عهد الإمام عبدالله بن سعود بالرياض في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
 عهد الإمام عبدالله بن سعود بالرياض في المملكة العربية السعودية

 عهد الإمام عبدالله بن سعود بالرياض في المملكة العربية السعودية.

 
على النقيض من سلفه، كان من نصيب الإمام عبدالله بن سعود أن جاء إلى الحكم وقد بدأت الدولة تنقص من أطرافها، والحرب ما زالت مستمرة، والدولة تضعف يومًا بعد يوم، وصلت القوات العثمانية وقوات محمد علي إلى منطقة القصيم، قبل أن يعقد صلح بين الإمام عبدالله بن سعود وطوسون باشا انسحب بموجبه الأخير من نجد، وعاد إلى مصر 
 
توقفت الحرب بين الطرفين لبعض الوقت، ولكن محمد علي لم يوافق على الصلح، وبدأ يعد لحملة جديدة مجهزة بأحدث الأسلحة أسند قيادتها إلى ابنه إبراهيم باشا، ووصلت طلائعها إلى الحجاز في أواخر سنة 1231هـ / 1816م، وعندما سمع الإمام عبدالله بن سعود بقدوم قوات إبراهيم باشا، جمع قواته وذهب إلى القصيم للتصدي لها هناك، وبعد اشتباكات عدة بين الطرفين أدرك تفوق قوات إبراهيم باشا، ولذا قرر الانسحاب من القصيم وتركيز دفاعاته في الدرعية  .  ويبدو أن هذا الإجراء قد أضعف ما تبقى من أمل للمقاومة في القصيم، فأخذت بلدانه تسقط واحدة تلو الأخرى.
 
وبعد أن أحكم إبراهيم باشا سيطرته على القصيم، أخذ معه عددًا من زعماء بلدانها، وذلك لأمرين: الأول لكي يضمن عدم ثورة تلك البلدان ضده. أما الأمر الثاني: فهو لتأمين سلامة مواصلاته وخطوط إمداداته الطويلة من مصر عبر موانئ البحر الأحمر التي لا بد أن تمر بالقصيم، تقدم بعد ذلك في طريقه إلى الدرعية، وكان الوشم أول إقليم في منطقة الرياض يصل إليه، حيث نـزل بلدتي أشيقر والفرعة اللتين هالهما ما لدى إبراهيم باشا من قوة وعتاد عسكري، فطلب أهلهما الأمان ومنحهم ذلك مقابل أن يدخلوا في طاعته  
 
أما شقراء،  قاعدة إقليم الوشم التي عرف عن أهلها شدة تحمسهم للدعوة الإصلاحية، فقد كان الأمر فيها مختلفًا، كان الأهالي يتابعون أخبار الحرب منذ البداية، فعندما سمعوا بتقدم قوات طوسون أمر حمد بن يحيى بن غيهب، أمير شقراء، بحفر خندق حول البلدة، ولكنهم توقفوا عن إكماله بعد الصلح، وعندما سمعوا بتقدم قوات إبراهيم باشا صوب القصيم، أمرهم مرةً أخرى باستئناف العمل وإكمال الخندق، وقد أسهم في ذلك كل فئات المجتمع بمن فيهم النساء والأولاد، كما طلب منهم بناء جدار على الجانب الداخلي من جهة السور، وتحسبًا لحصار طويل طلب من أغنيائهم شراء كميات كبيرة من الحنطة، وبالإضافة إلى هذه الاحتياطات، أمر بقطع عسبان النخيل التي تلي الخندق والقلعة  
 
خرج إبراهيم باشا في مهمة استطلاعية إلى شقراء، عندما كانت قواته معسكرةً في أشيقر، للتعرف إلى جغرافيتها ودفاعاتها، وأفضل الأمكنة لإقامة معسكر جيشه، ومهاجمة البلدة، وبعد أن وصلت إليه إمدادات من الذخيرة والعساكر، تقدم بجيشه إلى شقراء، ونـزل أسفل البلد وشمالها وضرب عليها حصارًا. أخذ يضرب البلد بالمدافع والقنابل، ووقع قتال شديد أبدى فيه أهل شقراء صنوفًا من البطولات وجرح الأمير حمد بن يحيى، ولكن الجيش المهاجم بأسلحته الفتاكة تفوق عليهم واضطرهم إلى التراجع إلى داخل البلدة. قال ابن بشر في وصف ضراوة هذه المعارك: "فرمى البلد منه رميًا هائلاً أرهب ما حوله من القرايا والبلدان من أهل سدير ومنيخ والمحمل وغيرهم، حتى سمعه من كان في العرمة ومجزل وما حولهما... إلخ" 
 
وعلى الرغم من نداءات إبراهيم باشا لهم بالصلح، إلا أن أهل شقراء رفضوا ذلك، فاستمر القتال حتى تمكن جيشه من تضييق الحصار عليهم وهدم جزء من السور. وأخيرًا رأى أهالي شقراء أن لا مفر من طلب الصلح، فتصالحوا معه بشرط أن يؤمنهم على دمائهم وأموالهم وممتلكاتهم، وباستيلائه على شقراء دانت له كل بلدان الوشم تقريبًا، وأرسل فرقًا من جيشه إلى المحمل وسدير تمكنت من إخضاعهما، والحصول على بعض الخيل والحبوب والأعلاف، في هذه الأثناء وردت إلى إبراهيم باشا شائعة مفادها أنهم يريدون أن ينقضوا الصلح، فدخل البلد غاضبًا وجمع بعض أعيانها الذين أوضحوا له أن ما سمعه لا يعدو كونه وشاية بهم 
 
والحقيقة أن استيلاء إبراهيم باشا على إقليم الوشم، وقاعدته شقراء، يعد إنجازًا مهمًا له، ليس فقط لأن كثيرًا من البلدان الأخرى داخل هذا الإقليم وخارجه، قد استسلمت له بعد ذلك، لأنه قد أمن طرق مواصلاته وإمداداته عند مرورها بهذه المنطقة في طريقها إلى الدرعية
 
كان الإمام عبدالله بن سعود منشغلاً بتحصين الدرعية وتهيئتها لحصار طويل، بالإضافة إلى متابعة تحركات جيش إبراهيم باشا. بعد سقوط شقراء، أرسل الإمام عبدالله إلى ضرما حامية عسكرية من الدرعية بقيادة سعود بن عبدالله بن محمد بن سعود، كما أمر بالتوجه إليها كلاً من متعب بن إبراهيم بن عفيصان ومعه عدد من الرجال من أهل الخرج، ومحمد العميري ومعه عدد من الرجال من أهل ثادق والمحمل، سار إبراهيم باشا بجيشه حتى وصل ضرما وحاصرها، ثم بدأ في قصفها من جهة الشمال بشتى أنواع الأسلحة الفتاكة، ثبت المدافعون عن البلدة ودافعوا دفاعًا مستميتًا، على الرغم من هول المعركة، وكثرة القتلى، وتفوق خصومهم عليهم في العدد والعدة، وقد روى شاهد عيان أنه في أحد أيام الحصار سقط على البلدة فيما بين المغرب والعشاء نحو خمسة آلاف وسبعمئة رمية ما بين قنابل ورميات مدافع، ويبدو أن إبراهيم باشا أراد أن يلقن أهل ضرما درسًا، ويظهر قوته في محاولة منه لتثبيط همم خصومه، وتشجيع بعض المترددين من أهل البلدان المجاورة في الانضمام إليه، كما حصل بعد استيلائه على شقراء، وكذلك لرفع معنويات أفراد جيشه نظرًا إلى قربهم من هدفهم الرئيس، وهو الاستيلاء على الدرعية، وبعد أربعة أيام من المعارك الضارية، تمكنت قوات إبراهيم باشا من دخول البلدة عنوة، وعلى الرغم من إعلانه الأمان لأهل ضرما، إلا أنه كثر القتل والسلب والنهب فيها، وحوصر سعود بن عبدالله في قصر ومعه أكثر من مئة رجل حتى حصل على الأمان، فخرج هو ومن معه وساروا إلى الدرعية، كما كان من نتائج اقتحام ضرما أن هرب بعض الرجال يهيمون على وجوههم في البرية حتى خلت البلدة من الرجال، ثم جمع إبراهيم باشا النساء والأولاد وعددهم نحو ثلاثة آلاف نسمة استخدمهم بوصفهم سلاحيًا نفسيًا عندما زج بهم إلى الدرعية للضغط على حاميتها المدافعة عنها، وعلى سكانها، وكذلك لاستنـزاف مواردها التموينية  
 
شارك المقالة:
44 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook