عوامل تكوين التربة في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
عوامل تكوين التربة في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية

عوامل تكوين التربة في منطقة عسير في المملكة العربية السعودية .

 
 
1 - المواد الأولية:
 
تُشتق المادة الأولية لتربة منطقة عسير من الصخور القاعدية للمنطقة (الجابرو، والبازلت، والجرانيت، والجرانوديورايت، والتونوليت، والديورايت) والمتحولة (النيس والشيست)  ،  كما تُشتق من الصخور الرسوبية (الحجر الرملي) ومن الرواسب المفككة في المنطقة  .  وفي هذا الصدد يُشارُ   إلى أن صخور المنطقة - التي يتكون معظمها من الصخور الجرانيتية والديوريتية والمتحولة والرسوبية - تتعرض لعمليات التجوية الكيميائية والفيزيائية، مما أدى إلى تفكيك تلك الصخور إلى مواد أولية تتكون منها ترب المنطقة. وأما مواد الترب الأولية للأودية في المنطقة فإنها تتكون من مواد منقولة إما بوساطة المياه أو الرياح.
 
وبناءً على ما تقدم فإن مواد التربة الأولية التي تكونت منها ترب المنطقة تختلف من مكان إلى آخر في المنطقة تبعًا لاختلاف الصخور التي اشتُقت منها تلك المواد. وفي هذا الصدد ذُكِرَ   أنه لا توجد تربة متجانسة في منطقة عسير، بل توجد عدة أنواع من الترب، ولهذا السبب تختلف الخصائص الفيزيائية والكيميائية لمادة التربة الأولية في المنطقة تبعًا لاختلاف خصائص تلك الصخور التي اشتُقت منها مادة التربة، ويُعد أثر المادة الأولية أكثر وضوحًا في خصائص الترب الأكثر حداثة في المنطقة من الترب القديمة، ويظهر أثر المادة الأولية - بشكل رئيس - في قوام التربة؛ فعلى سبيل المثال تتسم الترب التي اشتُقت مادتها الأولية من الصخر الجرانيتي في المنطقة بأن قوامها قد يكون خشنًا، بينما الترب التي اشتُقت مادتها الأولية من الصخر البازلتي يكون قوامها ناعمًا. ويؤدي قوام التربة دورًا مهمًا في تشكيل الخصائص الفيزيائية لترب المنطقة مثل: النفاذية، والمسامية، والتهوية، والتصريف، والقدرة على الاحتفاظ بالماء. كما تؤثر المادة الأولية للتربة في نوعية المواد المغذية للنباتات التي تشتمل عليها التربة في المنطقة، فنوعية المواد المغذية التي تحتوي عليها الترب تختلف تبعًا لاختلاف معادن المادة الأولية؛ فعلى سبيل المثال: الترب التي تُشتق مادتها الأولية من صخور ذات معادن قاعدية مثل البازلت تكون غنية بالحديد والكالسيوم والماجنيزيم، بينما الترب التي تُشتق مادتها الأولية من صخور ذات معادن حمضية مثل الجرانيت تكون غنية بالسليكا والألمنيوم  
 
2 - المناخ:
 
تُعد منطقة عسير من أكثر مناطق المملكة مطرًا؛ ففي محطتَي أبها والنماص يُقدر المعدل السنوي للأمطار بنحو 300 و 470مم على التوالي. كما تُعد المنطقة من أكثر مناطق المملكة اعتدالاً في درجات الحرارة, إذ يُقدر المتوسط السنوي للحرارة في كل من النماص وأبها بنحو 15.5 ْ و 18 ْ على التوالي  .  وتؤثر أمطار المنطقة ودرجات حرارتها في تكوين تربتها, فكمية الأمطار المتساقطة على المنطقة لها دورها في التأثير في معدل عمليات التجوية الكيميائية والتعرية المائية في المنطقة، كما تؤثر كمية الأمطار المتساقطة في المحتوى الرطوبي لتربة المنطقة والذي يؤثر بدوره في معدل عمليات الغسيل والإزالة. وفي الوقت نفسه تقوم الأمطار بغسل الكلس والأملاح من التربة، ومن ثم التقليل من فرص حدوث عملية التكلس والتملح. كما أدت درجات الحرارة المعتدلة في المنطقة إلى خفض معدلات التبخر، وإلى رفع القيمة الفعلية للأمطار، وإلى زيادة معدلات الرطوبة في تربة المنطقة. وفي هذا الصدد ذُكر   أن لغزارة الأمطار المتساقطة على مرتفعات سراة عسير دورًا في تفكيك جزئيات تربة المنطقة  ، ونقل تلك المكونات بوساطة الجريان المائي من سفوح المرتفعات إلى الأمكنة المنخفضة. كما اتضح أن للمناخ دورًا في تحديد كثافة الغطاء النباتي  وفي مكونات التربة البيولوجية.
 
3 - الكائنات الحية:  
 
تعيش على سطح تربة منطقة عسير وفي داخل قطاعها مجموعة من الكائنات الحية المختلفة, إلا أنَّ النباتات تُعد أهم تلك الكائنات. وتختلف كثافة النباتات ونوعيتها من جزء إلى آخر من المنطقة، وذلك تبعًا لاختلاف قوام ترب المنطقة وطبيعة تضاريسها، وكذلك تبعًا لاختلاف كمية الأمطار المتساقطة وقيمها الفعلية، فقد أوضحت نتائج دراسة تناولت هذا الموضوع   مدى ارتفاع القيم الفعلية للأمطار المتساقطة فوق الترب اللومية في مرتفعات عسير، بينما تنخفض القيم الفعلية للأمطار المتساقطة فوق الترب الرملية اللومية واللومية الرملية في هذه المرتفعات. كما تختلف نوعية الغطاء العشبي وكثافته من سنة إلى أخرى في المنطقة تبعًا لاختلاف كمية الأمطار السنوية. وبشكل عام يتميز الغطاء النباتي الطبيعي في المنطقة عن بقية مناطق المملكة بتنوعه وبكثافته العالية؛ وذلك بسبب توافر الظروف البيئية الطبيعية مثل: غزارة الأمطار، واعتدال درجات الحرارة، والارتفاع في التضاريس.
 
تنتشر في بعض أجزاء المنطقة الغابات المكوَّنة من الأشجار والشجيرات، كما تنتشر في أجزاء أخرى النباتات الشوكية والأعشاب. وفي سفوح المرتفعات الجبلية شديدة الانحدار ينعدم الغطاء النباتي؛ وذلك بسبب انجراف التربة. وتتعايش مع الغطاء النباتي في المنطقة مجموعة من الحيوانات العاشبة (الغزلان، والوعول، وعدد من الطيور مثل الحبارى، والمعز الجبلي، والأرانب)، وآكلات اللحوم (قطط الزباد، وثعالب التلال، والقرود، والنسانيس  .  كما تعيش على نباتات المنطقة مجموعة من الحيوانات الرعوية التي تحوَّل رعيها في معظم أجزاء المنطقة إلى رعي جائر أدى إلى تجريد التربة من النباتات، ومن ثم تعريضها للتعرية الريحية والمائية.
 
تؤدي النباتات والحيوانات والكائنات الحية الدقيقة دورًا فعالاً في تكوين تربة المنطقة، إذ تقوم النباتات الخضراء والحيوانات بتقديم المادة الأولية اللازمة لتكوين المادة العضوية في التربة، بينما يقوم بعض الحيوانات والكائنات الحية الدقيقة الأخرى بتحويل المخلفات النباتية والحيوانية إلى مادة عضوية تُضاف إلى التربة  .  ويُعد دور الكائنات الحية في التأثير في خصائص تربة المنطقة أكثر وضوحًا من بقية المناطق الأخرى في المملكة، وخاصة في المرتفعات العالية، ويُذكَرُ   أنَّ ترب هذه المرتفعات غنية بالمادة العضوية؛ وهذا عائد إلى غزارة الأمطار وارتفاع كثافة النباتات، والدليل على ذلك دكانة لون الجزء العلوي من قطاع تلك الترب، بينما تتسم ترب الأمكنة الواقعة إلى الشرق من الهضاب بالجفاف وبفقرها بالمادة العضوية.
 
4 - التضاريس:
 
يتأثر تكوين ترب منطقة عسير بمظاهر سطحها الذي يتكون من المرتفعات (مرتفعات عسير ذات الانحدار الشديد نحو الغرب والانحدار التدريجي نحو الشرق) ومن الهضاب (هضبة عسير) ومن الأودية (وادي بيشة  ، ووادي تثليث)  .  ولمظاهر سطح المنطقة دورٌ بارزٌ في توجيه مجاري أودية المنطقة التي لها دور كبير في نقل مواد التربة وتكوين السهول الفيضية.
 
ويرتبط تكوين ترب المنطقة ارتباطًا قويًا بالوضع التضاريسي فيها، إذ تؤدي الأشكال التضاريسية للمنطقة دورًا فعالاً في التأثير في كثير من خصائص ترب المنطقة التي تختلف من جزء إلى آخر من أجزاء المنطقة، وذلك تبعًا لاختلاف الوحدات التضاريسية للمنطقة وانحدار سطحها، إذ يؤدي انحدار السطح التضاريسي للمنطقة دورًا مهمًا في إحداث كثير من التأثيرات في تكوين التربة، إلا أن تحديد سُمك قطاع التربة يُعد من أهم التأثيرات التي يحدثها الانحدار في تكوين التربة؛ فالأجزاء ذات الانحدار البسيط (الهضاب) وكذلك الأراضي المنخفضة (الأودية) والمستوية تتسم قطاعات تربها بالعمق، ويؤكد صحة ذلك ما ذُكِرَ   من أنَّ قطاعات ترب جوانب الأودية في المنطقة يراوح عمقها بين ترب متوسطة العمق وترب عميقة، بينما تتسم قطاعات ترب المنحدرات بالضحالة, وأما في الأجزاء شديدة الانحدار فتختفي مكونات التربة من على الصخور. ويوجد رأي آخر   يُرجع تعرض ترب بعض أجزاء المنطقة للتعرية المائية إلى شدة تضرس السطح في المنطقة, مما جعل قطاعاتها ضحلة وغير ناضجة وكثيرة الحصى، وأما في السفوح الجبلية شديدة الانحدار فينعدم وجود التربة نهائيًا. كما يؤدي الانحدار أيضًا دورًا مهمًا في تحديد معدلات تهوية التربة وتصريفها في المنطقة، فالترب في معظم منطقة عسير تتسم بأنها جيدة التهوية والتصريف.
 
5 - الزمن:
 
يتوقف طول الزمن المطلوب من أجل تكوين تربة ناضجة يشتمل قطاعها على آفاق تطويرية متميزة في أي جزء من سطح منطقة عسير على طبيعة مادة الأصل التي تتفكّك منها مادة التربة الأولية، وعلى الظروف المناخية للمنطقة، وعلى طبيعة تضاريسها، وكذلك على النشاط البيولوجي فيها. ويحتاج اشتقاق مادة التربة الأولية من الصخور النارية - في معظم منطقة عسير - إلى وقت طويل؛ وذلك بسبب صلابة تلك الصخور وقدرتها العالية على مقاومة عمليات التجوية، بينما يحتاج اشتقاق مادة التربة الأولية في بقية أجزاء المنطقة المغطاة بالصخور الرسوبية إلى وقت قصير؛ وهذا عائد إلى هشاشة هذه الصخور وليونتها وضعف قدرتها على مقاومة عمليات التجوية والتعرية. كما تؤدي كمية الأمطار المتساقطة على المنطقة إلى تسريع تكوين تربة ناضجة فيها؛ وهذا عائد إلى تنشيط عامل الأمطار لعمليات التجوية الكيميائية والفيزيائية والحيوية. وأما عامل الانحدار التدريجي للسطح نحو الشرق في المنطقة فإنه يقلل من عملية التعرية المائية، ويساعد على زيادة سُمك قطاعات ترب المنطقة وسرعة تكوينها. بينما يساعد الانحدار الشديد للسفوح الغربية إلى التعرية المائية للتربة وانجرافها وعدم نضجها. وكذلك أدى انتشار الكثافة العالية للغطاء النباتي ووجود الكائنات الحية الحيوانية والدقيقة في المرتفعات في المنطقة إلى إثراء ترب تلك الأجزاء بالمادة العضوية، بينما تختفي هذه المادة من تربة الأجزاء قليلة الأمطار وعديمة النباتات من المنطقة كما هي الحال في أجزاء ظل المطر.
 

عمليات تكوين التربة

 
تشترك في تكوين تربة منطقة عسير مجموعة من العمليات، وكل عملية من هذه العمليات لها دورها الواضح والفعال في تطوير قطاعات ترب أراضي المنطقة. وتُعد عمليات التجوية الفيزيائية والكيميائية والحيوية من أهم العمليات التي تقوم بتفتيت الصخور واشتقاق مادة التربة الأصلية في المنطقة، ففي الأجزاء شديدة الانحدار وذات الأمطار الغزيرة من المنطقة تنشط عمليات الحت والنقل والترسيب المائي لمواد التربة، بينما تنشط عمليات الحت والنقل والترسيب الريحي في الأجزاء الواقعة شرق الهضاب قليلة الأمطار وذات الغطاء النباتي قليل الكثافة، وأما الأراضي المنخفضة والواقعة شرق الهضاب فتنشط فيها عملية التملح المؤدية إلى تراكم الأملاح؛ وذلك بسبب ارتفاع معدلات عملية التبخر في تلك الأجزاء  
 
شارك المقالة:
243 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook