عن الدعوة والإصلاح (1)

الكاتب: المدير -
عن الدعوة والإصلاح (1)
"عن الدعوة والإصلاح (1)

 

الدعوة إلى الله وظيفةٌ شريفة عظيمة، لا يوفَّق إليها إلا مَن أراد الله به خيرًا، وأراد أن يجعله من ورثةِ الأنبياء؛ إذ تُعتبر من مقومات نهوضِ المجتمع المسلم وصلاحِه.

 

بل هي من التواصي بالحق الذي لا بد منه، خاصةً في عصرنا هذا: عصر فتن الشهوات والشبهات؛ فالنهوض بالحقِّ عسيرٌ، والعوائق كثيرةٌ، والصوارف عديدةٌ، عندئذٍ يأتي التواصي بالحق، ليكونَ مذكِّرًا للمؤمنِ الذي يجدُ أخاه معه يوصيه وينصحه، ويكون خيرَ عون له على الثبات؛ لكن وللأسف الشديد نرى في أيامنا هذه أمورًا تدلُّ على مدى تدهورِ العمل الدعويِّ، وخروجه عن مقصده، الذي هو تعبيد الناس لخالقهم، وتذكيرهم، وتعليمهم أمورَ دينِهم، إلى عصبيات وحزبياتٍ ما أنزل الله بها من سلطان؛ بل كان بعض الذين يفترض بهم أن يحبِّبوا الناس في دين الله هم أول المنفِّرين!

 

كل هذا يعود إلى عدة مشاكل؛ أهمها:

• الجهل بالدعوة ومنهجها، وما تستلزمه العمليةُ الإصلاحية بصفة عامة.

 

• الخلل البيِّن في علاقة الدعاة بالمجتمع.

 

• كثير من التجارب الدعوية كانت تجسيدًا لرؤى إصلاحية لم يُبذل فيها جهد علميٌّ ومنهجي يقلِّلُ من نسبة الخطأ فيها؛ بل هي على عكس ذلك تمامًا تتسم بالعجلة والتسرُّع، قليلة الحظ من الفقه ومن المنهجية المحكمة.

 

زد على ذلك أن كثيرًا من العمليات الإصلاحية سارت وفق منهجيةٍ وضَعَها مَن لا يُعرف بعلم ولا فقه ولا تجربة، هذه الإشكاليات العلمية التي تنتج عنها إشكاليات في تصوُّر العملية الإصلاحية، أنتجت خللًا كبيرًا في الرؤى الإصلاحية، وكانت حاجزًا بينها وبين الانتفاع بما فيها من الحقِّ مِن قِبَل المستمعين؛ لظهور الضعف العلميِّ الشديد على الحاملين لرايتها، نتيجةً لفقدان الثقة فيهم مرجعيةً شرعية.

 

• العجلة الشديدة التي تجعل الداعيَ يملُّ الطريق، ويعتقد أن طريقته غيرُ مجدية ما لم يأتِ عن طريقها تمكينٌ، والحقيقةُ أنَّ العَلاقةَ بين الإصلاح والتمكين ليست علاقةَ سبب بمسبَّب؛ فقد تبذل جهدك ولا يؤتي الإصلاحُ ثمرتَه؛ إما بسبب عوائق، أو لحِكمةٍ لا يعلمها إلا الله.

 

وقد تكون مقصرًا في بذل الجهد مع كثرة العوائق، وتبلغ دعوتك ما كنت تنتظره منها؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يكتب علينا بلوغَ التمكين؛ إنما أمرنا ببذل الجهد في العمل المشروع والمقدور عليه؛ هذه القاعدة تجعلُك تتذكَّر أن لله حِكمةً بالغة في كل شيء، وتنبِذ النظرة المادية المفرطة، التي تجعلك تتوهَّم التلازمَ بين الدعوة والتمكين.

 

فالمسار الصحيح هو أن تعمل، وتبذل جهدك فيما تقدر عليه، ولا تدخل فيما تَعجِز عنه، فمنزلتُك عند الله على قَدْر سعيك لتحقيق مقامِ العبودية.


"
شارك المقالة:
35 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook