عهد الدولتين السعوديتين الأولى والثانية في منطقة الحدود الشمالية في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
عهد الدولتين السعوديتين الأولى والثانية في منطقة الحدود الشمالية في المملكة العربية السعودية

عهد الدولتين السعوديتين الأولى والثانية في منطقة الحدود الشمالية في المملكة العربية السعودية.

 
تقدم أن منطقة الحدود الشمالية كانت صحراء شاسعة، وتفتقر إلى الاستقرار الحضري والسياسي معظم تاريخها؛ لذلك فإن تاريخها في العهد العثماني يتركز في الحديث عن استقرار مؤقت وحركة عبور لبعض قبائل البادية. وكان ذلك منذ فترة مبكرة من القرن الثاني عشر الهجري/السابع عشر الميلادي؛ لذلك فإن استيطان القبائل البدوية في منطقة الحدود الشمالية يعد مرحلة مهمة في تطور تاريخ هذه المنطقة في التاريخ الحديث إبان العهد العثماني.
 
والواقع أن هجرات قبائل شبه الجزيرة العربية وانتقالها من مكان إلى آخر بقصد الاستيطان المؤقت أو الدائم، أمر معروف من قديم الزمان، فهو يحصل دائمًا لعدة أسباب أهمها: البحث عن مواطن مناسبة للماء والمرعى حينما يقل ذلك أو ينعدم في مناطق استيطانها الأصلية. كذلك يحدث هذا التنقل نتيجة صراعات مع قبائل أخرى ما يضطر بعض هذه القبائل إلى النـزوح والبعد عن الصدام خصوصًا إذا لم تكن لديها القدرة على مواصلة الصراع والانتصار فيه.
 
وتعد القبائل الرحل في تلك الفترة هي الأكثر ارتباطًا بمنطقة الحدود الشمالية في الماضي عبورًا واستقرارًا حيث كانت المنطقة غنية بمراعيها وموارد المياه فيها؛ لكثرة أوديتها. كما أنها المعبر الطبيعي للتنقل شمالاً وغربًا بين شبه الجزيرة العربية وكل من العراق والأردن والشام سواء للاستقرار أو التجارة وغيرها.
 
وقد تداخلت علاقات هذه القبائل في تلك المنطقة؛ بسبب النـزاع على المراعي الخصبة ومناهل المياه النادرة في أنحاء المنطقة.
 
وفي أوائل القرن الثالث عشر الهجري / أواخر القرن الثامن عشر الميلادي بعد قيام الدولة السعودية الأولى على مبادئ الدعوة السلفية الإصلاحية التي نادى بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وامتد نفوذها إلى شمالي شبه الجزيرة العربية، ونجحت في بسط هذا النفوذ على معظم المناطق الشمالية، فمنذ سنة 1202هـ / 1788م كان نفوذ الدولة السعودية الأولى وتوسعها قد شمل مناطق نجد كلها وما جاورها شمالاً وهي مناطق الحدود الشمالية والجوف مما يلي العراق والأردن والشام، وأصبحت تبعية هذه المناطق الإدارية مرتبطة بمنطقة جبل شمر -أي حائل- ومن يحكمها الذي بدوره يمثل الإمام في الدرعية. وقد دخلت تبعًا لذلك في حكم السعوديين معظم القبائل المعروفة التي تستوطن الشمال  
 
وخلال توسع الدولة السعودية الأولى في شمال الجزيرة العربية ومنها منطقة الحدود الشمالية؛ حصلت مواجهات مع بعض القبائل التي تعودت على عدم الخضوع لحكومة مركزية.
 
وتذكر المصادر التاريخية أن الإمام سعود بن عبد العزيز أخذ في عام 1229هـ / 1814م من إحدى القبائل القاطنة في الحدود الشمالية، زكاة ماشيتهم، وكانت تشكل قيمة كبيرة في ذلك الزمن، إذ بلغت ما يعادل أربعين ألف ريال؛ وهذا يدل على وفرة المراعي ومناهل المياه في المنطقة، وعلى امتداد نفوذ الدولة السعودية الأولى إلى تلك المنطقة، ودفع الزكاة كان يعني اعترافًا من القبائل القاطنة هناك بسلطة مَنْ دُفعت إليه  
 
ومن المناطق المشهورة التي عرفت بوفرة المياه فيها موقع (لينة) المعروف.
 
وكان الصراع والتنافس على مثل هذه المواقع على مر الزمن بين القبائل، حيث لم يكن لقبيلة معينة أن تخلص مناطق الوديان والحماد (منطقة الحدود الشمالية) لها وحدها، وترى أن لها حقًا في تلك المناطق لا بد من حصولها عليه؛ إذ إن مناهل المياه هي أمر حيوي جدًا لحياة الصحراء.
 
عهد الملك عبد العزيز 1340هـ / 1920م
 
بدأ تأسيس المملكة العربية السعودية بدخول الملك عبد العزيز الرياض عام 1319هـ / 1902م وتبع ذلك استعادة مناطق نجد وبلدانها وما ينضوي تحت إدارتها من مناطق في شرقي البلاد وشماليها وغربيها وجنوبيها، ومن ضمن ذلك منطقة الحدود الشمالية التي كانت تتبع للسعوديين منذ عهد الدولة السعودية الأولى والثانية. بهذه المراحل والخطوات التي قام بها الملك عبد العزيز استكمل توحيد البلاد العربية السعودية على مدى ثلاثة عقود، وبرزت المملكة على المسرح الدولي باسمها الحالي (المملكة العربية السعودية) عام 1351هـ / 1932م. في تلك المرحلة من مراحل توحيد هذه المناطق ضمن كيان المملكة العربية السعودية زار الرحالة النمساوي (إلويس موزل) شمال شبه الجزيرة العربية  ،  حيث عبر منطقة الحدود الشمالية إلى العراق قادمًا من الجوف. وقد كتب عن المنطقة وعن التطور التاريخي لها خصوصًا تأكيده خضوعها منذ زمن مبكر لسلطة السعوديين حتى عهد الملك عبد العزيز  
 
وقد برزت تدريجيًا أهمية منطقة الحدود الشمالية في تاريخ المملكة المعاصر منذ وقت مبكر، ظهر في استعادتها مع استعادة منطقة حائل وما يجاورها شمالاً حتى حدود العراق، وذلك في الفترة 1340 - 1341هـ / 1921 - 1922م. وقد شكلت منطقة الحدود الشمالية منذ ذلك الوقت عامل ثبات واستقرار وتأليف للقبائل التي توجد هناك، فالمنطقة قبل نهاية الستينيات الهجرية / الأربعينيات الميلادية كانت منطقة رعي لمواشي البادية ومعبرًا لقوافل الحج والمسافرين والتجار دون أن يوجد فيها استقرار حضري. وقد وصف الرحالة البريطاني (عبد الله فيلبي) المنطقة وصفًا تفصيليًا، وشرح وضعها المشار إليه من حيث الاستيطان في رحلة استكشافية عام 1340هـ / 1922م  .  أثناء هذه الرحلة تتبع (فيلبي) وادي عرعر  لمسافة طويلة تزيد على 200 ميل، وقد كتب عن ذلك تقريرًا مطولاً وصف فيه مسيرة وادي عرعر وبعض المواقع ومناهل المياه في منطقة الحدود الشمالية  
 
وتتضح أهمية منطقة الحدود الشمالية في أن مواقع - مثل: (لينة) و (لوقة) و (أم رضمة) وأمثالها - أصبحت مراكز حاميات دائمة ومتقدمة منذ الخمسينيات الهجرية في القرن الماضي الهجري (الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي)، حيث قامت الدولة ببناء قصور في تلك المواقع استكملت عام 1355هـ / 1936م، وقد عززت تلك المراكز بالقوات والمؤن اللازمة، وأدت هذه المراكز المتقدمة في منطقة الحدود الشمالية دورًا مهمًا في تثبيت الأوضاع وتهدئة القبائل في المناطق الشمالية خصوصًا في ظل وجود حكومي رسمي وتوافر آبار المياه وبعض الخدمات الأخرى للبادية التي مهدت السبيل لظهور منطقة الحدود الشمالية بوصفها منطقة متميزة المعالم بعد سنوات قليلة من تلك الأحداث.
 
كل ذلك جعل المنطقة واحدة من المناطق الرئيسة؛ بسبب موقعها الإستراتيجي على حدود المملكة شمالاً بمحاذاة العراق والأردن. ومن أبرز ما قام به الملك عبد العزيز في هذه المنطقة في مجال العلاقة مع دول الجوار معالجة قضية تعيين الحدود مع هذه الدول الشقيقة. وعلى الرغم من أنه اكتنف هذه المسألة بعض الصعوبات في البداية من نواحٍ جغرافية طبيعية واجتماعية وسياسية إلا أنه تم تذليل تلك الصعوبات.
 
وقد أرسى الملك عبد العزيز- رحمه الله- علاقته مع دول الجوار على دعائم ثابتة من الأخوة العربية الإسلامية وحسن الجوار والثقة والتعاون البناء المثمر وتبادل المنافع والمصالح وحل ما قد ينشأ من خلافات بالطرق السلمية، وتمثل كل ذلك في جملة من المعاهدات والاتفاقيات بين المملكة العربية السعودية وتلك الدول، من أهمها ما تم مع دولة العراق التي تحاذي منطقة الحدود الشمالية بحدود طويلة   فقد تم عقد مجموعة من المعاهدات والاتفاقيات مع العراق، أبرزها:
 
 معاهدة الصداقة وحسن الجوار بتاريخ 20 من ذي القعدة 1349هـ الموافق 7 إبريل 1931م، ومن أهم ملامحها التفاهم على مسألة تنقل القبائل والعشائر بين منطقة الحدود الشمالية للمملكة والعراق وتحديد مواقع المخافر الحدودية.
 
 اتفاقية طريق الحج البري الذي يخترق قسمًا كبيرًا من منطقة الحدود الشمالية بتاريخ 8 من ذي القعدة 1353هـ الموافق 12 فبراير 1935م بما تشمله من تنظيم عملية دخول قوافل السيارات وخروجها بين البلدين الجارين ومناطق تزويدها بالوقود والمؤن.
 
 اتفاقية روضة التنهاة بتاريخ 28 صفر 1359هـ الموافق 6 إبريل 1940م، وهي تأكيد لما ورد في الاتفاقية الأولى فيما يخص موضوع العشائر والقبائل التي تقيم على الحدود وطريقة تنقلها بين الحدود الشمالية للمملكة وداخل العراق.
 
 اتفاقية التعاون الاقتصادي بتاريخ 3 - 11 شوال 1372هـ / 17 - 25 يونيو 1953م، ومن أبرز ملامحها التفاهم على تأسيس مصلحة الهاتف اللاسلكي في المواقع الحدودية ومسائل حول نقل النفط بين البلدين وطريق الحج البري  
 
وكان لموقع هجرة (أم رضمة) دور آخر مهم في تثبيت الأوضاع في الشمال، حيث برز ذكر هذه الهجرة أثناء القضاء على مشكلة الإخوان عام 1348هـ / 1929م، و (أم رضمة) هي إحدى الهجر التي أنشئت لتوطين البدو. وكان متمردو الإخوان قد لجؤوا إلى أجزاء من منطقة الحدود الشمالية وطاردهم جيش الملك عبد العزيز وحدثت معركة بين جيش الملك عبد العزيز بقيادة الأمير عبد العزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود وبين متمردي الإخوان بقيادة عبد العزيز بن فيصل الدويش الذي كان مناوئًا للملك عبد العزيز في ذلك الوقت.
 
وقد كانت المواجهة قرب (أم رضمة) في مكان يقال له (المسعري) وكانت نتيجة المعركة انتصارًا حاسمًا لجيش الملك عبد العزيز.
 
وتكمن أهمية هذه المعركة في أنها واحدة من أهم حلقات الصراع العسكري وآخره بين جيوش الملك عبد العزيز والإخوان، ذلك الصراع الذي كسر فيه تمرد بعض الإخوان، وكانت تلك المعركة آخر محاولة لهم لتثبيت انشقاقهم ومحاولتهم تمزيق وحدة البلاد.
 
كما أن هذا الحدث ونتائجه الإيجابية أبرز دور المنطقة في الحفاظ على وحدة البلاد وترسية الأمن والاستقرار اللذين كان ينشدهما الملك عبد العزيز رحمه الله  . 
 
وبعد تلك الأحداث أصبحت (أم رضمة) مركزًا متقدمًا للجمارك بين المملكة والعراق وفيها أيضًا كانت تُوزَّع المحروقات لجميع مناطق الشمال حيث تأتي هذه المحروقات من السفانية على الخليج في المنطقة الشرقية  
 
شارك المقالة:
147 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook