علم اليقين ويقين العلم

الكاتب: المدير -
علم اليقين ويقين العلم
"علم اليقين ويقين العلم

 

العلم هو المعرفة، وهو ضد الجهل، وتَختلف درجاته، فلا يُسَمَّى المرء عالمًا إلا بعد الوصول إلى ذروة المعرفة والإلمام بالشيء.

 

• فهناك المُتعلم، وهو من تلقَّى علمًا جديدًا.

 

• وهناك العالم، وهو القديم في العلم، والمتمرس فيه.

 

• وهناك العلَّامة، وهو من بلغ النهاية والغاية من العلم؛ حيث لا تخفى عليه صغيرة ولا كبيرة في مجال علمه.

 

• وهناك العليم سبحانه وتعالى، وهو فوق الكل، وهو مَن يُعطِي ما يشاء من علمه للعلماء بكافة أنواعهم، ويعلم ما يُسِرون وما يُعلِنون، ويعلم ذات الصدور، ويُقلب علمه كيف يشاء، ويُقسِّمه على مَن يشاء وقت ما يشاء، ولا يَجهل شيئًا، ولا يَخفى عليه خافية، وهو الذي أحاط بالعلم كاملًا.

 

• والعليم اسم من أسماء الله الحُسْنَى التي وصف الله تعالى بها نفسه، ولا يجب أن يُسَمَّى به أحد مِن خلقه.

 

ولقد ذكر لفظ (العليم) في القرآن الكريم (32 مرة)، ومِن المُلاحَظ أنه عند ذكر هذا الاسم يُقرن معه اسم آخر من أسمائه سبحانه وتعالى؛ مثل: (?الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ? - ?السَّمِيعُ الْعَلِيمُ? - ?الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ? - ?الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ? - ?الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ? - ?الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ?).

 

وكذلك ذكر اسم (عليم) في العديد من آيات وسور القرآن الكريم؛ كقوله تعالى: (?شَاكِرٌ عَلِيمٌ? - ?عَلِيمٌ حَلِيمٌ? - ?حَفِيظٌ عَلِيمٌ? - ?عَلِيمٌ قَدِيرٌ? - ?عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ? - ?عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ? - ?عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ? - ?عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ? - ?عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ?)، وقال تعالى: ? وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ? [البقرة: 231]، وقال تعالى: ? وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ? [يوسف: 76]، وإن دلَّ ذلك على شيء فإنما يدل على أن العلم رِفعة لكل مُتعلم ولكل عالم؛ فبالعلم يصل الإنسان إلى (العزة، والحكمة، والقدرة، والحلم، والشكر) إلى غير ذلك من الصفات.

 

بل بالعلم يدرك العالم أنه في معية الله تعالى، فهو سبحانه وتعالى القوة التي لا تُغلب، والسلطان الذي لا يزول، ولو وصل أي إنسان إلى هذه المرتبة وهذه الكرامة، لحصل بذلك على النصر والتمكين، والرفعة والسيادة في كل ما يصبو إليه، ولو نُزعت هذه الصفات من الإنسان، لكان في كل وادٍ مُتخبطًا، وبين الناس ذليلًا مَهينًا، فلا عزة ترفعه، ولا حكمة تمنعه، ولا قدرة تُحصِّنه.

 

? الفرق بين علمه تعالى وعلم غيره من الخلق:

إن الله تعالى له علمُ كلِّ شيء؛ فلقد وسِع كلَّ شيء علمًا، فهو سبحانه يعلم ما كان، وما هو كائن، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون.

 

1 - علم الخلق سَبَقَهُ الجهل، بينما علمه سبحانه وتعالى لم يسبقه جهل:

فعلمه سبحانه وتعالى أجلُّ وأعظم من أن يُقارن بعلم أحد من خلقه، ولكن المقارنة هنا لبيان ضعف المخلوق، وللرد على الظالمين؛ قال تعالى: ? وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ? [النحل: 78].

 

2 - عِلم الله تعالى لا يُنسى وعلم الخلق قابلٌ أن يُنسى: وإن لم ينسَه صاحبه، فإنه سيموت ويتركه، وإن تعلَّمه أحد من بعده، فسيأتي يوم ليترك علمه أو يتركه علمُه، بينما علم الله لا يمكن أن يُنسى؛ قال تعالى: ? قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ? [طه: 52].

 

• إن ظهور النقص في علم المخلوقين يدلُّ على كمال علم الخالق سبحانه وتعالى.

• إن ظهور العلوم الجديدة والأفكار الجديدة لدى الخَلقِ تبيِّن أن الخالق سبحانه وتعالى قد وسِع كلَّ شيء علمًا.

• وإنَّ تبايُن واختلاف العلماء يشير إلى عظمة الخالق وقدرته وتدبيره سبحانه وتعالى، فلقد بيَّن الله تعالى في كتابه الكريم عجز كثير من عباده عن معرفة كل شيء.

 

والدليل على ذلك أن الله تعالى قد بيَّن لنا في كتابه الكريم أن هناك قبيلتين هما (يأجوج ومأجوج) في الأرض التي نسكن فيها، وسخَّر لنا الأقمار الصناعية، وعلم الأرض، واستخراج بعض الخيرات من باطن الأرض، ولكن حتى الآن لم يستطع أحد معرفة أين يسكنون، وسوف يأذن الله تعالى بإخراجهم في آخر الزمان؛ قال تعالى: ? حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ ? [الأنبياء: 96].

 

وهناك من العلوم الغيبية التي أخبر سبحانه وتعالى بأنه لا يعلمها إلا هو، وسماها مفاتح الغيب؛ قال تعالى: ? إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ? [لقمان: 34].

 

فإذا عَلِم العبد بأنه سبحانه يعلم كل شيء ووسع علمه كل شيء، فإنه يستحي ويتأدب مع العليم، والحياء والخشية مرتبطان بمعرفته سبحانه وتعالى حق المعرفة، والعلم به وبقدرته، وأنه سبحانه يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور.

 

كيف تحصل على العلم من العليم سبحانه وتعالى؟

إن العلم لله تعالى يؤتي منه من يشاء بقدر منه وبفضله وبرحمته، وهو بعلمه يقدِّر ما يشاء، ولا رَادَّ لقضائه؛ قال تعالى في سورة البقرة: ? وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ? [البقرة: 255]، وقال تعالى في سورة البقرة أيضًا: ? وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ? [البقرة: 282].

 

وينقسم العلم إلى علوم الدنيا وعلوم الآخرة:

فأما علوم الدنيا، فهي هيِّنة عليه سبحانه وتعالى، ولا يُقيم الله تعالى لها وزنًا، فيعطي منها البَر والفاجر، والمؤمن والكافر، والأعمى والبصير، والقوي والضعيف، والفقير والغني، ومنها علم حسن مفيد، ومنها علم سيئ ضار، ومنها علوم يتنزه عنها الله تعالى؛ كالسِّحر والفسوق والعصيان؛ قال تعالى: ? كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ? [الإسراء: 20].

 

وأما علوم الآخرة، فهي غالية؛ وهي التي اختص بها الله تعالى الأنبياء والرسل والصالحين، ولا ينالها أحد إلا جزاءً منه سبحانه وتعالى على صلاح عمل أو حسن عبادة، أو فضلًا منه سبحانه وتعالى؛ قال تعالى في سورة القصص: ? وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ? [القصص: 14].

 

اليقينُ ثمرة من ثمرات العلم:

قال ابنُ قيِّم الجوزية: اليقينُ هو استقرارُ العِلْمِ الذي لا ينقلِبُ ولا يُحوَّلُ ولا يتغيَّرُ في القلْبِ.

 

• وقال أيضًا: اليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضَل العارفون، وفيه تنافَس المتنافِسون، وإليه شمر العاملون، وهو مع المحبة ركنان للإيمان، وعليهما ينبني، وبهما قوامه، وهما يمدان سائر الأعمال القلبية والبدنية، وعنهما تصدر، وبضعفهما يكون ضعف الأعمال، وبقوتهما تقوى الأعمال، وجميع منازل السائرين إنما تُفتتح بالمحبة واليقين، وهما يثمران كل عمل صالح، وعلم نافع، وهدى مستقيم.

 

وقال أبو بكر الوراق رحمه الله: اليقين ملاك القلب، وبه كمال الإيمان، وباليقين عُرف الله، وبالعقل عُقل عن الله.

 

واليقينُ لهُ ثلاثُ مراتبَ؛ ألا وهي: علمُ اليقينِ، وعينُ اليقينِ، وحقُّ اليقينِ؛ كما جاءَ في قوله تعالى: ? كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ? [التكاثر: 5 - 8].

 

وقد مثَّل ابن القيِّم لهذهِ المراتبِ الثلاثِ بقولهِ: مَن أَخبركَ أنَّ عندَهُ عسلًا وأنتَ لا تَشكُّ في صِدْقهِ، ثُمَّ أَراكَ إيَّاهُ فازددتَ يقينًا، ثم ذُقتَ مِنْهُ، فالأَوَّل: علمُ اليقينِ، والثَّاني: عينُ اليقينِ، والثَّالثُ: حَقُّ اليقينِ.

 

ومِن ثمرات اليقين أنه يتضمن سكون الفهم مع ثبات الحكْم؛ بحيث لا يحصل لصاحبه تردُّدٌ ولا ريبة ولا قلقٌ في داخله؛ وإنما يكون ثابتًا على مبدئه وعلى عقيدته ودينه، فلا يتزحزح، ولا يغيِّر، ولا يبدِّل، ولا يَحيد، ولا يتلوَّن.

 

ويمكن أن نوجز الفائدة من هذا الموضوع في نقاط محددة؛ وهي:

1 - أن العلم درجات؛ أعلاها (العلم الإلهي)، فالله تعالى يعلم ما نُسِرُّ وما نُعلن، ويعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور.

 

2 - أن العلم رفعة لكل مُتعلم ولكل عالم، فبالعلم يصل الإنسان إلى (العزة، والحكمة، والقدرة، والحلم، والشكر.... إلخ).

 

3 - العلم يحقِّق لصاحبه النصر والتمكين والرفعة والسيادة وكل ما يصبو إليه.

 

4 - الجهل يجعل الإنسان في كل وادٍ مُتخبطًا، وبين الناس ذليلًا مَهينًا، فلا عزة ترفعُه، ولا حكمة تمنعُه، ولا قدره تُحصِّنه.

 

5 - علم الله سبحانه وتعالى أجلُّ وأعظم من أن يُقارن بعلم أحد من خلقه، فعلم الله تعالى لا تحده حدود، ولا تُدركه الأفهام، ولا يصل إليه بشر.

 

6 - علم الله تعالى لا يسبقه جهلٌ ولا يُنسى، وهناك من العلوم التي اختص الله تعالى نفسه بعلمها ولا يعلمها إلا هو.

 

7 - كلما ازداد علم الإنسان بالله تعالى، كان أكثر حياءً من الله، وأكثر تأدبًا مع الله، وأكثر خشيةً لله.

 

8 - أن العلم عِلمان؛ فعلم الدنيا لهوانه على الله لم يَحجبْه عن أحد من خلقه، وأما علم الآخرة، فيؤتي منه مَن يشاء بقدر منه سبحانه وتعالى وبفَضله وبرحمته.

 

9 - العلم النافع يتولَّد عنه المحبة واليقين، وهما يُثمران كل عمل صالح، وهدى مستقيم.

 

10 - بالعلم والمحبة واليقين نصل إلى الإيمان الذي يقوِّي العقيدة ويثبِّتها، فلا تَعصِف بها الأهواء، ولا ينال منها البطش، ولا تخور أمام المغريات.

 

• تلك عشرة كاملة، أردتُ أن أخرج بها من هذا الموضوع؛ حتى نكون على دراية من أمرنا، فلا نتعلم من أجل العلم - وإنَّ العلم لَرِفعةٌ لصاحبه - ولا ندرس من أجل المُدارَسة، ولكن لا بد وأن نجني الثمار التي بها تَطيب النفس وتَقوى العزيمة، فتتصدَّع أمامها كل العقبات، وتنهار أمامها كل المُغريات.


"
شارك المقالة:
32 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook