عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز في المملكة العربية السعودية

عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز في المملكة العربية السعودية.

 
 

مولده ونشأته

 
عندما وُلِدَ الأمير فيصل بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في صفر 1324هـ / إبريل 1906م   كان والده الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود قد استرد الرياض، وانتصر على خصمه عبدالعزيز بن متعب بن عبدالله بن رشيد بعد صراع دام في الفترة من 1315 - 1324هـ / 1897 - 1906م، وذلك في معركة روضة مهنَّا شرقي بريدة في القصيم  وجاء مَقْدِم الابن الثالث للملك عبدالعزيز (بعد أخويه: تركي وسعود) من زوجته طرفة بنت عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ، وكان جدُّه لأمه ذا مكانة دينية عالية في نجد  ،  وله منـزلة كبيرة عند الملك عبدالعزيز وغلبت على الأمير فيصل في طفولته طبيعة اليُتْم؛ فقد ماتت أمـه قبل أن يبلغ الشهر الخامس من عمره  ،  كما غلب على حياته (عـند جده وجدته لأمه اللذَين تولَّـيا تربيته) التقشف والزهد والتربية الدينية  ؛  فإذا به يتأثر منذ نعومة أظفاره بمبادئ الاستقامة والإنسانية.وأَولى الجدَّان حفيدهما كل رعايتهما، خصوصًا جدته التي كانت تشعر بمرارة يُتمه فأغدقت عليه من حنانها، وكانت تبتهل إلى الله بالدعاء "أن يكون لحفيدها شأن في أسرته وبين أقرانه"  .  ومما زاد من مسؤوليات رعايته كون الأمير فيصل وُلِـدَ ذا بنية ضعيفة، إذ كان منذ سنوات عمره الأولى عُرْضَــةً للأمراض  ودرس الأمير فيصل خلال هذه السنوات بشكل غير منتظم في الكتَّاب، فتعلم القراءة والكتابة إلى جانب حفظ القرآن الكريم والحديث الشريف، وهذا النوع من التعليم التقليدي كان هو السائد في نجد  ،  لكنَّ الأمير فيصلاً اكتسب ميزة لا يشاركه فيها أحد من معاصريه، وهي تَعَلُّمُه على يدَي جده الشيخ عبدالله بن عبداللطيف الذي شارك في تعزيز مهارة حفيده وقدرته على النقاش والإقناع  .كما تعلم الأمير فيصل ركوب الخيل والرمي وفنون القنص على أيدي رجال اختارهم والده لهذا الغرض  .وظل الأمير فيصل مقيمًا في بيت جدِّه لأمه إلى أن سافر إلى أوروبا للمرة الأولى عام 1337هـ / 1919م  ،  وبعد عودته أقام في كنف عائلة أبيه، واعتنت به وَرَعَتْهُ الأميرة حصة السديري زوجة الملك عبدالعزيز وهي والدة أخيه الأمير فهد (الملك فيما بعد)  ،  كما أنه بعودته إلى كنف أبيه عاش في جَــوٍّ من السياسة والعمل الحربي، وتعلم كيف يتعامل مع الرجال في السلم وفي الحرب، وإضافة إلى ذلك تَـعَلَّمَ من أبيه ضبط النفس والصبر والحذر  .  وأدرك الملك عبدالعزيز بوادر النجابة المبكرة في ولده كما أدرك الجد الشيخ عبدالله بن عبداللطيف الأمر ذاته، وأثبتت الأيام صدق حدسهما 
 
 

سماته الشخصية

 
أسهمت نشأة الأمير فيصل الاجتماعية المبكرة في فصاحته التي ميَّزته؛ فقد كان يتحدث بلغة عربية سليمة عمومًا  ،  كما كانت لديه القدرة على التعبير عما يريد أن يقوله، أو على الامتناع عن الكلام حول الموضوعات التي لا يريد ذكرها  ،  وهو شخصية متحفظة، متأملة، صامتة، كثير الإنصات، قليل الكلام  ،  يتأنى في اختيار عباراته، ويميل إلى الاختصار  ،  كثير السؤال عن دقائق التفصيلات في أي موضوع يُطرَح أمامه، وهي توحي للمتحدث بأنها "سؤال الطالب للمزيد من المعرفة، والتي يشعر معها المسؤول بأنه شخص خالي الذهن، لكنه يكتشف بعد ذلك أنه يعرف أكثر مما يبدو من حديثه، وهذه إحدى مميزات الملك فيصل وصفته التي جعلت منه رجل سياسة واعيًا "  . ومن الأمور التي ميزته: تَفَرُّدُهُ دائمًا بأنه عضو العائلة الذي عليه أن يتعامل مع الأجانب في العلاقات الدبلوماسية للمملكة، كما كان يملك خاصية فطرية هي القدرة على التكـيُّف السريع، والتي ظهرت لديه بِغَضِّ النظر عن البيئة العامة  ،  كما كان من عادته ألاَّ يدع مشاعره ترتسم على محيَّاه  .  ومن الصعوبة بمكان أن يعرف أحد ما بداخل مكنونات نفسه  . ومن مناقبه: التواضع  ،  فقد كان يرفض أن يُقَبِّلَ أبناؤه يَدَهُ، كما كان يرفض أن يُقَبِّلَها أيُّ أحد أيًا كانت درجة قرابته أو وصفه  ،  كما عُرف بالبساطة، والوفاء، والكرم، والترفُّع، وعزة النفس، والتسامح  ،  والصدق، والتنظيم، والحرص على مشاعر الآخرين  . ومن أميز مناقبه: الصبر، والرَّوِيَّة، وبُعد النظر  ،  كما أن لديه معرفة كبيرة بطرائق التعامل مع الآخرين  ،  وَوَصَفَهُ مَـنْ تَـعَـرَّفَ إليه عن قرب وتعامَلَ معه أن من أبرز صفاته: عدم التسرع في اتخاذ القرارات في الأمور، ومقت التبذير، والإنصاف والتوازن حتى مع مَن يختلف معهم، والحرص على ألاَّ يتعرض مَن يخدمه إلى الإشاعات المغرضة أو الكاذبة 
 

 جهوده في توحيد المملكة

 
عبر تاريخ امتد قرابة ثمانية وخمسين عامًا (بدءًا من أولى مشاركاته) مارس الأمير فيصل العمل العسكري والسياسي منذ حداثة سِنِّه، وخلال عهود ثلاثة (هي عهد والده الملك عبدالعزيز، وعهد أخيه الملك سعود، ثم عهده) أُتيح له ما لم يُتَحْ لغيره من خبرة في الأمور، فمنذ صغره في عهد والده جاءت أولى مشاركاته العسكرية مرافقًا لوالده في غزوة ياطب (جنوب شرق حائل) عام 1336هـ / 1918م  ،  ثم شارك أخاه الأمير سعودًا في معركة الشعيبة بحائل عام 1338هـ / 1920م  . وفي عام 1340هـ / 1922م كان على رأس القيادة العسكرية في حملة عسير لمواجهة ثوارها  ،  وفي عام 1353هـ / 1934م تولى قيادة قطاع من القوات السعودية في حرب اليمن، في حين قاد القطاع الآخر أخوه الأمير سعود، وفي هذه الحملة لم يحقق الأمير فيصل نصرًا عسكريًا فحسب، بل حقق نصرًا سياسيًا أيضًا، وتُوِّج نجاحه في اليمن بمعاهدة الطائف عام 1353هـ / 1934م، التي سُوِّيت بموجبها جميع الخلافات الحدودية بين المملكة واليمن  .  ومن مشاركاته العسكرية الأخرى مشاركته في حصار جدة عام 1344هـ / 1925م  . وتبيِّن المصادر الدور الكبير الذي قام به في مرحلة التأسيس، وكيف كان ينتقل بين مناطق متباعدة متباينة جغرافيًا؛ فمن الصحارى في الوسط والشمال، إلى مناطق السهول في الغرب، إلى المرتفعات الشاهقة في الجنوب الغربي  . وفي عام 1340هـ / 1922م يذكر في رسالة مؤرَّخة بـ20 ذي الحجة 1340هـ الموافق 14 أغسطس 1922م موجَّهة إلى والده الملك عبدالعزيز بعض الأحداث في منطقة عسير، وأن الأحوال جيدة، ثم يوضح جملة من الأمور، قائلاً:"لفا علينا ابن مقرن وخويّه ابن مقرن في رنيه وخويّه ابن خميس، أول ما يبشرون به - ولله الحمد - الغيث، وثم ذل العدو وتخفره الطوارف المسلمين، وذكر أن ابن ثــنيان ألفا على راعي الخميس وأنه طلب الصلح ابن عايض من الطوارف، وقال ابن ثنيان: ما به صلح على يد ابن سعود أو أحد عياله، وبقية أخبارهم تشرفون عليها من الخطوط ومن رأس الطارش، واجترينا على الأشراف على خط الدريسي وراعي الخميس لأجل رخصتكم لنا في ذلك"  . وتوضح رسالة مطولة مؤرَّخة بـ6 محرم 1341هـ الموافق 30 أغسطس 1922م وجهها إلى الإمام عبدالرحمن شيئًا من الترتيبات العسكرية التي كان يستخدمها في قيادته للجيش يقول فيها:"نخبركم على أننا حال ما ركبنا من عندكم واعدنا جميع غزواننا صبحا وقبل التاريخ في يومين وردنا صبحا، ووجدنا جميع غزواننا مجتمعين عليها، وصاروا المسلمين مجملين بالمغزا والمياه ما تسقين جميع، وفرقنا جميع بيارقنا على توارد المياه، أما جميع قحطان فهم تقدموا، وأمَّا حنَّا وجميع حضرنا فحنَّا عقبهم بيوم، وأمَّا أهل الغطغط وما تبعهم من الإخوان فهم عقبنا وواعدنا جميع المسلمين الخرقان ماء دون رنية بثلاث ساعات، الموجب يصير وصولنا إلى رنية جميع، وحنَّا حال التاريخ متوجهين من صبحا على بركة الله"  . ويوضح لِـجَـدِّهِ الإمام عبدالرحمن الأحداث التي تمت على الجبهة الغربية في رسالة وجهها إليه في الحادي عشر من جمادى الآخرة سنة 1344هـ الموافق 27 ديسمبر 1925م فيقول:"والفتوحات جدة على يد المكرم عبدالعزيز الله يطول عمرك وعمره على الطاعة ولا يخلينا منكم سنين طويلة، وفتح ينبع على يد ابنك سعود، سعود الله ثم سعودكم. الحمد لله رب العالمين على نصر الإسلام والمسلمين...، نرجو الله - سبحانه وتعالى - يوفق الجميع شكر نعمته وحسن عبادته، وأن الله ينصر دينه ويعلي كلمته ويديم بقاءكم للإسلام والمسلمين، وأن الله يجعل عواقب الأمور حميدة للمسلمين أجمعين، إنه ولي ذلك وهو القادر عليه"  . أمَّا على المستوى السياسي فقد قام - وهو ابن الثالثة عشرة من عمره - بزيارة رسمية لبريطانيا نيابةً عن والده في عام 1337هـ / 1919م  ، ثم زار بعدها فرنسا وإيرلندا وبلجيكا  ،  ليكون أول فرد من آل سعود يزور أوروبا الغربية  .  وقد كانت رحلته هذه هي النافذة التي أطلَّ الأمير فيصل من خلالها على العالم خارج نجد، وبدأ من خلالها مشواره الطويل الذي امتد في الشؤون الخارجية بقية عمره  . وفي عام 1345هـ / 1926م كانت رحلته الثانية إلى أوروبا لتثبيت العلاقات السياسية بين الدولة الناشئة والدول التي شرعت بالاعتراف بالملك عبدالعزيز ملكًا على الحجاز، وهي: بريطانيا، وفرنسا، وهولندا  .  وفي عام 1349هـ / 1930م صدر الأمر الملكي بتحويل مديرية الشؤون الخارجية إلى وزارة الخارجية، وبإسناد منصب الوزير إلى الأمير فيصل بن عبدالعزيز  ،  وهي أول وزارة أُحدثت في الحكومة بصفة رسمية  .
 

مهماته قبل توليه الحكم

 
يُعدُّ الملك فيصل مؤسس الدبلوماسية السعودية، وهو أول من تولى حقيبتها، والأطول عهدًا فيها (1349 - 1395هـ / 1930 - 1975م) إذ ظل يحتفظ بها إلى وفاته  .  ومنذ تعيينه وزيرًا للخارجية وخلال الفترة المتبقية من عهد والده (23 عامًا) قام بعدة مهمات ورحلات إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، والدول العربية والإسلامية  .  وتنفيذًا لسياسة الملك عبدالعزيز على الصعيد السياسي الدولي وبمثابرة الملك فيصل أصبحت المملكة تتمتع بمنـزلة عالية في الأوساط الدولية، والمحافل العربية والعالمية، وكانت عضوًا مؤسسًا لهيئة الأمم المتحدة عام 1364هـ / 1945م، وقد مثَّل الأمير فيصل المملكة في توقيع ميثاق هيئة الأمم المتحدة في العام نفسه  ،  وبفضل جهوده صارت المملكة عضوًا فاعلاً في تلك الهيئة، وفي جامعة الدول العربية عام 1364هـ / 1945م، وكان مدافعًا عن قضايا الدول العربية والإسلامية ومصالحها  ،  فحظي باحترام بالغ في المحافل الدولية، وكان يتم اختياره ليكون المتحدث باسم الوفود، ففي عام 1367هـ / 1947م أجمعت الوفود العربية في هيئة الأمم المتحدة على اختيار الملك فيصل ليكون الناطق الرسمي باسمها في أعلى منبر عالمي  ،  كما ترأَّسَ وفد بلاده في كثير من المؤتمرات، وعَمِلَ على توطيد العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وعدد من دول العالم  ،  وأُتيح له خلال ذلك أن يتعرف إلى الشخصيات المشتغلة بتصريف الشؤون الدبلوماسية في الشرق والغرب  ،  كما حصل على أوسمة رفيعة من ملوك الدول المختلفة ورؤسائها  . ومن المناصب المهمة التي شَغَلَها في حياة والده: تعيينه في 28 جمادى الآخرة 1344هـ الموافق 13 يناير 1926م نائبًا عن الملك في الحجاز، ومرجعًا لدوائرها الرسمية باسم "النائب العام لجلالة الملك"  ؛  فكان بذلك أول نائب للملك في الحجاز في الدولة السعودية الحديثة  .  وكان الملك فيصل مسؤولاً عن الحج، وتوفير التموين والرعاية الصحية للحجاج، واستقبال وفود الحج الرسمية وممثِّلي الحكومات  . وفي 21 صفر 1345هـ الموافق 29 أغسطس 1926م أصبح الأمير فيصل - علاوةً على كونه نائبًا عامًا لجلالة الملك - رئيسًا لمجلس الشورى  .  وفي 18 ذي القعدة 1345هـ الموافق 20 مايو 1927م وقَّع الأمير فيصل وجلبرت كلايتون معاهدة جـدة التي اعترفت فيها بريطانيا بالمملكة، وأقامت العلاقات السعودية البريطانية  . وفي 7 رمضان 1350هـ الموافق 14 يناير 1932م عُيِّنَ الأمير فيصل رئيسًا لمجلس الوكلاء، ليصبح في غياب الملك نائبًا عامًا له، وهو مرجع الجهات الآتية: الديوان الملكي، والخارجية، والمالية، والعسكرية، والشورى، والداخلية، ورئاسة القضاء، وأمراء الملحقات  .  ومن مجمل هذه المهمات يتبين أنه كان يقوم بجميع الأعمال الإدارية في الحجاز التي تُعد أهم منطقة إدارية في تلك الفترة.وأتاح له وجوده في الحجاز صقل شخصيته، وتكوين علاقات مع شخصيات عربية وأوروبية مشهورة من مثل محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار ومطبعتها، الذي كان على صلة به، وبينهما مراسلات  ،  وكذلك شكيب أرسلان الذي نعرض إحدى رسائل الأمير فيصل إليه في 18 ذي القعدة 1348هـ الموافق 18 إبريل 1930م، ونصها:
" فبيدي السرور تناولت كتابكم المؤرخ في 27 شوال 1348هـ، وشكرنا المولى - عز وجل - على دوام صحتكم، أما حضرة خالد بك القرقني فسوف لا نألو جهدًا في عمل كل ما يمكننا به من مساعدة تجاهه. أمَّا مجلة الأمة العربية فإننا نرجو لكم من الله العون ولها التقدم والثبات على القيام بالدفاع عن حقوق الأمة العربية المجيدة وتفهيم الأوروبيين بحقائقها، ويسرنا تناول عدد منها بصورة متتابعة.وعن تحليل الحجر المعدني نحب معرفة المصدر الذي استحصلتموه منه لتقديم كمية من جنسه إليكم لتحليلها، وقد كانت حكومة جلالة مولاي الملك أعلنت بأنها بحاجة لمتخصص في علم المعادن فمن كان يجد في نفسه الكفاءة بهذا الفن فما عليه إلا تقديم طلبه للحكومة مع صور الشهادات التي يحملها لتقرر ما تراه مناسبًا.أمَّا محطات اللاسلكي فالهمة مبذولة لتحقيق ارتباط المملكة الحجازية والنجدية وملحقاتها بشبكة لاسلكية من أقصاها إلى أقصاها إن شاء الله تعالى"  . كما كان الملك فيصل على علاقة بسنوك هورخرونيه أستاذ اللغة العربية في جامعة ليدن، الذي زار الحجاز عام 1348هـ / 1929م، وكانت له مراسلات مع الملك فيصل بعد مغادرته، وقد استلم هورخرونيه من الملك فيصل وهو في ليدن خمسة مجلدات تحتوي على أعداد جريدة أم القرى منذ صدورها حتى عام 1348هـ / 1929 - 1930م  . وفي 17 جمادى الأولى 1351هـ الموافق 18 سبتمبر 1932م وَقَّعَ الأمير فيصل نيابةً عن والده إعلان توحيد الحجاز ونجد في دولة واحدة باسم "المملكة العربية السعودية"  . وبعد إعلان قيام المملكة العربية السعودية وخلال الفترة من عام 1351هـ / 1932م إلى عام 1373هـ / 1953م ركز الأمير فيصل جهوده على السياسة الخارجية بالدرجة الأولى، توضح ذلك زياراته لدول العالم واستقبال الوفـود والمسؤولين مـن أجـل تــنشيط العلاقـات السياسية والاقتصادية للمملكة في المجتمع الدولي  .  وفي 3 صفر 1373هـ الموافق 11 أكتوبر 1953م عُيِّنَ نائبًا لرئيس مجلس الوزراء  . وعلى إثر وفاة الملك عبدالعزيز في 2 ربيع الأول 1373هـ الموافق 9 نوفمبر 1953م بويع ابنه الأمير سعود بن عبدالعزيز ملكًا، وبويع الأمير فيصل وليًا للعهد، ثم تولى رئاسة مجلس الوزراء  ،  فشرع في استحداث وظائف تشمل أعمال الدولة بأسرها بوصفه رئيسًا لمجلس الوزراء ورئيسًا لمجلس الشورى؛ فَشَكَّـل مجـلس الـوزراء لأول مـرة مـن ثمانية وزراء أغلبهم مـن الأمراء وذلك فـي 16 ذي الحجــة 1373هـ الموافق 14 أغسطس 1954م، واحتفظ الأمير فيصل بمنصبه وزيرًا للخارجية  . وخلال هذه الفترة رسم الأمير فيصل نهج السياسة السعودية الخارجية، الذي يقوم على مبدأ التقارب العربي، واتخاذ موقف ضد السياسة الاستعمارية في المنطقة، والوقوف إلى جانب حركات التحرر العربي، واتضح هذا النهج في مناهضة (سياسة الأحلاف) التي تبنَّتها بريطانيا، فقاومت المملكة مع مصر (حلف بغداد) الذي تَشَكَّـلَ من باكستان وتركيا والعراق وإيران، ونجح الأمير فيصل في إقناع الأردن بعدم الانضمام إلى هذا الحلف، وفي المقابل وضع للمملكة سياسة وسطية بين المعسكرين الدوليين الغربي والشرقي، ونتيجةً لذلك قاد مشاركة بلاده في مؤتمر باندونج (أو المؤتمر الأفروآسيوي) في إندونيسيا في 25 شعبان 1374هـ الموافق 18 إبريل 1955م، والذي يُلْزِمُ المشاركين فيه بعدم الانحياز  . وفي 11 ربيع الأول 1375هـ الموافق 27 أكتوبر 1955م وَقَّــعَ اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر، التي انضمت إليها اليمن بعد ذلك في 10 رمضان 1375هـ الموافق 21 إبريل 1956م، وكان من نتائجها إنشاء القيادة العربية المشتركة التي استمرت حتى قيام الوحدة بين مصر وسوريا  .  وعلى إثر العدوان الثلاثي على مصر في 24 ربيع الأول 1376هـ الموافق 29 أكتوبر 1956م الذي قامت به كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل؛ أعلن الأمير فيصل - بوصفه رئيسًا لمجلس الوزراء ووزيرًا للخارجية - في بيان رسمي التأييد الكامل لمصر ضد الدول المعتدية  ،  وإعلان التعبئة العامة في الأراضي السعودية، فكان أن فـتـحـت المملكة باب التطوع لأبنائها للدفاع عـن مصر، كما أوقفت تصدير شحنات النفط السعودية إلى بريطانيا وفرنسا؛ إضافةً إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية معهما  . وفي 4 رمضان 1377هـ الموافق 24 مارس 1958م سَلَّم الملك سعود جميع صلاحياته إلى الأمير فيصل  ،  بموجب مرسوم ملكي نصُّه: "نمنح رئيس وزرائنا السلطات الكاملة لرسم سياسة الدولة الداخلية والخارجية والمالية والإشراف على تنفيذها"  ؛  فباشر فيصل مهماته الجديدة، وأول ما استدعى الاهتمام العاجل "القضية المالية والعلاقات الخارجية" اللتان عَمِلَ الأمير فيصل على حل معضلتهما بما حفظ كيان الدولة من الانهيار  ،  وإزالة مظاهر الخلافات بين الدول العربية  .  وفي شوال 1378هـ / إبريل 1959م تولى الأمير فيصل وزارة الداخلية بالإضافة إلى أعماله الأخرى  .  ثم تولى بعد ذلك إدارة شؤون الدولة في أثناء غياب أخيه الملك سعود في الخارج للعلاج  ،  وعلى إثر عودة الملك سعود من رحلة العلاج عُيِّنَ الأمير فيصل نائبًا لرئيس مجلس الوزراء بالإضافة إلى كونه وزيرًا للخارجية  . وفي 16 ربيع الآخر 1382هـ الموافق 15 سبتمبر 1962م سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لحضور الاجتماعات الدورية لهيئة الأمم المتحدة، واستفاد من وجوده هناك في إجراء محادثات مع الرئيس الأمريكي جون كينيدي؛ الذي أُعجب بشخصيته وقدراته السياسية عندما التقى به في البيت الأبيض  ،  وعلى إثر عودة الأمير فيصل إلى الرياض تسلَّم رئاسة مجلس الوزراء، فَأَلَّفَ حكومة جديدة في 3 جمادى الآخرة 1382هـ الموافق 31 أكتوبر 1962م، وهي الوزارة التي استمرت بقية أيام حياته، وأقرَّها من بعده الملك خالد  . وكان على الأمير فيصل في تلك المرحلة تحديدًا مواجهة تهديد نظام الحكم في مصر، والحرب اليمنية؛ مما جعله يشرع في الإصلاح الداخلي وبناء القوات المسلحة؛ فقد كان يواجه وضعًا صعبًا للغاية، وقد أعلن في 9 جمادى الآخرة 1382هـ الموافق 6 نوفمبر 1962م برنامجًا من عشر نقاط ألقاه في أول اجتماع عقدته حكومته الجديدة التي شَكَّـلها، وفيه إعلانٌ بقرب إصدار نظام أساسي للحكم، ونظام للمقاطعات، ونظام للقضاء، وتأسيس مجلس للإفتاء، وإصلاح وضع هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنهوض بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي  .  وتبع ذلك قرار العلماء في 15 ذي القعدة 1383هـ الموافق 29 مارس 1964م بتكليف الأمير فيصل بإدارة الشؤون الداخلية والخارجية للدولة  . أمَّا فيما يخص القوات المسلحة فقد قرر الأمير فيصل زيادة عدد الجيش، وإعادة تنظيم الحرس الوطني وبنائه، وجعل قيادته للأمير عبدالله بن عبدالعزيز، كما قرر الاستعانة بخدمات الدول المتقدمة في مجال تدريب الحرس الوطني، كما أعلن التعبئة العامة  . وعلى إثر إغارة الطائرات المصرية على مدينة نجران قامت المملكة بقطع علاقاتها مع مصر  ،  ولكن على الرغم من عمق الخلاف مع نظام الحكم في مصر في تلك الفترة؛ إلا أنه مع شروع إسرائيل في تنفيذ مخطط تحويل مجرى نهر الأردن ناشد الأمير فيصل القادة العرب بضرورة تجاوز الخلافات في مؤتمر القمة العربي الأول بالقاهرة في 27 شعبان 1383هـ الموافق 13 يناير 1964م، لمعالجة أزمة مياه نهر الأردن وروافده  .  وفي 11 شوال 1383هـ الموافق 24 فبراير 1964م - وبعد اجتماعه في الرياض بلجنة الوساطة العربية لتسوية الخلاف القائم بين المملكة ومصر - أعلن الأمير فيصل عودة العلاقات السياسية بين البلدين  . كانت القمة العربية الأولى قد اتفقت على عقد مؤتمر قمة ثانٍ من أجل بحث الخطوات التنفيذية لمواجهة إسرائيل، فَعُقِدَ المؤتمر بالإسكندرية في الفترة من 28 ربيع الآخر إلى 5 جمادى الأولى 1384هـ الموافق 5 - 11 سبتمبر 1964م، وترأَّس الأمير فيصل هذا المؤتمر، وأعلن فيه تبرع المملكة بمبلغ مليون جنيه مصري لإقامة جيش التحرير الفلسطيني، وأعقب المؤتمر إعلان ما عُرِفَ بـ (اتفاق الإسكندرية) في 8 جمادى الأولى 1384هـ الموافق 14 سبتمبر 1964م، الذي أكدت فيه المملكة ومصر حل الخلافات القائمة حول اليمن ومنع الاشتباكات المسلحة  . وعاد الأمير فيصل إلى القاهرة في 29 جمادى الأولى 1384هـ الموافق 5 أكتوبر 1964م للاشتراك في مؤتمر دول عدم الانحياز، وخلال المؤتمر اجتمع مع الرئيس جمال عبدالناصر، واتفقا على التعاون لحل الخلافات القائمة حول اليمن، والتوسط لدى الأطراف المعنية، كما اتفق على عقد مؤتمر للمصالحة في مدينة أركويت في السودان، وافتُتِحَ المؤتمر فعلاً في 23 جمادى الآخرة 1384هـ الموافق 29 أكتوبر 1964م بحضور اليمنيين في وفدين: وفد الملكيين ووفد الجمهوريين، وانتهى المؤتمر بالاتفاق على وقف إطلاق النار وطرح مبدأ (اليمن لليمنيين)  . 
 

 تولِّيه الحكم

 
بُويع الملك فيصل ملكًا في 27 جمادى الآخرة 1384هـ الموافق 1 نوفمبر 1964م  ، وأعلن بعد ساعات من تَـوَلِّـيه أنه سوف يستمر في الإصلاحات التي بدأت في عهد أخيه الملك سعود  .وعلى إثر مبايعته أصدر أمرًا ملكيًا بتعديل المادتين السابعة والثامنة من نظام مجلس الوزراء، وبموجب هذا التعديل أصبح الملك رئيسًا للمجلس يرأس اجتماعاته، وينوب عنه نائب رئيس مجلس الوزراء، كما يتم تعيين أعضائه وإعفاؤهم وقبول استقالتهم بأمر ملكي، ويكون الجميع مسؤولين عن أعمالهم أمام الملك  . كما اختار الملك فيصل في 27 ذي القعدة 1384هـ الموافق 30 مارس 1965م أخاه الأمير خالدًا وليًا للعهد  ،  وأصدر في 1385هـ / 1965م مرسومًا يقضي بأن يكون اليوم الوطني للبلاد هو اليوم الذي أُعلن فيه توحيد المملكة العربية السعودية، وهو الأول من الميزان من السنة الهجرية الشمسية الموافق 23 سبتمبر من السنة الميلادية  . وقد كانت لكل ساعة من ساعات يوم الملك فيصل مهمة خاصة بها، فقد أمضى كل يوم من أيام عمله وفق جدول زمني معين طيلة فترة حكمه من 1384هـ / 1964م إلى 1395هـ / 1975م  . 
 
 
 
شارك المقالة:
185 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook