عوامل تكوين التربة بالرياض في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
عوامل تكوين التربة بالرياض في المملكة العربية السعودية

عوامل تكوين التربة بالرياض في المملكة العربية السعودية.

 
 

المواد الأولية

 
تغطي المنطقة أنواع مختلفة من الصخور التي تُشْتَقُ منها مواد التربة الأولية، ففي الجزء الغربي من المنطقة المعروف بعالية نجد، (وهي الجزء الممتد من نفود الدحي في الشرق إلى منطقة مكة المكرمة غربًا، ومن نفود الشقيقة في الشمال إلى جبال الوجيد في الجنوب)، تنتشر الصخور النارية والمتحولة ذات الصلابة والتماسك القوي والقدرة العالية على مقاومة عمليات التجوية والتعرية، أما الجزء الشرقي من المنطقة المعروف بنجد السفلى الذي يمتد من الدهناء شرقًا إلى نفود السر ونفود الدحي غربًا، ومن عرق المظهور والدهناء شمالاً إلى عروق المجاري جنوبًا، فتنتشر فيه الصخور الرملية، والجيرية، والطفلية، والطينية الهشة، وضعيفة التماسك، وهي ذات قدرات ضعيفة على مقاومة عمليات التجوية والتعرية  . 
 
وبناءً على ما ذُكِرَ أعلاه فإن مواد التربة الأصلية التي تكونت منها تربة المنطقة تختلف من جزء إلى آخر، لذا تختلف الخصائص الفيزيائية والكيميائية لمواد التربة تبعًا لاختلاف الصخور التي تُشتَق منها تلك المواد، وبناء على ذلك ترث تربة المنطقة مجموعة من خصائص المواد الصخرية التي تُشتَق منها مادتها الأولية، ويكون أثر المادة الأولية أكثر وضوحًا في خصائص التربة الأقل تطورًا من تلك التربة المتطورة، ويظهر تأثير المادة الأولية بشكل رئيس في نسيج التربة، فالترب التي اشتقت مادتها الأولية من صخر الجرانيت والحجر الرملي في المنطقة يكون نسيجها خشنًا غالبًا، وأما الترب التي اشتقت مادتها الأولية من الحجر الطفلي والطيني فإن نسيجها يكون ناعمًا في الغالب. ونسيج التربة له دور كبير في تحديد خصائصها الفيزيائية، مثل النفاذية والمسامية، والسعة الحقلية، وغيرها، كما تؤثر المادة الأولية في العناصر المعدنية للتربة، فعلى سبيل المثال تتسم الترب التي تشتق مادتها الأولية من الصخور الجيرية في منطقة الرياض بأنها غنية بالكالسيوم كما هي الحال في ترب حواف مرتفعات طويق 
 
كما تؤثر المادة الأولية للتربة في نوعية المواد المغذية للنباتات التي تنمو فيها وكميتها، لذا تختلف نوعية المواد المغذية تبعًا لاختلاف المعادن التي تحتوي عليها المادة الأولية، فعلى سبيل المثال تكون الترب التي تشتق مادتها الأولية في المنطقة من صخور ذات معادن قاعدية - كما هي الحال في الأجزاء الغربية من المنطقة - غنية بالحديد، والكالسيوم، والماغنيسيوم، في حين أن الترب التي تُشْتَقُ مادتها الأولية من صخور ذات معادن حامضية غنية بالسليكا والألمنيوم. أما فيما يتعلق بكمية المواد المغذية، فإن الترب ذات القوام الخشن تكون دائمًا فقيرة بموادها المغذية، في حين تتسم الترب ذات القوام الناعم بغناها بها؛ ويعود هذا إلى أصل مادة التربة الأولية، وإلى فاعلية عمليتي الغسل والإزالة التي تكون أكثر فاعلية في الترب الرملية مقارنة بفاعليتها في الترب الناعمة.
 

المناخ

 
تتسم منطقة الرياض بقلة أمطارها السنوية، وبتذبذبها وعدم انتظام سقوطها زمانًا ومكانًا، كما يتسم مناخ المنطقة بارتفاع درجات الحرارة في معظم شهور السنة، وانخفاضها خلال شهور الشتاء، كما ترتفع معدلات التبخر السنوي فيها  ،  وتهب على المنطقة الرياح الشمالية ذات السرعة العالية، خصوصًا في نهاية فصل الربيع وبداية فصل الصيف، وهي رياح حارة وجافة، وعادة ما تكون هذه الرياح مصحوبة بالعواصف الرملية والغبارية.
 
تؤدي هذه الظروف المناخية دورًا مهمًا في تكوين التربة، وخصوصًا عن طريق تأثير الأمطار ودرجات الحرارة، فالأمطار القليلة المتساقطة على منطقة الرياض لها دور في التأثير في معدل عمليات التجوية الكيميائية والتعرية المائية والريحية في المنطقة، كما تؤثر قلة الأمطار في المحتوى الرطوبي للتربة الذي يؤثر في انخفاض معدلات عمليات الغسل والإزالة، ويؤدي في الوقت نفسه إلى تنشيط عملية التكلس والتملح، كما ساعدت قلة الأمطار، والرياح ذات السرعة العالية، والتبخر المرتفع في معظم شهور السنة في المنطقة على تنشيط عمليات النحت والتعرية الريحية التي أدت إلى نقل أجزاء كثيرة من مكونات التربة من مكان إلى آخر في المنطقة، كما هي الحال بالنسبة إلى نقل الحبيبات الناعمة من سطح التربة، وقد أدى إلى تكوين صحارى حصوية واسعة في أمكنة مختلفة من المنطقة، ومن الأمثلة التي توضح دور المناخ في تكوين تربة منطقة الرياض نشوء التربة القلوية فيها التي يرجع سبب تكوينها إلى قلة الأمطار التي لا تساعد على غسل الكلس والجير والكالسيوم والصوديوم أو إزالته؛ ما يؤدي إلى تراكم تلك العناصر داخل أعماق مختلفة من القطاع، كذلك تساعد درجات الحرارة العالية في المنطقة في زيادة معدل تحلل المخلفات والبقايا النباتية والحيوانية، وتحويلها إلى مادة عضوية خلال وقت قصير مقارنة بما يحصل في المناطق الباردة
 

الكائنات الحية

 
يعيش على تربة منطقة الرياض وفي داخلها مجموعة من الكائنات الحية، سواء أكانت نباتية أم حيوانية أم حية دقيقة، لكن كثافتها تختلف من مكان إلى آخر، وتقوم الكائنات الحية بأنواعها وأشكالها المختلفة في المنطقة بدور فعال وواضح في تكوين التربة في المنطقة، وذلك عن طريق إسهامها في تكوين مادة التربة العضوية، وما تقوم به من خلط حبيبات التربة ومزجها، وتدوير المواد المغذية فيها، وتبعًا لدور الكائنات الحية في تكوين تربة المنطقة فإنه بالإمكان تقسيم المنطقة إلى ما يأتي:
 
 الصحارى ذات الكثافة النباتية المنخفضة، وهي تُعدُّ جزءًا من صحارى العالم ذات الإنتاجية البيولوجية المنخفضة التي يُقدَّرُ الإنتاج الأولي الصافي فيها بنحو 3كجم /م  / السنة  ؛  وهذا عائد إلى انخفاض معدلات الأمطار السنوية في هذا الجزء من المنطقة، وكذلك إلى ارتفاع معدلات التبخر السنوي، وإلى الارتفاع الشديد في درجات الحرارة معظم شهور السنة، ولذلك كان إسهام الكائنات الحية في تكوين تربة هذه الأجزاء من المنطقة محدودًا جدًا، خصوصًا فيما يتعلق بما تضيفه من مواد عضوية، لذا تنخفض نسبة هذه المادة، وأحيانًا تنعدم في تربها.
 
 ترب الأراضي المنخفضة ذات الكثافة النباتية العالية نسبيًا، حيث يتوافر فيها الماء، كما هي الحال في الواحات، والروضات  ، وبطون الأودية، حيث تؤدي النباتات دورًا مهمًا في تكوين تربة هذه الأراضي، وذلك عن طريق ما تضيفه إليها من مواد أولية لازمة لإضافة المادة العضوية إلى تلك الترب، كما تؤدي النباتات دورًا فعالاً في تحديد بعض خصائص التربة، وذلك من خلال ما يأتي:
 
 يؤثر التركيب الكيميائي للمخلفات والبقايا النباتية تأثيرًا مباشرًا في قيمة حموضة التربة، إذ يؤدي تحلل مخلفات الأشجار وبقاياها إلى زيادة حموضة التربة، في حين يؤدي تحلل مخلفات الحشائش وبقاياها إلى خفض حموضتها.
 يؤدي الغطاء النباتي في المنطقة - على الرغم من كثافته المنخفضة - إلى الحد من التعرية المائية والريحية.
تؤدي النباتات التي تنمو في التربة دورًا مهمًا في استعادة المواد المعدنية من نطاق جذورها إلى سطح التربة، وخصوصًا تلك العناصر موجبة الشحنة، مثل: الكالسيوم، والماغنيسيوم، والبوتاسيوم، والصوديوم.
تربط المادة العضوية الناتجة من المخلفات والبقايا النباتية حبيبات التربة بعضها ببعض دون ملء المسامات فيما بينها.
 

التضاريس

 
تمتد منطقة الرياض على جزء كبير من هضبة نجد التي يتسم سطحها بالاستواء مع الانحدار الطفيف من الغرب نحو الشرق والشمال الشرقي  .  وعلى الرغم من أن السمة الغالبة لسطح المنطقة الاستواء إلا أنه من الممكن تقسيمه إلى الأشكال التضاريسية الرئيسة الآتية:
 
 الأراضي المرتفعة التي تتكون من مجموعة من الحواف الصخرية التي من أهمها: حافة طويق، والخف، والجلة، والبياض، والعرمة.
 الأراضي المنخفضة ذات السطح المستوي، مثل: أراضي الأودية، والواحات، والروضات، والرياض، والسبخات.
 أراضي الكثبان الرملية كما هي الحال بالنسبة إلى أراضي النفود والعروق  
 
ويختلف تأثير الأشكال التضاريسية المذكورة أعلاه في تكوين تربة المنطقة تبعًا لاختلاف درجة الانحدار في تلك الأشكال، إذ يؤدي انحدار التضاريس دورًا مهمًا في إحداث كثير من التأثيرات على تكوين التربة، إلا أن تحديد سُمْكِ قطاعها يُعدُّ من أهم التأثيرات التي يحدثها الانحدار عليه، ففي الأراضي ذات الانحدار البسيط، وكذلك الأراضي المنخفضة المستوية، تتسم قطاعات تربتها بالعمق نسبيًا، في حين تتسم قطاعات ترب الأراضي شديدة الانحدار بالضحالة؛ ويعود هذا إلى الجرف المستمر للجزء العلوي من قطاع التربة بوساطة الجريان المائي السطحي السريع، كما يؤدي الانحدار أيضًا دورًا مهمًا في تحديد معدلات تهوية التربة، وتصريفها في المنطقة، فترب أراضي المرتفعات والمنحدرات تتسم بأنها جيدة التهوية والتصريف، في حين تُعدُّ ترب الأراضي المستوية في المنطقة رديئة التهوية والتصريف.
 

الزمن

 
يتوقف طول الزمن المطلوب من أجل تكوين تربة ناضجة يشتمل قطاعها على آفاق تطويرية متميزة في منطقة الرياض على طبيعة مادة الأصل التي تفككت منها مادة التربة الأولية؛ ففي نطاق الدرع العربي من المنطقة يحتاج اشتقاق مادة التربة الأولية من الصخور النارية إلى وقت طويل؛ بسبب صلابتها وقدرتها العالية على مقاومة عمليات التجوية، في حين يحتاج اشتقاق مادة التربة الأولية من الصخور الرسوبية في الرف العربي إلى وقت قصير؛ وهذا راجع إلى هشاشة تلك الصخور وليونتها، وضعف قدرتها على مقاومة عمليات التجوية.
 
كما تؤدي خصائص المنطقة المناخية دورًا واضحًا في إطالة وقت تكوين التربة هناك، فعلى سبيل المثال تؤدي قلة الأمطار المتساقطة على المنطقة إلى إبطاء عملية تكوين التربة واكتمال نضج قطاعها، وذلك عن طريق خفض معدلات عمليتي الإذابة وغسل مواد التربة، كما تؤدي الرياح عالية السرعة التي تهب على منطقة الرياض في بعض شهور السنة دورًا مهمًا في إطالة الوقت المطلوب لتكوين التربة في المنطقة، وذلك عن طريق تنشيط عملية التعرية الريحية، إذ تقوم الرياح في أمكنة النحت بنقل حبيبات الجزء العلوي من قطاع التربة في تلك الأمكنة إلى مواقع الترسيب، وهذا يجعل تكوين الآفاق في قطاعات ترب تلك الأمكنة أمرًا غير ممكن، وكذلك يؤدي انحدار السطح في منطقة الرياض دورًا فعالاً في عدم اكتمال تكوين التربة، وذلك من خلال عملية الإزالة المستمرة للأجزاء العلوية من قطاع التربة في السفوح شديدة الانحدار بوساطة التعرية المائية، والقيام بترسيبها في الأجزاء المنخفضة، وهذا يجعل ترب الأمكنة شديدة الانحدار ذات قطاعات ضحلة وغير ناضجة، في حين تتسم قطاعات ترب الأراضي المنخفضة بعمقها، كما أن لانخفاض كثافة الغطاء النباتي في المنطقة دورًا في اختفاء المادة العضوية في معظم الترب.
 
وعلى الرغم من أن العوامل المذكورة آنفًا تؤدي دورًا واضحًا ومهمًا في نشأة تربة منطقة الرياض، وتطور قطاعها، وتحديد خصائصها الفيزيائية والكيميائية، إلا أن الظروف المناخية تؤدي الدور الرئيس في تكوين تربة المنطقة وتطويرها، ومن الجدير ذكره هنا أن هذه العوامل لا تعمل بمعزل عن بعضها الآخر في الطبيعة، ولكنها تعمل بعضها مع بعض في حالة من التفاعلات المتبادلة فيما بينها.
 
تشترك في تكوين تربة منطقة الرياض مجموعة من العمليات المختلفة التي لكل منها دور واضح وفعال في تطور قطاعها؛ فعلى سبيل المثال تقوم عمليات التجوية الطبيعية والكيميائية بتفتيت صخور القشرة الأرضية إلى أجزاء صغيرة ينتج منها تكوين مادة التربة الأولية، كما تقوم عملية التعرية المائية بنحت مواد التربة من جزء إلى آخر في أحواض أودية المنطقة ونقلها وترسيبها، وكذلك تقوم عملية التعرية الريحية بالدور نفسه، وتؤدي العمليات البيدولوجية دورًا مهمًا في تحديد خصائص تربة المنطقة، مثل: عملية التكلس التي ترسب كربونات الكالسيوم وتراكمها على أعماق مختلفة من قطاع التربة، ما يؤدي أحيانًا إلى تكوين طبقة صلبة غير نفوذة تمنع الماء من التسرب إلى الأسفل، وهذا يؤدي إلى رفع منسوب الماء الأرضي في تلك الترب. ومن عمليات تكوين التربة التي تحدث في المنطقة عملية التملح التي ينتج من حدوثها تراكم الأملاح وتجمعها من كلوريدات الصوديوم، وكبريتات الماغنيسيوم القابلة للذوبان فوق سطحها، وتحدث عملية التملح في الأراضي التي يرتفع فيها منسوب الماء الأرضي بالقرب من السطح، وتكون حركة الماء فيها من الأسفل إلى الأعلى داخل قطاع التربة بوساطة الخاصية الشعرية.
 
شارك المقالة:
164 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook