عن الشباب

الكاتب: المدير -
عن الشباب
"عن الشباب




من عادة رؤوس القوم، أن يصطَفوا مِن حولهم من ذوي الخبرة والرأي، والقوة والجلد، شِيباً وشباباً، و لما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم. كان صفوةُ الطبقة الأولى من أصحابه أربعين شابًّا، منهم: على والزبير وطلحة وابن مسعود، وسعد، وسعيد، وصهيب، وبلال..

 

ولما هاجر إلى المدينة كان من صفوة الطبقة الثانية من أصحابه كثير من الشباب، منهم: الحسن والحسين، وعبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت.

 

وكان إلى جانب هذا الشباب من الطبقتين، شابات من الطبقتين، أَدَّيْنَ رسالة النساء في الإسلام، منهن: فاطمة الزهراء، وأسماء بنت أبي بكر...، وكُنَّ كلهن عند إسلامهن في حدود العشرين، أو دونها، والشباب إلى سن الأربعين، كما قال الثعالبي في فقه اللغة[1].

 

فالواجب إذاً استثمار طاقات الشباب فيما ينفع الأمة، ويفيدها، دينيًّا ودنيويًّا، ومن أهم خصائص الشباب ومظاهرهم:

النضج الحسي والمعنوي، أو الجسدي والعقلي:

يُشَاهد أنه يصل إنتاج الفرد في هذه المرحلة إلى ذِروته، ويصل الفرد إلى تمام نُضجه، وتعد هذه المرحلة بحق مرحلة الكفاح والتنافس، وإرساء قواعد الحياة على أسس ثابتة مكينة [2]، فهم شعلة نشاط وحيوية، وشعبة جنون واندفاعية، فيلاحظ تميزهم في أداء الأدوار من اجتماعية، واقتصادية، وسياسية، وفنية...، حسيًّا وعقليًّا، وناهيك عن النضج الجنسي، الذي هو بحاجة إلى عناية ورعاية.

 

إذًا فهم - أي الشباب - يشهدون تطور النمو العضوي والجنسي بدرجة كبيرة، وما يرتبط به من الاهتمام بالجنس الآخر وتقبل النضج الجنسي، والقدرة على تحمل المسؤولية[3].

 

الرغبة في التعبير، والتطلع إلى التجديد:

غالبًا ما يثور الشباب على الظلم والتعسف، ويهاجمون التسلط، لوفور طاقاتهم العقلية والبدنية، ونراهم عندئذ أكثر فئة رغبة في التجديد، وتطلعاً إلى تقبل الحديث عن الأفكار والتجارب، ولذلك فإنهم يمثلون مصدراً أساسياً من مصادر التغيير في المجتمع، على أن يؤخذ في الاعتبار كيفية استيعاب هذه الرغبة، في التغيير والتجديد، من جانب النظام القائم دون تناقضات وصراعات حادة[4] ومن أخطر مظاهرهم - أي الشباب -:

تجاهل أدوار السابقين واللاحقين، وإشعال نار المعارضة لجلِّ الفئات:

فهم يرون، أن كثيراً من الأصول أو القواعد من: اجتماعية، وسياسية، وفنية، واقتصادية، قد استُهلكتْ، فوجب تعديلها، أو تغييرها، متناسين أن الوسط الاجتماعي المحيط ليس نتاج نشاطه فحسب، وإنما هو نتاجُ لأنشطة قامت بها، وتحملت مسؤوليتها الأجيال السابقة، ولذا يتجاهل الشباب الحقيقة، التي مؤداها أنه نتاج المجتمع، الذي يعيش فيه[5]، وينتج عن هذا المظهر، مظهر آخر، هو:

الثورة على الشيب في الأقوال، والأعمال:

يثور الشباب على الشيب، ويرمونهم بالبخل والأنانية والتحفظ، وربما يكون من أسباب تحفظ المسنِّين، إبطاء الحياة العقلية، والتفكير في الموت، وهذا أمر طبيعي، نتيجة لتقدم السن.

 

أما عن البخل والأنانية فيرتبطان بالتحفظ، والحاجة إلى الشعور بالأمن في ضوء العجز الجسماني، والحاجة لحب من أضْفَوْا عليهم الحب... [6]

 

ولخطورة هذه المرحلة، ينبغي مراقبتهم، ومراعاتهم، حفاظاً على المجتمع، ويكون هذا من جانب الأسرة والمجتمع، وعلى رأسهم رجالُ الدين، فينبه عليهم، ويبصرون بالحقائق الغائبة عنهم، أو التي تجاهلوها، ومن أهم ما يجب التأكيد عليه، الرفقة، أو الصحبة، فيوجهون إلى مصاحبة الأخيار، وارتياد دور العبادة، ومجالس الوقار، للاستفادة بدنياً وخلقياً، فـ الصحبة الطيبة موجودة في حياة كل شاب، ولها أهميتها في غرس القيم الروحية في نفوس الشباب، وعلى هذا إذا كانت الصحبة طيبة، استفاد منها الصديق مكارم الأخلاق، وإن كانت غير ذلك عادت عليه بسوء الخلق، وسار معهم بخطى سريعة واسعة، إلى طريق الهلاك والضياع، ويصبح عضواً فاسداً في المجتمع، والإسلام قد عالج ذلك في القرآن، والسنة، وحذر من الرفقة السيئة. قال تبارك وتعالى: ? الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ? [الزخرف: 67] [7]، وقال صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)[8][9].

 

إذًا فيكون لزامًا على محيط الشباب، ومَنْ حولهم الوقوف على مشكلاتهم، والسعي في إيجاد حلول لها، قبل تفاقم الخطر، وإهدار الطاقة، فيما يضر، وتكون الإفاقة على يد المَشِيب وتبعاته: من نقص، وضعف، ولذلك يقول أبو البقاء الرُّنْدي[10] (ت 684 هـ): [11] [من البسيط].

لكل شيء إذا ما تمَّ نقصانُ
فلا يُغَرَّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأمور كما شاهدتها دولٌ
من سَرَّهُ زمنٌ ساءته أزمانُ

 

وتعرضت لمثل هذه المظاهر الشبابية لوجود أشعار، أو محادثات تبين أثر الصحبة الصالحة، أو الطالحة، وكذلك التغير، والنمو البدني والعقلي على الشباب وتصرفاتهم. هذا بالنسبة للشباب.

 

أما بالنسبة للشِّيب، فيُلاحظ: أن جُلَّ مظاهرهم المعروضة آنفًا متوفرة لدى الشعراء الأندلسيين - ومَنْ على شاكلتهم - فهم يشكون الشَّيب، مفتاح الوهن والضعف، الذي قعد بهم عن أطايب الحياة، وملذاتها، تعلوهم الحسرة والأسى. وكان من النساء من ردَّت الخاطب من هؤلاء الشِّيب برفق أقرب إلى الألم والحزن من شيبهن. أما الحسان الشَّواب، فقد عنفن خاطبهن تعنيفًا مُرًّا.

 

ومن الشِّيب من اشتكى ذاكرته، ومنهم من تباهى بقوتها، وقد جفَّ عظمه، ويَبِسَ غُصْنُه، وخفَّ لحمه، بعد تخطيه الثمانين عاماً.

وما أكثر الساخرين من النساء، أو الغواني، ومن اللاهثين وراء الدنيا والحسان!

ومنهم من أكثر من التشوق والحنين، إلى جمال وحسن ما مضى من السنين، وما فيها من تَصابٍ ومُجونٍ، ومنهم مَنْ أرعوى وآب، وتنسَّك وتاب، وسار على الطريق الصواب.




[1] انظر الشباب والتربية الإسلامية، محمد المبارك عبد الله صـ 43، بدون الإشارة إلى مطبعة تاريخ الإيداع بدار الكتب سنة 1974 م، مشيرا إلى فقه اللغة للثعالبي صـ 104: 107.

[2] انظر الأسس النفسية للنمو صـ 350، 351

[3] انظر الشباب وتأزمه النفسي... صـ 13، 14.

[4] انظر الشباب والمجتمع د / محمد علي محمد صـ 38: 40، مراجعة وتقديم د / محمد عاطف غيث الهيئة المصرية العامة للكتاب الإسكندرية ط1 سنة 1980 م.

[5] انظر المرجع السابق والصفحة.

[6] في الصحة العقلية صـ 325، 326، وانظر الفرد في فلسفة شوبنهور، لفؤاد كامل صـ 93، 94، الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1991 م.

[7] الزخرف: 67

[8] حسن غريب، تحفة الأحوذي، رقم 2378 ط 1 دار الحديث 1421 هـ = 2001 م

[9] انحراف الشباب، بقلم مرفت إبراهيم صـ 31، مكتبة العلم والإيمان ط 1 سنة 1997 م.

[10] هو صالح بن أبي الحسن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن علي بن شريف، أبو الطيب، عاش ما بين 601 - 684 هـ انظر نفح الطيب حـ 4 / 486: 489 معجم الشعراء الأندلسيين والمغاربة صـ 137.

[11] انظر نفح الطيب حـ 4 / 486: 488.


"
شارك المقالة:
30 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook