عصور ما قبل الإسلام في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
عصور ما قبل الإسلام في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية

عصور ما قبل الإسلام في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية.

 
جاءت لفظة حائل بأكثر من معنى وبأكثر من سياق فمن الناقة التي لم تحمل عامها ذاك   أو التي لم تعد تحمل أبدًا   مرورًا بالشيء المتغير اللون وانتهاء بحجب الرؤية أو الحاجز الذي يحول بين الإنسان والشيء الذي يريد رؤيته   على أن كثرة معاني هذه الكلمة (حائل) لم تقف عند هذا الحد لتشمل عددًا آخر من المعاني منها أن حائل حالت بين بلاد الشام ودومة الجندل وبين القصيم والرياض   لذلك جاءت بهذه التسمية وربما بقي المجال مفتوحًا لمزيد من المعاني  .  وقيل إن التسمية لوجودها على ضفة وادي (الأديرع)  الغربية، فعندما يسيل هذا الوادي يحول بين سكان الجبلين، وكانت التسمية تطلق في الأصل على الوادي  
 
ويظهر أن التفسير الأقرب إلى الصحة هو أن حائل تعني الحاجز، أو الحاجب.
 
وتسمية حائل قديمة تعود إلى ما قبل الإسلام، وأقدم ذكر لها جاء في قصيدة لامرئ القيس 130 - 80 ق.هـ. يقول فيها:
أبـت أجأ أن تسلم العام جارها     فمن شاء فلينهض لها من مقاتل
تبيـت  لبـوني بالقريـة أمنا     وأسـرحها غبًـا بأكناف حائل
بنـو ثعـل جيرانهـا وحماتها     وتمنع  مـن رماة سعد ونائل  
ولكنها لم تكن تسمية للقرية الرئيسة في المنطقة فقد اشتملت على الوادي وعلى قرية حائل. ووفق الجاسر فإن إطلاق اسم حائل على المدينة لم يعرف إلا منذ قرنين من الزمان. وكانت الشهرة لبلدة قَفَار الواقعة جنوب قرية حائل  .  أما عن الوادي فيذكر أن أعلاه يدعى الأُديْرع، وتمتد فروعه من جبل حَضَن جنوب أجا، ثم تجتمع سيول أجا فيه، وتنحدر شرقًا، وترفده أودية صغيرة من الجنوب، وتجتمع كلها على مقربة من شرق مدينة حائل، ثم يتجه الوادي نحو الشمال الشرقي حتى تواجهه رمال النفود فتصرفه نحو الجنوب الشرقي، حيث تلتقي بسيول شرقي جبل سلمى، وتفيض بعد اجتماعها على مقربة من بقعاء، حيث تحجز هناك  . 
وعرفت المنطقة - أيضًا - بجبلي أجا وسلمى، ويقع الجبلان على طرفي مدينة حائل وواديها، فأجا إلى غربها مباشرة، ويمتد من الشمال إلى الجنوب مسافة 100كم تقريبًا، وعرضه بين 20 و 35كم، ومن أشهر قراه: جوّ في قمته، وعقدة في وسطه، وفيه كثير من القرى والعيون والآبار والوديان التي ينمو على جوانبها النخيل. وتقع سلسلة جبال سلمى إلى الشرق من جبال أجا  على بعد 50كم، وتمتد من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي مسافة نحو 51كم، وعرضها يراوح بين 10 و 15كم، ويوجد فيها كثير من القرى مثل: فيد، وطابة، وجانين، وسميراء  
 
وقد وردت في سبب تسمية أجا وسلمى قصص وأساطير، تشبه قصة إساف ونائلة اللذين عشقا بعضهما عند الكعبة فمسخا بعد تماسهما إلى صخرتين وضعتا عند الصفا والمروة وما لبثتا أن عُبدتا  .  ومن تلك القصص التي وردت عن أجا وسلمى ما قاله أبو علي القالي فيما نقله عن رجاله، أن سلمى كانت امرأة متزوجة ولها خلّ يقال له أجا وأن الوسيطة بينهما تدعى (العوجاء)، فهرب أجا بهما فلحقه زوج سلمى فقتل أجا وصلبه على ذلك الجبل فسمي به، وفعل كذلك بسلمى على الجبل الآخر فسمي بها، والعوجاء جبل هنالك أيضًا صلب عليه المرأة الأخرى فسمي بها. في حين أن قصة محمد بن سهل الكاتب تجعلهما عاشقين دون أن تكون هناك خيانة زوجية، فيقول: كان أجا بن عبدالحي يعشق سلمى بنت حام من العماليق، وكانت العوجاء حاضنةَ سلمى والرسولَ بينهما، فهرب بهما إلى هذه الجبال فسميت بهم، والعوجاء جبل هناك أيضًا ويسمى بالحاضنة لما كانت العوجاء حاضنة سلمى  .  وقد استمر أثر هذه الأسطورة حاضرًا في شعر طَيِّئ وأمثالها، وفيما بعد في رواية تاريخها، ومنها قول الشاعر:
ولـو  جبلي طي رميت بفرقة     لجاء أجـا سـلمى إليك مسلما  
أما فيما يخص السكن فقد أشارت المصادر إلى سكن طَيِّئ في الجبلين بعد هجرتها من اليمن، وعلى الرغم مما عرف عن العرب من التنقل والترحال، إلا أن طيِّئ أقامت في الجبلين، واتخذتهما منـزلاً لها حتى الآن  
وتُجمِع المصادر على أن أصل طَيِّئ من العرب اليمانية، وموطنهم همدان من جنوب الجزيرة، أما نسبه فقد اختُلف حوله، فقيل إن اسمه: جُلهُمة بن أُدَد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح  ،  أو طَيِّئ بن أدد بن زيد كهلان بن سبأ بن حِمْير  
 
ووفق هذه الروايات فإنه سمي بذلك؛ لأنه أول من طوى المنازل أو المناهل، في حين يذكر أن أول من طوى بئرًا هو زيد الخيل بن مهلهل بن يزيد بن طَيِّئ، وأم طَيِّئ هي دلة بنت منجشان بن كلة بن زدمان بن حِمْير، يقال إن أمها ولدتها على أطمة يقال لها مذحج، فسميت دلة مذحج فولدها كلهم يقال لهم بنو مذحج  .  وفي طَيِّئ عدد من البطون، منها: جديلة، وبحتر بن عتود، وبنو ثعلب، وبنو نبهان، وبنو هنيء، إليها ينسب البحتري والثعلبي والنبهاني والهنائي  .  ويذكر ابن حزم أنهم خرجوا من اليمن مع بني أسد حتى نـزلوا أجا وسلمى، ونـزل بنو أسد ما بينهما وبين العراق  .  ويرجح من أدلة تاريخية أخرى أن استقرار طَيِّئ في الجبلين كان في القرن الأول أو الثاني الميلادي.
 
وقد جاء في قصة نـزول طَيِّئ ووصولهم إلى الجبلين عدد من الروايات منها رواية ابن الكلبي التي تقول إنه لما تفرق بنو سبأ أيام سيل العرم سار طَيِّئ وبنو عمومته نحو تهامة وكانوا فيما بينها وبين اليمن، ثم وقع بين طَيِّئ وعمومته خلاف ففارقهم وسار نحو الحجاز بأهله وماله وتتبع مواقع القطر، وأوغل في أرض الحجاز، وكان له بعير يشرد في كل سنة عن إبله ويغيب ثلاثة أشهر ثم يعود إليه وقد عبل وسمن وآثار الخضرة بادية في شدقيه، فقال لابنه عمرو: تفقد يا بني هذا البعير فإذا شرد فاتبع أثره، حتى تنظر إلى أين ينتهي. فلما كانت أيام الربيع وشرد البعير تبعه على ناقة له فلم يزل يقفو أثره حتى صار إلى جبل طَيِّئ فأقام هنالك ونظر عمرو إلى بلاد واسعة كثيرة المياه والشجر والنخيل والريف فرجع إلى أبيه وأخبره بذلك؛ فسار طَيِّئ بإبله وولده حتى نـزل الجبلين فرآهما أرضًا لها شأن، ورأى فيها شيخًا عظيمًا جسيمًا مديد القامة على خلق العاديين ومعه امرأة على خلقه يقال لها سلمى وهي امرأته وقد اقتسما الجبلين بينهما مناصفة، فأجا في أحد النصفين وسلمى في الآخر، فسألهما طَيِّئ عن أمرهما، فقال الشيخ: نحن من بقايا صحار غنينا بهذين الجبلين عصرًا بعد عصر، أفنانا كر الليل والنهار. فقال له طَيِّئ: هل لك في مشاركتي إياك في هذا المكان فأكون لك مؤنسًا وخلاً. فقال الشيخ: إن لي في ذلك رأيًا فأقم فإن المكان واسع، والشجر يانع، والماء طاهر، والكلأ غامر. فأقام معه طَيِّئ بإبله وولده في الجبلين فلم يلبث الشيخ والعجوز إلا قليلاً حتى هلكا وخلص المكان لطَيِّئ، فولده به إلى هذه الغاية  
 
ورواية أخرى تدور حول نـزول أفراد أو أعيان من جديس بجبليها قبل أن تنـزلها طَيِّئ بعد هلاك جديس على يد حسان تبع، فقيل إن الأسود بن عفار أو غفار هرب إلى جبلي طَيِّئ فأقام فيهما. وفي ذلك الحين كانت طَيِّئ لا تزال في مواطنها بجنوب الجزيرة العربية مثل وادي طريب   ووادي الجوف  وغيرهما  .  ثم تتفق الرواية بعض الشيء مع رواية ابن الكلبي، إلا أن ابن الكلبي يشير إلى طَيِّئ بعد سيل العرم، في حين أنَّ ابن الأثير يشير إليهم وهم لا يزالون في همدان من اليمن. وتخلص القصة إلى وصول طَيِّئ إلى الجبلين ولكنهم عندما وجدوا الأسود بن عفار قتلوهُ. ونجد أن القصتين تشيران إلى وجود سكان في الجبلين، سبقوا الطائيين، وإن ربطناه بقوم خارقين للطبيعة في حجمهم، ووصلناهم بمنطقة صحار بعمان في رواية الكلبي، أو بقوم جديس وهم من العرب البائدة في رواية ابن الأثير. هذا مع العلم أن هناك قصة ثالثة تنسب إلى هشام بن محمد الكلبي لا تجعل في منطقة أجا وسلمى أحدًا من البشر، وتنسب سكنى المكان إلى الجن. ثم يذكر وصول بقايا جديس بعد استقرار الطائيين فيها ودخولهم في حرب قصيرة معهم انتصر عليهم الطائيون بعدها حتى خلصت لهم  
 
وكما نرى فهذه روايات يصعب ترجيح إحداها على الأخرى؛ لإغراقها في الأسطورة، لكن يمكن الخروج منها بأن طَيِّئًا خرجت من اليمن واستقرت في منطقة الجبلين الخصبة، وقد سبقها إليها قوم أو أقوام، وهذا لا شك فيه عندما تكون منطقة خصبة خضراء في وسط الجزيرة العربية وقفارها.
 
وقد أطلق ابن الكلبي على هذا الوادي اسم حائل، ولم تمضِ فترة من الزمن حتى شاع ذكرها على بلاد طَيِّئ جميعها  .  ويشير إلى ذلك الهمداني عند حديثه عن الريّان أحد قمم جبال أجا، فيذكر أن في أسفله أدنى مياه حائل  .  ومن الواضح أن حائل لم يكن لها شأن يذكر قبل نـزول الطائيين بواديها، واستحواذهم على السهل والجبل، حيث ارتبط اسمها بأمجادهم وأيامهم، وإن غلب عليها اسم الجبلين (أجا وسلمى)، أو جبلي طَيِّئ 
 
لم تكن حائل هي الموطن الوحيد للبطون الطائية بطبيعة الحال، بل كانت لهم مواطن أخرى خلال العصر الجاهلي أقدم منها، مثل: فيد  ، وسميراء  ، والأجفر  ،  التي نـزلوها قبل غيرها، والتي حظيت بالشهرة منذ العصر الجاهلي، ومن مدن منطقة حائل فدك 
 
وتضم حائل ضاحية السويفلة، وهي أسفل حائل، ويعتقد أنها أصل المدينة، وفيها بقايا آبار وآثار، وقد سُكنت قرية حائل في العصور الحديثة من قبل أمراء شمر، فاشتهرت، وشاع اسمها، وغلب على المدينة وسقطت كلمة قرية  ،  في حين يرى الجاسر أن عاصمة المنطقة القديمة هي بلدة قفار جنوب حائل  
 
شارك المقالة:
39 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook