عهد الملك خالد بن عبدالعزيز في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
 عهد الملك خالد بن عبدالعزيز في المملكة العربية السعودية

عهد الملك خالد بن عبدالعزيز في المملكة العربية السعودية.

 

 مولده ونشأته

 
وُلد الملك خالد بمدينة الرياض عام 1331هـ / 1913م  ،  في أثناء توجُّه والده إلى الأحساء   لضمِّها إلى الدولة السعودية الحديثة بعد إجلاء العثمانيين عنها، فاقترن مولده بفرحة الأب الغامرة باستعادة الأحساء. ووالدته هي الجوهرة بنت مساعد   بن جلوي بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود، تزوجها الملك عبدالعزيز عام 1326هـ / 1908م.وقد نشأ الملك خالد تحت رعاية والده أسوةً بإخوته، وكان النجل الخامس له، وترعرع في قصر الحكم في الرياض  . قرأ الملك خالد في طفولته القرآن الكريم وحفظ ما تيسَّر منه، وتلقى مبادئ العلوم الدينية   في كتَّاب آل المصيبيح، ومن معلِّميه محمد بن مرحوم المصيبيح  ،  والشيخ ناصر بن حمدان  ،  وخصص له والده معلمًا في القصر يقوم على تربيته تربية حسنة  .  كما تدرب الملك خالد على الفروسية والرماية  وقد برع فيهما وتفوق في هذا المضمار  ،  تدل على ذلك مشاركته الفعَّالة في معارك توحيد البلاد  ،  ولديه مجموعة من التذكارات حصل عليها من رحلاته المختلفة قبل توليه الحكم  . استفاد الملك خالد من مجالس والده؛ فقد كان القصر مقصد العلماء والفقهاء وأهل الرأي والمشورة، وتُناقَش فيه أمور الدين والدولة، وتُعرَض فيه النشرات الإخبارية الجديدة المستقاة من الإذاعات الخارجية  ،  فكان يعيش الأحداث ويتفاعل معها، ويتعلم أمور السياسة، فأصبح عارفًا بأحوال البلاد العربية والإسلامية معرفة وثيقة، ملمًا بسياسات الدول الأجنبية.وكان للحرم المكي الشريف دور كبير في ثقافته الدينية، فقد قضى سنين من عمره في مكة المكرمة بعد ضمِّ الحجاز، فكان مولعًا بالذهاب إلى الحرم، وسماع القرآن الكريم، وحضور حلقات التدريس، وهذا أكسبه ورعًا وخوفًا من الله فكان هاجسه دومًا: "إني سوف أُسأل من الله"  . 
 

 سماته الشخصية

 
عُرِف الملك خالد بلقب (الملك الصالح)، وقد اكتسب هذا اللقب من الصفات التي تمتع بها، والتي من أبرزها المحافظة على الصلوات، وعطفه على الضعفاء، وحرصه على الصدقات  ،  وكان يحتفظ بمصحف صغير مغلف بجلد أخضر اللون في أحد جيوب ثوبه، وكثيرًا ما كان يقرؤه ويتلو آياته  ،  واعتاد على أن يستمع يوميًا ما تيسر من القرآن الكريم والتفسير والأحاديث النبوية من الشيخ سعد بن سليمان المسعري  . وعُرف عنه أيضًا المداومة على السنن؛ فقد كان محافظًا على صلاة الوتر، لا يتركها في أي ظرف  ،  كما حرص على أن يؤدي للناس حقوقهم كاملة، ومن أمثلة ذلك عند تقدير أملاك أصحاب البيوت بجبل أبي قبيس بمكة المكرمة، فقد أضاف إلى التقدير ضعفين، وقال: "حتى أُبرئ الذمة، وأصلي في مكان قد أعطيت الناس فيه حقوقهم"  . كان يهتم بضيوفه ويسأل عن الترتيبات التي تُعد لهم، حتى إنه - أحيانًا - يحب التعرف إلى كل نوع من أنواع الأكل الذي يُقدَّم لهم، ويُوصي - أحيانًا - بإعداد بعض الأكلات الشعبية، كما كان كثير البشاشة والتودد لزائريه، وكان ملتزمًا بمجلسين يوميًا لاستقبال الزائرين.شارك الملك خالد في عدد من معارك توحيد المملكة، فكان سندًا وعونًا لوالده، وأبلى فيها بلاءً حسنًا، وأظهر براعة دلت على شجاعته. كما كان محبًا للفروسية والصيد، ومجيدًا في إصابة الهدف، ويذكر جلساؤه صورًا من براعته في الرماية   وكان ينظم رحلات الصيد في أعماق الصحراء  ، كما أن ولعه بالخيل جعل الفروسية الهواية المفضلة لكثيرين اقتداءً به  . كان الملك خالد منذ طفولته يتمتع بقوة الذاكرة، وقد كانت ذاكرته تثير الإعجاب، فقد كان مُلِمًَّا بأسماء جُلِّ قبائل الجزيرة العربية ولهجاتها، وعلى معرفة تامة بأنسابها وبطونها وأفخاذها وتواريخها؛ لذلك كان الملك عبدالعزيز إذا أراد حل نـزاع أو ما شابه ذلك بين القبائل العربية اختاره ليرسله إليها  . عُرفت عنه بساطته الشديدة وتواضعه الجم طيلة حياته، وكان يفضل كثيرًا الذهاب إلى البادية كلما حانت له الفرصة، وقد كان سكان البادية يبادلونه الشعور بالمحبة، وكان يتحدث إليهم، ويجلس معهم الساعات الطوال  .  ومثلما عرفت عنه الشعوب العربية والإسلامية صفات البساطة والتواضع عرف الغربيون عنه الشيء نفسه، إلى درجة أن عدة صحف غربية ذكرت عنه أنه كان يصر على الوقوف على الرغم من ظروف مرضه لرد التحية لزواره  ،  وقد عُرف بأنه يكره النفاق والتكبر والتملق، وأنه عفوي وودود  . لقد اعتاد الملك خالد متابعة أمور شعبه يوميًا، وكان يتابع الأخبار المحلية والعربية والعالمية التي تُقدَّم له صباحًا ومساءً، ويستمع للمذياع في مجالسه الخاصة  ،  ومما لا يُنسى للملك خالد زيارته إلى كل مناطق المملكة، فقد أخذ على عاتقه زيارة أبناء شعبه، وكان يقول: "نحن نسعى إلى مناطق المملكة النائية، حتى لا نكلفهم عناء السعي إلينا"؛ لذا كان يحب السفر بالطرق البرية، ويفضلها كثيرًا على (طائرته الخاصة) كي يتسنى له دخول المدن والقرى والهجر ليسأل عن أحوال شعبه، ويصافحهم ويطمئن عليهم  . كان الملك خالد في جولاته البرية صبورًا على متاعب السفر، محتملاً لمشاقه ويقابلها بارتياح  ،  قال عنه طبيبه الخاص: "إنه لم يرَ في حياته كلها إنسانًا أكثر جَلَدًا على الألم وأقل إظهارًا له منه"، وكان الملك يردد: "لا يموت الإنسان إلا في يومه، ولا داعي للخوف من المقدور"  ،  وعلى الرغم من كثرة العمليات الجراحية التي أُجريت له إلا أنه بمجرد أن يقرر الأطباء إجراء عملية له يقول: "توكلنا على الله" ولا يتردد إطلاقًا، فكان صبورًا محتملاً قوي الإيمان"  . من أهم ملامح شخصية الملك خالد أنه يسمع كثيرًا ويتكلم قليلاً  ،  وقال عنه أخوه الأمير محمد بن عبدالعزيز: " إنه نية وطوية صادقتان"  ،  وقال عنه أيضًا إنه "رجل السياسة الهادئ"  ؛  لِمَا تميز به من سمو الأخلاق والطباع، ووصفه محمد عبده يماني - وزير الإعلام في عهده - بأنه "رجل صلب قوي مع الحق، لا يهادن ولا يجامل في مواقف كثيرة محلية وعالمية"  . وكان عطوفًا على الفقراء أينما وجدهم في المدن أو البادية، ولا يحب أن يطَّلع أحد على ما يقدمه من خير، وكثيرًا ما تذرف عيناه الدمع، وكان مكثرًا من تبنِّي الأعمال الخيرية وبناء المساجد سواء في داخل المملكة أو خارجها عن طريق الأفراد أو الجمعيات أو المراكز الإسلامية  .3 - أعماله قبل توليه الحكم:
 

 أعماله قبل ولاية العهد

 
بدأ الملك خالد حياته السياسية والحربية مبكرًا خلال حياة والده الملك عبدالعزيز، عندما كان في الجيش السائر بقيادة والده لضم الحجاز عام 1343هـ / 1924م  ،  وظهرت قدراته الحربية في حصار جدة   عام 1344هـ / 1926م، والذي استمر قرابة العام  ؛  إذ كان يتتبع المخيمات ويُشعر الجيش بقرب الغارات، ثم شارك في معركة السِّبَلة عام 1347هـ / 1929م وكان عمره ستة عشر عامًا، كما شارك في القضاء على خروج فيصل الدويش في الدبدبة عام 1348هـ / 1930م؛ كل ذلك على الرغم من حداثة سنه آنذاك  . كذلك كان للملك خالد دور كبير في الحياة السياسية في حال السلم؛ فقد كان عونًا لوالده الملك عبدالعزيز في تثبيت الأمن في ربوع المملكة بعد توحيدها، وكثيرًا ما كان يرسله والده إلى القبائل لمعرفته الوثيقة بها وارتباطه بها منذ صغره، ولحبه لحياة البادية وتواضعه؛ مما عزز ولاء القبائل لوالده، فالتفَّتْ حوله مناصِرةً له  .كما أن حنكته ورجاحة عقله جعلته موضع تقدير والده؛ فأسند إليه رئاسة مجلس الوكلاء   نيابةً عن الأمير فيصل النائب العام للملك في الحجاز، وذلك عندما سافر الأمير فيصل إلى عدد من الدول الأوروبية لتثبيت دعائم سياسة والده الخارجية ما يقرب من خمسة أشهر عام 1351هـ / 1932م، وكانت رئاسة مجلس الوكلاء تضطلع بمسؤولية الإشراف على الديوان الملكي، ومديرية الشؤون العسكرية، ووزارة الخارجية، ووكالة المالية، ورئاسة القضاء، وأمراء الملحقات، ومجلس الشورى  ،  فقام بهذه الأعباء خير قيام.ولقدرته على تحمُّل المسؤولية وأعباء الحكم أسند إليه والده مرة أخرى رئاسة مجلس الوكلاء  ،  وذلك عندما تولى الأمير فيصل قيادة الجيوش في منطقة عسير عام 1352هـ / 1934م أثناء معارك توحيد المملكة، وأُضيفت إلى مسؤولياته في رئاسة مجلس الوكلاء وزارة الداخلية التي تتبعها مديرية الصحة، والمعارف، والبريد والبرق، والمحاجر الصحية، والشرطة العامة، والمحاكم الشرعية، والبلديات  ،  وبذلك تولى الشؤون الداخلية والخارجية في هذه الفترة التي تميزت باضطراب السياسة الدولية؛ مما يوضح مدى العبء الذي اضطلع به.ولحكمته وسمو أخلاقه اختاره والده الملك عبدالعزيز رئيسًا لوفد المفاوضات الحدودية مع اليمن عام 1353هـ / 1934م، وفعلاً أثبت قدراته الدبلوماسية، ونجحت جهوده السلمية في إنهاء الحرب بين الطرفين بتوقيع معاهدة أخوَّة عربية عُرفت باسم (معاهدة الطائف)، وهي التي أرست أسس التعاون السياسي بين البلدين  . ولقد كلفه والده أيضًا بالسفر مع الأمير فيصل إلى عدد من البلدان العربية والأجنبية لشرح مواقف المملكة من القضايا العربية والإسلامية والعالمية، ولتعزيز العلاقات بين المملكة والبلاد الأخرى، ولعل أهم هذه الزيارات تلك التي كانت إلى القاهرة عام 1357هـ / 1939م، عندما دعت الحكومة المصرية الحكومات العربية المستقلة آنذاك - وهي: المملكة العربية السعودية، والعراق، واليمن، وعرب فلسطين - في 27 من ذي القعدة 1357هـ الموافق 17 يناير 1939م لمناقشة قضية فلسطين  ،  وكان وفد المملكة برئاسة الأمير فيصل ومشاركة الأمير خالد، وعدد من المسؤولين الذين شاركوا في المباحثات، ومنها سافروا مع بقية الوفود إلى لندن لعقد (مؤتمر لندن) مع مندوبي الحكومة البريطانية عام 1358هـ / 1939م، والذي عُرف بـ (مؤتمر المائدة المستديرة) الخاص بالقضية الفلسطينية  ؛  إذ تمت مناقشة حق الشعب الفلسطيني في وطنه، وتقرير مصيره، وخطر الهجرة اليهودية التي ستؤثر سلبيًا في العلاقات العربية والدولية، وطَلَبَ رئيس الوزراء المصري آنذاك محمد محمود باشا من الملك عبدالعزيز بقاء الأمير فيصل والأمير خالد لاستكمال المناقشات لحل القضية الفلسطينية؛ مما عزز موقف الملك عبدالعزيز المطالب بحل عادل لهذه القضية  . وبناءً على دعوة الرئيس الأمريكي روزفلت للملك عبدالعزيز؛ سافر الأميران فيصل وخالد نيابةً عن والدهما عام 1362هـ / 1943م إلى أمريكا  ، واستُقبلا استقبالاً رسميًا، وقاما بجولة لعدد من المرافق الصناعية والتعليمية، كما أكدا في هذه الزيارة موقف المملكة الثابت من القضية الفلسطينية، وقد أشاد الرئيس الأمريكي بالعلاقات المشتركة بين البلدين، ودور الملك عبدالعزيز القيادي  .  ومن أمريكا غادر الأميران إلى بريطانيا، واستقبلهما الملك البريطاني جورج السادس، وقاما بزيارة المرافق والدوائر البريطانية، وأوضحا وجهة نظر المملكة من القضية الفلسطينية  . وقد استمر الأمير خالد مشاركًا في العمل السياسي في الدولة بعد وفاة والده حينما تولى الملك سعود الحكم عام 1373هـ / 1953م، فقد كان سندًا وعضدًا لأخيه، مستشارًا، ومعاونًا، ومشاركًا في الأحداث؛ لكونه نائبًا لرئيس مجلس الوزراء  ،  وقد ترأَّس آنذاك وفد المملكة إلى (مؤتمر أوروبا للدبلوماسيين) في باريس عام 1384هـ / 1964م  . 
 

 أعماله بعد ولاية العهد

 
ولما تولى الملك فيصل الحكم في 27 جمادى الآخرة 1384هـ الموافق 1 نوفمبر 1964م   كان الأمير خالد نائبًا لرئيس مجلس الوزراء، ثم اختاره الملك وليًا للعهد في 27 ذي القعدة 1384هـ الموافق 29 مارس 1965م  .  وفي أثناء ولاية العهد تحمَّل المسؤولية باقتدار؛ لأن الملك فيصلاً جعل من أولويات اهتمامه النظر في الشؤون الخارجية وقام برحلات متعددة؛ مما أدى إلى تكثيف المسؤولية على الأمير خالد في المجال الداخلي، وكان التناسق بين رموز الإدارة السياسية من أبرز سمات هذا العهد، فترأَّس الأمير خالد مجلس الوزراء، وأصدر عددًا من المراسيم والأوامر الملكية في غياب الملك وحضوره.وكان له دور فعال في السياسة الخارجية ومواقف ثابتة في نصرة القضية الفلسطينية، ففي أثناء رئاسته لمجلس الوزراء أصدر موافقته على التبرع بمبلغ 100 ألف جنيه إسترليني إسهامًا منه في تعمير المسجد الأقصى  ،  وفي بيان مهم له أعلن التعبئة العامة واستنفار القوات المسلحة تنفيذًا للأوامر الملكية  ،  كما أصدر بيانًا آخر يحث فيه الأمة الإسلامية على الجهاد لتحرير المسجد الأقصى من براثن الصهيونية  .  كذلك زار الأمير خالد أمريكا مرتين، للتباحث في الشؤون الثنائية للبلدين عام 1390هـ / 1970م   وفي عام 1394هـ / 1974م  .  ولا أَدَلَّ على مدى تقدير الملك فيصل لجهود الأمير خالد من أنه قلده وشاح الملك عبدالعزيز - وهو أعلى أوسمة المملكة - في 6 ربيع الآخر 1392هـ الموافق 19 مايو 1972م  . 
 

 توليه الحكم

 
استُشهد الملك فيصل في صباح يوم الثلاثاء 13 ربيع الأول 1395هـ الموافق 25 مارس 1975م، وفي اليوم نفسه بايع الشعب السعودي الأمير خالد بن عبدالعزيز ملكًا للمملكة  ، والأمير فهد بن عبدالعزيز وليًا للعهد  ،  ولتفعيل ما جاء في خطاب العرش باشر الملك خالد في وضعه موضع التنفيذ؛ فعلى الصعيد الإنساني أصدر عفـوًا عامـًا عن جميـع المعتقلين السياسيين، وفي المجال الإداري قـام بإصدار أوامر ملكية للتعيينات، منها: تعيين الأمير فهد بن عبدالعزيز نائبًا أولَ لرئيس مجلس الوزراء، والأمير عبدالله بن عبدالعزيز نائبًا ثانيًا لرئيس مجلس الوزراء، والأمير نايف بن عبدالعزيز وزير دولة للشؤون الداخلية وعضوًا في مجلس الوزراء ثم وزيرًا للداخلية، والأمير سعود الفيصل وزيرًا للخارجية وعضوًا في مجلس الوزراء  . 
 
شارك المقالة:
63 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook