تُعد غازات البطن من الأمور الطبيعية التي تتشكّل لدى الجميع، والتي قد تسبب الشعور بالإحراج أو عدم الراحة لبعض الأفراد؛ وإنّ من اكثر أعراض وجود غازات البطن شيوعًا التجشؤ (بالإنجليزية: Belching)، أو انتفاخ في البطن (بالإنجليزية: Flatulence)، أو الانتفاخ (بالإنجليزية: Bloating)، أو ألم في البطن، وللوصول إلى أفضل الحلول للشعور بالراحة والتقليل من أعراض غازات البطن لا بُدّ من فهم أسبابها وآلية حصولها وسيتم بيان ذلك في هذا المقال بشيء من التفصيل.
هناك مصدران رئيسيان لغازات البطن هما: الغاز الذي تنتجه البكتيريا الموجودة في القولون، والغاز الذي يتم ابتلاعه؛ وهو الهواء بشكل رئيسي.
يعد ابتلاع الهواء (بالإنجليزية: Aerophagia) بكميات قليلة أثناء تناول الطعام أو الشرب أمرًا طبيعيًّا، إلّا أنّ حصول ذلك بشكل مفرط يُعدّ من الأسباب الشائعة لتكوين غازات البطن، ويُعد التجشؤ (بالإنجليزية: Burping) من أكثر الطرق الطبيعية التي يتم من خلالها تخليص الجسم من الهواء المُبتَلَع والغازات التي سببت تمدد المعدة وانتفاخها ليتم إخراج هذه الغازات منها، ويتضمن الهواء المبتلع كلًّا من غازات النيتروجين والأكسجين وثاني أكسيد الكربون، وبعد الانتهاء من التجشؤ ينتقل ما تبقى من الغازات إلى الأمعاء الدقيقة فيتم امتصاص بعضًا منها إلى مجرى الدم ومن ثمّ ينتقل الجزء المتبقي من هذه الغازات إلى الأمعاء الغليظة حيث يتم إطلاقه عبر المستقيم، ويجدر بالعلم أنّ المعدة قد تنتج غاز ثاني أكسيد الكربون وذلك عندما تتفاعل أحماضها مع أملاح البيكربونات؛ إلّا أنّ هذا الغاز لا ينتقل إلى الأمعاء الغليظة؛ بل يتم امتصاصه ونقله إلى مجرى الدم، ومن المهم الإشارة إلى أنّ كمية الغازات الواصلة للأمعاء الدقيقة قد تتأثّر بوضعية الجسم، فعند الجلوس ينتقل معظم الهواء المبتلع رجوعًا عبر المريء ليخرج من الفم ممّا يُسبب التجشؤ، أمّا عند الاستلقاء فإنّ الهواء المبتلع ينتقل إلى الأمعاء الدقيقة ممّا يُسبّب إطلاق الريح، وتجدر الإشارة أنّ التجشؤ قد يكون أمرًا تلقائيًّا لا إراديًّا أو قد يكون طوعيًّا، وقد يزداد التجشؤ بعد تناول بعض أنواع الطعام كالنعنع، والشوكلاتة، والدهون؛ لما لهذه الأطعمة من تأثير في تمدد وتراخي العضلة العاصرة (بالإنجليزية: Sphincter) التي تقع في الجزء السفلي من المريء الذي يتّصل بالمعدة.
توجد أنواع معينة من البكتيريا النافعة في الأمعاء الغليظة أو القولون والتي تكون موجودة بشكل طبيعي لدى كل إنسان منذ ولادته، والتي تكون مسؤولة عن هضم المواد وبقايا الطعام التي عادة لا يتم هضمها في الجزء العلوي من الجهاز الهضمي، ومن هذه المواد؛ السيليلوز والكربوهيدرات المعقدة بما فيها السكريات والنشا والألياف، وينجم عن عملية الهضم هذه مجموعة من الغازات والتي تتضمن الهيدروجين، وثاني أكسيد الكربون، وقد ينجم الميثان أحيانًا، وحقيقة تعدّ الغازات النزرة (بالإنجليزية: Trace gases) كغاز كبريتيد الهيدروجين، هي الغازات المسؤولة عن الرائحة الكريهة للريح، ويجدر بالذكر أنّ نوعية الغازات المنتجة وكميتها يعتمد على نوع البكتيريا الموجودة في القولون،؛ إذ قد تتفاوت هذه البكتيريا بأنواعها من شخصٍ لآخر، ويُعد هذا السبب هو السبب الرئيس وراء اختلاف تأثير بعض أصناف الطعام بين الناس.
يُخرج الفرد بشكل طبيعي ما يُقدر حوالي نصف إلى لتر ونصف من الغازات تقريبًا عن طريق فتحة الشرج بحيث يتم ذلك 14-23 مرة خلال اليوم الواحد، كما يُعد من الطبيعي إخراج الغازات عبر التجشؤ قبل أو بعد تناول الطعام، لذافإن معظم الناس الذين يشكون من الغاز المفرط لا ينتجون غازات أكثر من الشخص العادي، ويجدر بالذكر أنّ كمية الغازات المُنتجة من الجسم قد تعتمد على نوعية الغذاء التي يتناوله الفرد ووجود بعض الحالات الطبية ووجود عوامل فردية أخرى.
هناك العديد من العوامل التي قد تؤدي إلى زيادة ابتلاع الهواء وبشكل زائد عن المعتاد، ومنها؛ تناول الطعام أو الشرب بسرعة، وشرب المشروبات الغازية، والتدخين بكافة أشكاله، ومص الحلوى الصلبة، ومضغ العلكة، وأطقم الأسنان غير الملائمة، كما تُعد الإصابة المزمنة بالتنقيط الأنفي الخلفي (بالإنجليزية: Post-nasal drip) والمعاناة من القلق من العوامل التي تزيد من ابتلاع كميات الهواء.
تُعدّ الدهون والبروتينات من المصادر الغذائية التي لا تُسبب زيادة في غازات البطن على عكس الكربوهيدرات والسكريات، وتتم الإشارة إلى السكريات والكربوهيدرات التي يتم هضمها بشكل سيء في الجهاز الهضمي باختصار الفودماب (بالإنجليزية: FODMAP)، وتُعدّ الفودماب مكوّنًا طبيعيًّا لبعض أنواع الطعام والمحلّيات الصناعية، ومن الأمثلة على أصناف الأغذية التي تحتوي على الفودماب المُسبب لزيادة الغازات الألياف الذائبة، والألياف غير الذائبة، واللاكتوز (Lactose)، والفركتوز (بالإنجليزية: Fructose)، والسوربتول (بالإنجليزية: Sorbitol)، والرافينوز (بالإنجليزية: Raffinose)، والنشا.
تُعد السكريات الآتية من السكريات الرئيسية المسببة لغازات البطن:
يتوفر النشا في العديد من الأصناف الغذائية ومنها الذرة، والبطاطا، والقمح، والمعكرونة، وتنجم الغازات بعد تحطيم النشا في الأمعاء الغليظة، ويُعد الرز المصدر الوحيد للنشا الذي لا يُسبّب زيادة في الغازات.
تُعد الألياف ذات قيمة مهمة لصحة الجهاز الهضمي إلّا أنّها من جانبٍ آخر تُعد مصدرًا لإنتاج الغازات، كما يختلف تأثير هذه الألياف من شخصٍ لآخر، إضافة إلى اختلاف إلى تأثير نوع الألياف التي يتم تناولها بين الأفراد، فهناك نوعان أساسيان من الألياف، الألياف الذائبة في الماء والألياف غير الذائبة في الماء، أمّا الألياف الذائبة في الماء، فعند ذوبان هذه الألياف بالماء فإنّها تتحول إلى جل هلامي، وحقيقة لا تستطيع الأمعاء الدقيقة تحطيمها وتكسيرها مما يؤدي إلى إضافة جهد إضافي للبكتيريا المنتجة للغازات داخل الأمعاء حيث تنتقل هذه الألياف إلى الأمعاء الغليظة وتتم عملية تكسيرها وهضمها ويُصاحب ذلك إنتاج الغازات، ويوجد هذا النوع من الألياف في معظم الفواكه، والبازلاء، والفاصوليا، ونخالة الشوفان، أمّا الألياف غير الذائبة في الماء فهي الألياف التي لا تذوب في الماء، وتمر عبر الأمعاء دون أن يتغير عليها شيء، وبالحقيقة فإنّ هذا النوع من الألياف لا يُسبب زيادة كبيرة في الغازات وتوجد هذه الألياف في بعض أنواع الخضراوات ونخالة القمح،وفي الحقيقة يُنصح بالإضافة التدريجية للألياف في الطعام وذلك من أجل تحسين الأعراض المصاحبة لتناولها.
يُعد كلٌّ من الإمساك و تناول الأغذية المليئة بالدهون من الأسباب التي تؤدي إلى الانتفاخ، وفيما يتعلق بتناول الأغذية المليئة بالدهون فإنّها تسبب تأخرًا في إفراغ المعدة من محتوياتها وهذا ما يُسبب حصول الانتفاخ وعدم الراحة.
يمكن أن تكون غازات البطن من الآثار الجانبية لبعض العلاجات الدوائية، ومن هذه العلاجات الميتفورمين (بالإنجليزية: Metformin)؛ وهو أحد أدوية مرض السكري، إضافة إلى اللاكتولوز (بالإنجليزية: Lactulose)؛ الذي يتم استخدامه كإحدى ملينات البراز، كما قد تُسبب مضادات الحموضة مثل ثلاثي سيليكات المغنسيوم (بالإنجليزية: Magnesium trisilicate)؛ والذي تُستخدم في التخفيف من أعراض عسر الهضم، حصول زيادة في كمية ثاني أكسيد الكربون المنتج من المعدة مما يُسبب تفاقم التجشؤ.
في بعض الأحيان قد تتسبب بعض الأمراض وخاصة أمراض الجهاز الهضمي بظهور أعراض مرتبطة بغازات البطن، بعض هذه الأمراض هي أمراض قصيرة الأمد ومنها التهاب المعدة والأمعاء (بالإنجليزية: Gastroenteritis) والذي عادة ما يحدث بسبب الإصابة بعدوى فيروسية، في حين قد تتسبب بعض الأمراض المزمنة أو طويلة الأمد بظهور هذه الأعراض.
يُعد داء السيلياك أو حساسية القمح (بالإنجليزية: Celiac disease) من الأمراض المناعية؛ حيث يُعاني المريض من حساسية تجاه بروتين الجلوتين الموجود في القمح والشعير والشيلم (بالإنجليزية: Rye)، وبعض المنتجات كالمستحضرات التجميلية ومرطبات الشفاه، حيث يُسبب تناول الجلوتين تدمير بطانة الأمعاء الدقيقة.
تُعد أمراض الأمعاء الالتهابية (بالإنجليزية: Inflammatory bowel disease) من الأمراض المزمنة طويلة الأمد والتي تصيب أجزاء متعددة من الجهاز الهضمي، بما فيها الأمعاء؛ بحيث تتقرح أو تلتهب أو تتضخم هذه الأجزاء، ومن الأعراض الأساسية لهذه الأمراض الشعور بألم في البطن، والإسهال، والانتفاخ وغازات البطن، ومن أكثر أمراض الأمعاء الالتهابية شيوعًا؛ التهاب القولون التقرحي (بالإنجليزية: Ulcerative colitis) حيث يحصل الالتهاب في القولون والمستقيم، إضافة إلى داء كرون (بالإنجليزية: Crohn's disease) حيث يحصل الالتهاب في جدار الجهاز الهضمي.
يحدث داء الرتوج (بالإنجليزية: Diverticulosis) عند تكوّن بروزات مخاطية تظهر في جدار القولون تُعرف أيضًا بالردوب أو الرتوج، وفي حال حصول التهاب أو عدوى في هذه الرتوج (بالإنجليزية: Diverticulitis) فقد يعاني المريض من ظهور غازات البطن والانتفاخ كأعراضٍ لهذا الاضطراب.
يحصل فرط النمو نتيجة وجود تجمعات كبيرة على نحو غير طبيعي من البكتيريا التي تهضم الطعام في الأمعاء، مما يُسبب إنتاج كميات من الغازات والتي من شأنها أن تتراكم وتملأ البطن، وقد يُعدّ المرضى المصابون ببعض الأمراض الروماتزمية (بالإنجليزية: Rheumatologic diseases) أو الذين تعرضوا لتغيرات في تركيب الجهاز الهضمي ناتجة عن إجراء جراحة أكثر عرضة للإصابة بفرط النمو البكتيري في الأمعاء الدقيقة، الأمر الذي قد يؤدي إلى المعاناة من الانتفاخ والتجشؤ وإخراج الريح.
يُعد داء الجيارديات (بالإنجليزية: Giardiasis) من الأمراض التي يُسببها طفيل الجيارديا، ومن أعراض هذا الداء الإسهال وغازات البطن والانتفاخ بالإضافة إلى أعراض أخرى.
يُعد اضطراب القولون العصبي أو متلازمة الأمعاء الهيوجة (بالإنجليزية: Irritable Bowel Syndrome) من الحالات الطبية التي ترافقها مجموعة من الأعراض منها مغص البطن، والانتفاخ، والإمساك والإسهال، حيث يُسبب هذا الاضطراب حصول خلل في وظيفة الأمعاء الغليظة وبالأخص القولون، ويتضمن ذلك حصول اضطراب في وظيفة كل من العضلات والأعصاب المغذية للأمعاء، وتُعد غازات البطن الشكوى الرئيسية لمرضى القولون العصبي، فتعد المشكلة الأساسية لهؤلاء المرضى هي صعوبة التخلص من الغازات بالرغم من شعورهم بوجود كميات كبيرة من الغازات في البطن، إلّا أنّه يعتقد أنّ هناك مشكلة في كيفية عمل الأعصاب والعضلات لديهم، أو مشكلة زيادة حساسية الأمعاء لكمية الغازات الطبيعية ممّا يُسبب الشعور بالألم والانزعاج حتى مع وجود الكميات الطبيعية للغازات في البطن، ومن المهم الإشارة إلى أنّ أعراض القولون العصبي والعوامل التي تزيد من الغازات تختلف من مريض لآخر، لذا لا يوجد علاج موحد لجميع المرضى وعادة ما يرتكز العلاج على تغيير أنواع الطعام التي يتناولها المريض.
فيما يأتي مجموعة من الأسباب والعوامل التي تُسبب غازات البطن والتي لم تُذكر سابقًا في المقال:
في الحقيقة لا يمكن التخلص الكلي من غازات البطن، وإنما يمكن التقليل من كمياتها في الجهاز الهضمي،وفيما يأتي مجموعة من النصائح التي قد تقي من تراكم غازات البطن: