتها بخيوط رفيعة قُصّابيةٍ catgut أو من الڤايكريل Vicryl. يمكن ترك ذُبالة من الشاش داخل جوف الخراج حتى تندمل حوافه والأفضل أن يتمّ توخيف marsupialization الحواف. يجب وصف الصادّات الحيوية المناسبة للهوائيات واللاهوائيات anaerobes حتى تزول الأعراض الموضعية الالتهابية.

أما كيسة غدة بارتولان في أثناء الحمل فيفضّل تركها وشأنها حتى انتهائه إذا كانت لاعَرَضية asymptomatic، أما إذا كانت كبيرة الحجم فبالإمكان بزلها aspiration أو توخيفها في أثناء الحمل وقبل اقتراب موعد الولادة. قد تشاهد رتوج أو كيسات أو خراجات إحليلية في أثناء الحمل ولكن يندر أن تسبب صعوبة في الولادة، ويجب ترك أمور معالجتها حتى ما بعد الولادة.

وقد تشاهد الأورام اللُقمية المُؤنّفة condylomata acuminata التي تنجم عن العدوى بڤيروس الورم الحُليمي البشري human papilloma virus لذا تُدعى بالثآليل المنتقلة بالجنس venereal warts، وهناك علاقة وثيقة ما بين بعض أنماطها وبين سرطانات الفرج والمهبل وعنق الرحم. غالباً ما تزداد الثآليل حجماً وعدداً في أثناء الحمل، وتكون معالجتها بالبرد cryotherapy أو بالاستئصال الجراحي. قد تنتقل هذه العدوى إلى الوليد ولكن هذا الانتقال يحدث في أقل من 1% من الأمهات المصابات.

ثانياً ـ الشذوذات المهبلية

الحواجز والتضيّقات septa and strictures: قد ينقسم المهبل خِلقياً بحاجز طولانيٍ تامٍ من الفرج حتى عنق الرحم؛ أو جزئي في أعلى المهبل أو أسفله، وغالباً ما تترافق هذه التشوهات وتشوهات أخرى في الرحم وربما في الكلية. لا يسبب الحاجز التام عسرة ولادة لأنه يندفع جانباً ليسمح لنصف المهبل الذي سيمر فيه الجنين بالتمدّد، أما الحاجز الجزئي فقد يعوق تقدّم الجنين ويتمدد أمام المجيء وقد يتمزق عفوياً إذا كان رقيقاً؛ أو أن يتمدد معوّقاً تقدم الجنين إذا كان سميكاً؛ وعندها يحتاج الأمر إلى قطعه وربط حافتيه جراحياً أو اللجوء إلى العملية القيصرية. قد تصادف أحياناً لُجُمٌ أو حواجز أو تضيقات عرضانية في المهبل تعوق ولادة الجنين، بعضها يتمدد ويتوسع تلقائياً؛ والثخين منها والمقاوم يحتاج إلى إجراء شقوق عليه لتسمح للمجيء بالمرور.

ثالثاً ـ شذوذات عنق الرحم

قد تحدث تضيقات ندبيّة في عنق الرحم إثر الكي الكهربي الشديد الذي يسبب تخرّباً في نسجه، بعض هذه التضيقات تتليّن مع تقدّم الحمل ويتمكّن العنق من الاتساع ولكن الحالات الشديدة منها تعنّد وعندها قد يلجأ المولّد إلى إجراء شقوق على العنق أو أن يلجأ إلى العملية القيصرية خيفةَ حدوث تمزقات واسعة وخطيرة في العنق إن طال المخاض واشتدت التقلصات الرحمية.

قد تحدث العسرات العنقية بعد عمليات القطع المخروطي conization، ولكن الأغلب أن يحدث قصور في عنق الرحم مع التعرض للولادة المبكرة أو الإسقاطات في الأثلوث المتوسط للحمل second trimester. في بعض الحالات الخفيفة قد يفيد توسيع عنق الرحم بالإصبع على أن يتمّ ذلك بلطف وحذر.

قد تكون الحامل مصابة بسرطان عنق الرحم مما يؤدي إلى عدم اتساعه بتقلصات المخاض بسبب ارتشاح العنق بالنسيج السرطاني، وعندها يفضل اللجوء إلى العملية القيصرية مع إجراء استئصال الرحم الواسع إثر القيصرية أو من دون ذلك.

رابعاً ـ الشذوذات الرحمية

1 ـ انزياحات الرحم uterine displacements: قد يؤدي انعطاف الرحم الحامل الشديد في بداية الحمل نحو الأمام anteflexion إلى بعض الأعراض العابرة التي تزول عادة مع تقدّم الحمل؛ أما انعطافها نحو الخلف فقد يؤدي إلى نزوف رحمية مع ألم حوضي وعدم القدرة على التبول بسبب ضغط الرحم الحامل على عنق المثانة. يفيد عندها نصح الحامل بالاستراحة والاضطجاع مُنكبّة على البطن وغالباً ما يؤدي ذلك إلى تقوّم الرحم، وهناك حالات قليلة قد تنحبس incarcerated فيها الرحم الحامل في الحوض مؤدية إلى عسرة تبول أو عدم القدرة على التبول، وغالباً ما يفيد تقويم الرحم بعد وضع الحامل في وضعية السجود ويندر أن يتطلب الأمر تخدير الحامل تخديراً عاماً، وهناك حالات نادرة من تكيّس الرحم sacculation تبقى فيها الرحم محبوسة في الحوض وينمو الجنين ويكبر في القطعة السفلية مما يؤدي إلى استحالة الولادة الطبيعية مع خطر أذية المثانة في حال اللجوء إلى القيصرية وعدم الانتباه لهذا التبدّل المرضي. أما في أشهر الحمل الأخيرة ولاسيما عند الولودات عديدات الولادة واللواتي تشكين من ترهلٍ شديد في جدار البطن وخاصة مع انفراق diastasis العضلتين المستقيمتين البطنيتين؛ فقد يؤدي اندفاع الرحم الشديد نحو الأمام والأسفل إلى أن يصبح قعر الرحم الحامل أخفض من وصل العانة ويؤدي هذا إلى تأخر في توسع عنق الرحم في أثناء المخاض وإلى عدم تدخّل مجيء الجنين في المضيق العلوي، ويفيد عادة اضطجاع الحامل أو الماخض على ظهرها وربط البطن بمشدٍ لينٍ لتتقوّم الرحم.

قد يحدث الحمل عند مصابة بهبوط رحمي مع هبوط في الجدار الأمامي أو الخلفي للمهبل أو كليهما. تزداد الأعراض مع تقدم الحمل مع ظهور أعراض بولية وحوضية، ويفيد إراحة الحامل مدداً طويلة مستلقية على ظهرها حتى ترتفع الرحم مع بلوغ الحمل شهره الرابع. في حالات نادرة قد تنعضل الرحم الحامل في أسفل الحوض مؤدية إلى الإجهاض أو أن يلجأ الطبيب إلى إنهاء الحمل ومعالجة الهبوط بعد ذلك. وفي أثناء المخاض قد تتعسر الولادة إذا اندفع عنق الرحم خارج الأعضاء التناسلية الظاهرة مع تبارز جدار المهبل أو جداريه، وغالباً ما يفيد الانتظار مع دفع العنق وجداري المهبل نحو الأعلى في أثناء التقلصات الرحمية.

2 ـ الأورام العضلية myomas: تشاهد هذه الأورام في نحو 1.4 بالمئة من الحوامل تقريباً مسببة آلاماً بطنية عند الحامل، أما المضاعفات المشاهدة في أثناء المخاض والولادة فيغلب أن تشاهد في الأورام التي يزيد قطرها على 3سم والتي تتوضّع في الأسفل  ـ أي في القطعة السفلية أو عنق الرحم  ـ وقد تؤدي إلى عرقلة المخاض والولادة. إضافة إلى ذلك فإن انزراع المشيمة قريباً من الورم العضلي قد يؤهّب لانفصال المشيمة المبكّر placental abruption والمخاض المبكّر والنزف التالي للولادة. كما أن تعدد الأورام قد يؤدي إلى مجيئاتٍ معيبة ومخاض مبكّر مما يؤدي إلى ازدياد نسبة القيصريات.

ومن المهم أن يتمّ تشخيص وجود أورام عضلية مبكراً في الحمل كيلا يحدث خطأ في التشخيص في أسابيع الحمل الأخيرة. يفيد التصوير بما فوق الصوت، وكذلك يساعد اللجوء إلى التصوير بالرنين المغنطيسي MRI  على وضع تشخيص أدقّ. لا يُنصح باستئصال الأورام العضلية في أثناء العملية القيصرية أو في أثناء الحمل بسبب ترافق ذلك ونزفاً غزيراً قد تصعب السيطرة عليه، مما قد يضطر الطبيب إلى اللجوء إلى استئصال الرحم.

خامساً ـ الأورام المبيضية

قد تسبب الأورام المبيضية مضاعفاتٍ خطيرةً في أثناء الحمل والولادة والنفاس؛ بالانفتال أو بعرقلة الولادة عندما تتوضّع في الحوض الصغير أي أمام المجيء. أغلبها أورام كيسية: مسخية teratoma أو غدية كيسية موسينية mucinous cystadenoma. إذا انعضل الورم المبيضي في الحوض الصغير في أثناء المخاض ولم يتمّ وضع التشخيص الصحيح فقد يؤدي ذلك إلى تمزق الرحم أو إلى انفجار الورم الكيسي.

أخيراً من الضروري التنبيه أن عسرات الولادة التي تنجم عن شذوذات في النسج الرخوة والتي لم يتمّ كشفها في وقت مبكر يغلب أن تشاهد عند حوامل لم تتلقين عناية طبية كافية في أثناء الحمل، أو عند اللواتي أهملن مراجعة مراكز رعاية الحوامل بانتظام، وهو ما قد يؤدي إلى مضاعفات وخيمة بسبب التأخر في وضع التشخيص الصحيح في أثناء المخاض والولادة أو إلى عدم الوصول إلى التشخيص الصحيح إلا في وقت متأخر، وهذا ما يشاهد بوفرةٍ في بلدان العالم الثالث، في حين قلّت مشاهدة مثل هذه الحالات في البلاد المتطورة التي تتوافر فيها الخدمات الصحية جيداً. لهذا لا تتناقص هذه المضاعفات إلا بعد تحسن مستوى الممارسة الطبية والعناية المنظمة والشاملة لكل الحوامل وفي كل مراحل حمولهن.

شارك المقالة:
71 مشاهدة
المراجع +

arab-ency.com.sy

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook