عودة اليمامة إلى الحكم الأموي في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
عودة اليمامة إلى الحكم الأموي في المملكة العربية السعودية

عودة اليمامة إلى الحكم الأموي في المملكة العربية السعودية.

 
عادت الوحدة إلى العالم الإسلامي منذ ما عرف بعام الجماعة الثاني، وأصبحت اليمامة وعالية نجد تابعة إداريًا لوالي الحجاز. وقد تولى إدارتها يزيد بن أبي هبيرة المحاربي، ثم أصبحت اليمامة ولاية قائمة بذاتها ترتبط بالخليفة مباشرة سنة 76هـ / 695م، وتولاها إبراهيم بن عربي الكناني صاحب ديوان عبدالملك وأحد ثقاة البيت الأموي الأوفياء له  .  وربما يرجع ذلك إلى إدراك بني أمية ضرورة تولي أمراء أقوياء ينتهجون سياسات الحجاج نفسها في الأقاليم المعروفة باضطرابها وكثرة قلاقلها. ولكن هل عالج الأمويون بعد عودة سيادتهم إلى اليمامة جذور الفتن ومسببات القلاقل من خلال تبني سياسة مدروسة تعنى بنشر الفقه في الدين، وتعمل على تحسين أحوال السكان لئلا يصبح هذا الإقليم مرة أخرى بيئة جاذبة للتيارات القلقة المثيرة للفتن؟ الواقع أنه، باستثناء عهد عمر بن عبدالعزيز، لا نجد سياسات يتم تبنيها في هذا الإقليم من هذا القبيل، ولا نجد مهمات للولاية خارج المهمات الأمنية والجبائية
 
استمر ابن عربي واليًا على اليمامة حتى سنة 96هـ / 715م، ثم أعيد إلى اليمامة في عهد يزيد بن عبدالملك  .  وعندما انتهت ولاية إبراهيم بن عربي الأولى لليمامة عام 96هـ / 715م تسلم زمام الولاية سفيان بن عمرو العقيلي، وفي عهده هجم خوارج البحرين بقيادة مسعود بن أبي زينب العبدي على اليمامة، حيث وقع قتال في الخضرمة بين قوات سفيان بن عمرو وخوارج البحرين قتل فيه مسعود بن أبي زينب ثم خليفته هلال بن مدلج وقضي على شوكة الخوارج  .  وفي عهد عمر بن عبدالعزيز القصير تولاها - اليمامة - زرارة بن عبدالرحمن  ،  ثم عاد إبراهيم بن عربي إلى اليمامة مرة أخرى في عهد يزيد بن عبدالملك 101 - 105هـ / 720 - 723  ،  واستمر في ولايته عليها جزءًا من عهد هشام بن عبدالملك. وقد ورد أن هشامًا طلب منه أن يبعث إليه صنفًا من الخيل عند بعض أعراب اليمامة، فأرسل له فرسًا. كما وفد على هشام بن عبدالملك بدمشق   مما يدل على قوة صلة العاصمة المركزية للعالم الإسلامي بتلك الولاية في عهد هشام بن عبدالملك. ولما توفي ابن عربي خلفه في عهد هشام بن عبدالملك 105 - 125هـ / 723 - 743م المهاجر عبدالله الكلابي  ،  ثم ابنه علي بن المهاجر. فلما قتل الوليد بن يزيد ثار أهل اليمامة ضد واليهم الأموي بزعامة المهير بن سُلمى الحنفي  ،  إذ عينه أبوه يزيد بن عمر بن هبيرة واليًا على اليمامة. ولما ظهر العباسيون أرسل الوالي العباسي على المدينة ومكة والطائف زياد بن عبيد الله بن عبدالمدان إبراهيم بن حسان السلمي إلى المثنى بن يزيد بن عمر بن هبيرة فقتله وقتل أصحابه  .  وقد شهدت السنوات الأخيرة من حكم بني أمية في اليمامة اضطرابات قبلية، وهي اضطرابات وصراعات استشرت في كثير من أقاليم الدولة الإسلامية. فقد ثار المهير بن سلمى الحنفي على الوالي الأموي علي بن المهاجر الكلابي وهزمه في قصره بقاع حجر ثم هرب الوالي المذكور إلى المدينة  ،  فأصبح المهير بن سلمى   حاكمًا على اليمامة، ثم مات واستخلف على اليمامة عبدالله بن النعمان الحنفي  
 
وفي غمرة تلك الأوضاع المضطربة جرت وقائع بين بني حنيفة والقبائل العامرية في فلج وعقيق عقيل (وادي الدواسر الآن). وقد جرت أيام وحروب بين القبائل شبيهة بأيام العرب وحروبهم في الجاهلية ومنها أيام: فلج الأول، وفلج الثاني، ويوم النشاش، ويوم حلبان وفيها سقط آلاف القتلى، واستباح المقاتلون دماء بعضهم بعضًا. ففي وقعة واحدة قتل عبيد الله بن مسلم الحنفي عشرين ألفًا من إحدى القبائل  .  وتلك وقائع تؤكد عودة الذهنية الجاهلية القديمة باتجاهاتها المدمرة القائمة على السلب والنهب والتناحر القبلي. وكما كان عليه الوضع في الجاهلية، فقد أصبح التفاخر بتلك الأيام والحروب من الأغراض الشعرية عند شعراء المنطقة، مثل: القحيف العقيلي   ويزيد بن الطثرية القشيري  
 
إن هجرات القبائل إلى مناطق الفتح إحدى الظواهر المؤثرة في البنية السكانية في المنطقة. ولم تكن الرغبة في المرابطة والجهاد، العامل الوحيد لهذه الهجرات، فهناك الظروف المناخية والاقتصادية القاسية وسنوات الجدب والقحط المهلكة التي ظل اقتصاد البادية رهنًا لها ولظروف البيئة كلها. يقول الصمة القشيري وهو شاعر عاش في العهد الأموي في منطقة عالية نجد ثم هاجر منها:
 
 
دعــانيَ مــن نجـد فـإن سـنينه     لعبـن  بنــا شـيبًا وشـيبننا مُـردا
لحـى  اللـه نجدًا كيف يترك ذا الندى     بخيلاً  وحُـرّ القـوم تحسـبه عبـدا  
ومما يزودنا ببعض الملامح عن أحوال السكان، الشعر العائد إلى ذلك العصر، وبخاصة ذلك اللون من الشعر الذي يتناول قضايا الأهالي. يذكر الجاسر أن في شعر تلك الفترة صورًا لتصرف بعض الولاة وتجاوزاتهم  ،  وقد جاءت تلك الصور بنَفَس يمتلئ لوعة وأسى. ومن نماذج تلك الصور ما سجله عمرو بن أحمر الباهلي عن معاناة باهلة (في عالية نجد) من الجباة والسعاة في قصيدته الموجهة إلى يحيى بن الحكم بن أبي العاص والي المدينة لعبدالملك بن مروان   سنة خمس وسبعين للهجرة:
 
يـا  يحـيى  يـا بن إمام الناس أهلكنا     ضـرب الجـلود وعسر المال والحسر
لسـنا  بأجسـاد  عـاد فـي طبائعنـا     لا  نـألم الشـر حـتى يـألم الحجـر
ولا نصــارى علينـا جزيـة نسـك     ولا  يهــود طغامًــا دينهـم هـدر
إن  نحـن إلا أنــاس أهـل سـائمة     مـا إن لنـا دونهـا حـرث ولا غرر
ملــوا  الــبلاد وملتهـم وأحـرقهم     ظلـم السـعاة وبـاد المـاء والشـجر
إن لا تــداركهم تصبــح منـازلهم     قفرًا  تبيـض علـى أرجائهـا الحمر  
وهو يشكو عمال الصدقة لقومه بنجد وضربهم لهم ضربًا مبرحًا لكي يدفعوا ما فرض عليهم من الصدقات الباهظة دون مراعاة لفقرهم وجدب بلادهم. يصور الراعي النميري   90هـ / 709م لعبدالملك ما يلاقيه قومه فيقول:
 
أَوَلِــيَّ  أمــرِ اللـه إن عشـيرتي     أمســى  ســوامهمُ عـزين فلـولا
قطعــوا  اليمامـة يطـردون كـأنهم     قــوم  أصــابوا ظــالمين قتـيلا
فــادفع مظــالم عيلــت أبناءنـا     عنــا  وأنقــذ شــلونا المـأكولا
ويفهم مما ورد في شعره أنه كان يهدد بنـزوح من بقي من قومه بالشريف (في عالية نجد) حتى لا يبقى لديهم نعم وسائمة  ،  ويؤكد الراعي النميري لعبدالملك أن قومه على الإسلام، وأنهم لا يجحدون فريضة الزكاة عندما يقول:
 
أَوَلِــيَّ أمــرِ اللــه إنـا معشـر     حنفــاء  نســجد  بكـرة وأصـيلاً
عــربٌ نــرى للـه فـي أموالنـا     حــق الزكــاة مُــنزّلاً تــنزيلاً
قــوم علـى الإسـلام لمَّـا يمنعـوا     مـاعونهم  ويضيعــوا التهلــيلا  
وقد وردت ليلى الأخيلية (الشاعرة العقيلية) على الحجاج تشكو (العريف) الذي يتولى قبض الصدقات في بلاد بني عقيل، وقالت: أصلح الله الأمير، أضرَّ بنا العريف في الصدقة، وقد خربت بلادنا وانكسرت قلوبنا، فأخذ خيار المال. قال: اكتبوا لها إلى الحكم بن أيوب فليبتع لها خمسة جمال وليجعل أحدها نجيبًا، واكتبوا إلى صاحب اليمامة بعزل العريف الذي شكته. فقال ابن موهب: أصلح الله الأمير أأصلها؟ قال: نعم، فوصلها بأربعمئة درهم، ووصلتها هند بثلاثمئة درهم، ووصلها محمد بن الحجاج بوصيفتين  .  وتمثل إفادات هؤلاء الشعراء المنتمين إلى قبائل يمامية ونجدية داخلة في هذه المنطقة وثائق تعود إلى العصر نفسه، ولا توجد في صرخات هؤلاء الشعراء الشاكين، وفي أقوال ليلى الأخيلية مبالغة أو إسراف في الشكاية، فهي قد قيلت أمام مسؤولي الحكم الأموي، ومثل هؤلاء لا يمكن أن يصمتوا فيما لو كان في تلك الشكايات روح مبالغة ونفس استعداء تمس إداريين يعملون تحت مظلتهم. من جانب آخر بوسع أولئك الشعراء أن يمدحوا فينالوا العطاء والتكريم الشخصي الجزيل فيما تبقى الأوضاع على ما هي عليه.
ومن الصور الحضارية الإيجابية التي شهدها إقليم اليمامة في أواخر العهد الأموي ظهور مدرسة فقهية عنيت بالحديث والأثر في إقليم اليمامة، تمحورت حول الفقيه الراوية المحدث يحيى بن أبي كثير الطائي (مولاهم اليمامي)   إمام محدث روى عن أنس بن مالك وأبي سلمة بن عبدالرحمن ومما قيل فيه: (ما أحد أعلم بعد الزهري بحديث أهل المدينة من يحيى بن أبي كثير). ومن أقواله التي توضح منهجه العَقَدي والفكري: (العالم من يخشى الله عز وجل)، (العلماء مثل الملح هو صلاح كل شيء، فإذا فسد الملح فسد كل شيء ولم يصلحه شيء وينبغي أن يوطأ بالأقدام)، (ما صلح من منطق رجل إلا عرفت ذلك في سائر عمله ولا فسد منطقه إلا عرفت ذلك في سائر عمله). ومن أبرز تلاميذه علاَّمة الشام في عصره الإمام الأوزاعي (ت 157هـ / 774م) فإنه اكتتب في بعث اليمامة فسمع الحديث من يحيى بن أبي كثير  .  كما كان له تلاميذ آخرون من الرواة والفقهاء، مثل: معمر بن راشد وعكرمة بن عمار  
 
تذكر بعض المصادر أن أحد الخلفاء الأمويين المعاصرين ليحيى بن أبي كثير كتب إلى واليه على اليمامة المهاجر علي بن عبدالله الكلابي يطلب عرض مسألة فقهية على يحيى بن أبي كثير، فكتب الوالي جواب يحيى بن أبي كثير في تلك المسألة وأرسله إلى دمشق  .  وبالإضافة إلى بذله العلم ورسوخه فيه، كان يحيى بن أبي كثير عطارًا باليمامة يتجر بالعطور والدهون، عُرف بحسن هيئته ولباسه، وقد ظل يؤدي دوره العلمي في إقليم قَلَّ فيه العلماء والمتفقهون حتى وفاته سنة 129هـ / 747م وقيل سنة 132هـ / 750م  
 
وهناك أثر لأبناء قبائل المنطقة ممن استقروا خارج الجزيرة العربية، خصوصًا في دعم حركة الفتوحات الإسلامية في المشرق والمغرب والأندلس وفي شمال بلاد الشام والعراق، وغير ذلك من ميادين الفتوحات الإسلامية. ولقد تولى عدد من أبناء تلك القبائل ممن دخلوا في المؤسسة العسكرية والأمنية الأموية، مهمات كبيرة أبرزها إدارة الجيوش وإدارة الولايات. ومن هؤلاء على سبيل المثال:
 
 القائد الفاتح قتيبة بن مسلم الباهلي الذي ولي خراسان عشر سنوات، وكانت له آثار مشكورة في الجهاد، وعمل على نشر الإسلام في بلاد ما وراء النهر. وهو معدود من القادة الفاتحين الكبار في عهد الوليد بن عبدالملك. قال عنه ابن كثير: هدى الله على يديه خلقًا لا يحصيهم إلا الله، فأسلموا ودانوا لله عز وجل، وفتح من البلاد والأقاليم الكبار والمدن العظام شيئًا كثيرًا  
 
 ومن القادة في العهد الأموي المتأخر سعيد بن عمرو الحرشي، وهو من بني الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة  ،  وله أثر في حرب الصغد. تولى البصرة في عهد يزيد بن عبدالملك، كما تولى خراسان ثم أرمينية في عهد هشام بن عبدالملك. يذكر ابن الأثير أنه لما قدم سعيد الحرشي خراسان كان الناس بإزاء العدو، وقد نكبوا فخطبهم وحثهم على الجهاد وقال: إنكم لا تقاتلون بكثرة ولا بعدد ولكن بنصر الله وعزة الإسلام فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم قال:
 
فلســت لعــامر إن لــم تـروني     أمــام  الخــيل  أطعـن بـالعوالي
وأضــرب  هامــة الجبـار منهـم     بعضــب الحـد حـودث بالصقـال
فمـا  أنـا فـي الحـروب بمسـتكين     ولا أخشــى مصاولــة الرجــال
أبــى  لــي والـدي مـن كـل ذمٍّ     وخالي  فـي الحـوادث غـير خـالي  
وعرف سعيد الحرشي بغزواته المظفرة تجاه الخزر في عهد هشام بن عبدالملك، ولا غرابة بعد ذلك أن ينال مدح الشعراء كالذي يقول عنه:
 
أنـت الـذي أدرك اللـه العبـاد بـه     بعــد  الــبلاء  بتــأييد وإظفـار
مــوفق للهـدى والرشـد مضطلـع     كيـد  الحـروب أريـب زنـده واري
فسـرت  بـالخيل والرايـات تقدمهـا     بخـيرة  مــن  عبـاد اللـه أخيـار
أمــدك  اللــه رب العـالمين بهـم     مســومين  أمــام النـاس أنصـار
فـأهلك اللـه جـمع الشرك إذ رجعوا     علـى  يـديك وأخـزى كـل كفـار  
وثمة قادة آخرون من عقيل وقشير وباهلة وغيرها من القبائل النجدية التي تعود منابتها إلى عالية نجد استعان بهم الأمويون في إدارة الولايات وغيرها من الأعمال، مثل: عمرو بن معاوية العقيلي الذي تقلد الصوائف في عهد معاوية  ،  وعبدالله بن حاتم بن النعمان الباهلي تولى أرمينية وأذربيجان في عهد معاوية   وخليد الحنفي الذي تولى خراسان في عهد معاوية أيضًا  .  وقد تولى كلثوم بن عياض القشيري دمشق أيام هشام بن عبدالملك ثم بعثه إلى المغرب حيث قُتل هناك في حرب الخوارج  ،  ومن الولاة المشهورين في عهد عمر بن عبدالعزيز، عبدالرحمن بن نعيم القشيري إذ تولى خراسان والمشرق 
 
شارك المقالة:
89 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook