علاقات الأخيضريين الخارجية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
علاقات الأخيضريين الخارجية في المملكة العربية السعودية

علاقات الأخيضريين الخارجية في المملكة العربية السعودية.

 
 
عاصر بنو الأخيضر في اليمامة مجموعة من القوى والإمارات داخل الجزيرة العربية وخارجها، ومن تلك القوى:
 دولة القرامطة في شرقي الجزيرة العربية  ،  وتلك الدولة قد مدت نفوذها إلى اليمامة. وقد مرت علاقاتها ببني الأخيضر بمراحل من التعاون وصفحات من الصراع والعداء، ثم آل الأمر إلى هيمنتها على اليمامة
 الدولة الإسماعيلية أو دولة قرامطة اليمن 268 - 303هـ / 882 - 915م وقد ذكرت بعض المراجع الحديثة أن زعيمي قرامطة اليمن الحسن بن حوشب وعلي بن الفضل، حاولا التدخل في شؤون اليمامة وإرسال الدعاة إلى أهلها معتقدين أنهم سيرحبون بهم لأن زعامة البلد للعلويين، إلا أن أولئك الدعاة قد فشلوا  
 إمارة الأشراف من بني الحسن في مكة، وإمارة بني مهنا الحسينية في المدينة. والمصادر لا تذكر قيام أي شكل من أشكال العلاقات بين الخضرمة، قاعدة بني الأخيضر، وبين المدينتين الرئيستين في الحجاز. ولعل من المعوقات التي حالت دون قيام مثل تلك العلاقات، الفوضى الأمنية التي كانت تعيشها نجد الغربية خلال القرنين الرابع والخامس الهجريين، ما أفسد قيام أي روابط تجارية واقتصادية بين الخضرمة ومكة والمدينة
وهناك القوتان الرئيستان في العالم الإسلامي - آنذاك - وهما العباسيون ومن كان متغلبًا عليهم، أي آل بويه ثم السلاجقة، والعبيديون (الفاطميون). ويبدو أن كلتا القوتين عدّت بني الأخيضر مجرد طرف ضعيف في ركن قصي، بسبب العوامل الجغرافية والاقتصادية، وبسبب القدرات غير النشطة عند بني الأخيضر. ولا يوجد أثر يوضح لنا حال الحياة العلمية والأدبية في اليمامة في عهدهم، فإن المصادر لم تَخْلُ من ذكر أدباء وشعراء ينتمون إلى المنطقة، يفدون إلى مركز الخلافة في أواخر القرنين الثالث والرابع. كما أن عددًا من كتب التراجم ترجمت لكثير من الأعلام ممن ينتمون إلى قبائل المنطقة، ومنهم من استقر في مواطن بعيدة عن ديار قبائلهم الأولى، ومن هؤلاء: محمد بن حفص بن نمير الزهمي الحنفي من أهل اليمامة، وهو راوية أديب بقي إلى آخر أيام المعتمد على الله (ت 278هـ / 891م)  .  ومن الأدباء والمؤلفين في الأمكنة - ممن ينتسبون إلى اليمامة - في القرن الثالث محمد بن إدريس بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة 
أشار ياقوت في معجم البلدان إلى أنه ألف كتابًا عن اليمامة ونقل عن هذا الكتاب نصوصًا كثيرة، ومما تناوله طرق اليمامة إلى البلاد المجاورة ومنها: طريقها إلى مكة، وطريق اليمامة إلى البصرة، وطريق اليمامة إلى هجر. وفي مقدمة معجم البلدان ذكر ياقوت   أنه رجع إلى كتاب له هو (مناهل العرب). وفي موضع ثانٍ ذكر أنه رجع إلى (مناهل اليمامة)، وفي موضع ثالث أحال إلى كتاب (اليمامة) للحفصي. ويذكر الجاسر أن هذه الأسماء الثلاثة هي لمسمى واحد.
لقد حرص الحفصي على المواضع والأمكنة والقرى والرياض اليمامية، ويعد أحد مصادر ياقوت في كتابه الموسوعي (معجم البلدان)  .  ويذكر حسين نصار  ،  أن من معالم منهج الحفصي أن يذكر معلومات عن إقليم المكان الذي يتناوله محددًا إياه، كما يذكر القبائل التي تسكن ذلك الإقليم المعرّف به
وتكتسب إفادات الحفصي المنثورة في معجم ياقوت وغيره أهميتها الجغرافية والتاريخية من كون الحفصي ينتمي إلى أسرة استوطنت اليمامة منذ العهد الأموي، ثم كان لها صلاتها الوثيقة بالعباسيين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تلك الإفادات الجغرافية تتعلق بمنطقة مهملة لم يحظ تاريخها وأحوال سكانها بتغطية كافية من أغلب المصادر التاريخية والجغرافية
وكذلك فإن من الأدباء الذين ينتمون إلى اليمامة أحمد بن إبراهيم أبا رياش القيسي، وهو راوية أديب عُرف بحفظ اللغة والشعر، وكان يتكلم بكلام البادية وهو على مذهب الزيدية، ولد بالبادية وتعلم بالخضرمة وتأدب بالبصرة وتوفي سنة 339هـ / 950م  
ومن علماء القرن الرابع المشهورين: أبو سهل محمد بن سليمان الصعلوكي الحنفي، نسبة إلى بني حنيفة لا إلى المذهب المشهور، وهو من أئمة عصره بنيسابور والمرجوع إليه في العلوم، (ت 369هـ / 980م). وقد برز من أسرة سليمان الصعلوكي الحنفي أحمد بن محمد الفقيه والمحدث (ت 337هـ / 948م)، وسهل بن أبي سهل (ت 387هـ / 997م) إمام فقيه  ،  وأبو عبدالله محمد بن إسحاق السعدي  ،  وكذلك برز من الأدباء هبة الله بن الحسن العلاف الذي ينسب إلى سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة (ت 377هـ / 987م)  
وبما أن اليمامة أضحت في ظل الأخيضريين بسياساتهم القاسية بيئة طاردة - وبشكل أكبر من أي فترة تاريخية - وفي المرحلة التي لم تعد فيها (حجر) من مواطن العلم المرحول إليها كما كانت أيام يحيى بن أبي كثير الإمام العلامة  ،  نبغ عدد من أبناء المنطقة في مراكز العلم الإسلامية وأسهموا في الإنتاج العلمي الثقافي الإسلامي.
 

بوادي اليمامة وعالية نجد في عهد الأخيضريين

 
خضع جزء من سكان حواضر اليمامة لنفوذ بني الأخيضر، أما البوادي في معظمها، فقد ظلت بمنأى عن ذلك النفوذ، نظرًا إلى قوة البوادي ونـزوع سادتها إلى الاستقلال، ولأن بني الأخيضر فضلوا البعد عن الأعراب محافظين على شرف ذاتهم ومنهاج آبائهم  ،  فيما ظل القرامطة هم أصحاب النفوذ على كثير من القبائل النجدية، إذ انضمت فصائل من تلك القبائل لجيوش القرامطة، لا عن قناعة ويقين، ولكن، لأن القرامطة نجحوا في استدراجهم وإغرائهم بالمكاسب والمغانم. وقد كان في جيش أبي سعيد الجنابي فصائل من كلاب وعقيل والحريش، وهم ينتمون إلى بني عامر بن صعصعة في عالية نجد  .  ويذكر المقريزي   أن بني الأضبط بن كلاب ساروا إلى أبي سعيد فأنـزلهم الأحساء، ومن القبائل التي خضعت لنفوذ القرامطة بنو نمير إذ جاءتهم رسل القرامطة يدعونهم إلى طاعتهم، فأجابوا إلى ذلك، وأخذت عليهم الأيمان بالطاعة سنة 358هـ / 969م  
 
لقد خدمت تلك القبائل النجدية مشروعات القرامطة التوسعية. ويذكر الحميدان أنه ليس هناك من دليل يشير إلى أن الزعامات البدوية قد تقبلت معتقدات القرامطة، وليس هناك من دليل يشير إلى أن القرامطة أنفسهم كانوا يقيمون تحالفاتهم على أسس عقائدية دائمًا، وإنما قام ذلك التحالف لوجود نقاط التقاء سياسية واقتصادية 
 
وكان القرامطة أصحاب مشروع توسعي، وقد وجدوا في القبائل عنصرًا محاربًا يمكن توظيفه واستغلاله. وبوساطة تلك القبائل هاجم القرامطة مناطق واسعة من الجزيرة العربية والهلال الخصيب. وكان الأخيضريون - حتى وهم في أوج قوتهم - لا يشكلون قوة جاذبة للاهتمام، ولم يكن لهم نفوذ سوى بين الحواضر. ومن هنا كانت قوى البادية، خصوصًا في مناطق عالية نجد، ترتب علاقاتها الخارجية دون النظر إلى هؤلاء. ولعل ما ذكره ابن فهد   من أن المعز لدين الله الفاطمي سلط بني هلال وهم من القبائل العامرية النشطة في القسم الشمالي من عالية نجد، على قوافل الحج العراقي العباسية، ويفهم منه أن الدول الكبيرة في العالم الإسلامي كانت تدرك أن تلك البوادي لا تخضع لأي قوى سياسية محددة، ولهذا اختارت التعامل معها مباشرة دون أي قوة من قوى الحواضر القريبة منها
 
كما أسهمت علاقات القرامطة بتلك البوادي في ازدياد حالة الجهل والبعد عن الشريعة الإسلامية، وعملت على تصعيد جرائم قطع الطريق وإخافة الحجيج، كما حدث في سنة 312هـ / 924م  .  ولقد بلغ الجهل في تلك البيئات من البادية حدًا عظيمًا، يدل على ذلك ما يذكره عبدالجبار الهمذاني (ت 415هـ / 1024م) من أن أحد العلماء وقع في أسر القرامطة، وبعد إطلاق سراحه ذهب إلى البادية، فذكر لهم ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعرفوه وقالوا ما سمعنا به  .  ولا توجد في الأمر مبالغة، خصوصًا أن هناك من البيئات من ظلت تعيش في عزلة وانقطاع عن الحواضر
 
وبالإضافة إلى دور القرامطة في تردي الأوضاع الأمنية في طرق الحج والبوادي النجدية بشكل عام، فإن الاتجاهات العدوانية أخذت تنمو في البادية ذاتها بحكم شيوع الجهل فيها وما يواكب ذلك من فراغ سياسي وأمني في ربوع البوادي العربية ومنها بوادي عالية نجد واليمامة
 
 
شارك المقالة:
112 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook