غايات الدعوة إلى الله تعالى ومقاصدها

الكاتب: المدير -
غايات الدعوة إلى الله تعالى ومقاصدها
"غايات الدعوة إلى الله تعالى ومقاصدها

 

للدعوة إلى الله تعالى غايات عظيمة، ومقاصد جليلة، هي من جملة فضائلها، وهي من حكم مشروعيتها، ومن أسباب حسن وعظم الجزاء عليها دنيا وآخرةً، تتلخص فيما يأتي:

1- تعريف الناس بربهم جل وعلا: بذكر أسمائه الحسنى وصفاته العُلى وأفعاله الحكيمة وأفضاله الجسيمة، وبيان بديع خلقه وإتقان صنعه وحكمة تدبيره، وما له عليهم من سابغ النعماء ومترادف الآلاء، والتنبيه على عظمة شأنه وعز سلطانه وكماله المطلق من كل وجه وبكل اعتبار، وإثبات حكمته في خلقه وقدره وشرعه وجزائه.

 

2- دعوة من جهل حق الله تعالى أو أنكره أو أعرض عنه أو قَصّر في واجب منه، أو ارتكب منهيًّا عنه من المكلفين لأداء حق الله تعالى عليهم الذي هو أعظم حق، وذلك بعبادته وحده لا شريك له؛ فإنه - أي: التوحيد - حق الله الذي لا يستحقه أحد سواه: ? ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ? [الحج: 62] وهو سبب السعادة في الدنيا والآخرة.

 

3- أمر الناس أن يستقيموا على ما شَرَع لهم من الهدى ودين الحق: على الوجه الذي شرع على سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي أمر الله أن يطاع ويتبع، فإن شرع الله تعالى هو النظام الذي جعله الله تعالى للمكلَّفين، يبين لهم حقه سبحانه وتعالى عليهم ويوضح لهم علاقات بعضهم ببعضٍ، وعلاقاتهم بما حولهم من المخلوقات والعوالم، فبالالتزام به يتحقق الأمن وتطيب الحياة، وتُتقى المكاره والعقوبات الشرعية والقدرية والكونية، وشرور المخلوقات الأرضية من الإنس والجن وغيرهما من الأمم من أجناس الدواب والطير، وغيرها من عوالم وأخطار ما في هذا الكون من المخلوقات والآيات العلوية والسفلية التي لا يحيط بها إلا خالقه وباريه تبارك وتعالى.

 

4- تحقيق الإيمان بما أخبر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم من الغيوب: من الملائكة وسائر ما في السماء والأرض، وأحوال البرزخ، وأمر البعث وأهوال الآخرة وأحوال الناس فيها، وأمر الجنة والنار، وغير ذلك مما كان ويكون وما سيكون على الوجه الذي أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، والعمل بما يقتضيه ذلك الإيمان، قال تعالى: ? الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ? [البقرة: 1 - 3].

 

5- دعوة الناس إلى توقِّي عذاب البرزخ والجحيم: وسلوك الصراط المستقيم الموصل إلى جنة النعيم، ورضوان الرب العظيم، كما قال تعالى: ? فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ? [البقرة: 24- 25]

 

6- اليقين بأنه لا حاكم - على الحقيقة - على العباد ولا بينهم إلا الله وحده؛ فإنه سبحانه هو الحاكم الحق، والحَكَم العَدْل الذي له الحكم وإليه الحكم:

أ‌- فهو سبحانه هو الحاكم قدرًا وكونًا في ملكه وعباده بما يشاء: ? إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ? [مريم: 35] فإن القدر نظام الملك وسر الله تعالى في الخلق، والدليل على قدرة الله تعالى وعلمه وخبرته وحكمته وقوته وقدرته وعدله وفضله ورحمته، فلا معقب لحكمه، ولا معترض على قضائه، ولا ممسك لرحمته ولا راد لفضله، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون؛ لأنه سبحانه الحكيم العليم الذي يضع الأمور في مواضعها اللائقة بها، المحققة لغايتها، بحيث لا يصلح غيرها بدلًا عنها.

 

ب‌- وهو تبارك وتعالى الحاكم بين عباده بشريعته: ? وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ? [المائدة: 50]، فإن شرع الله المنزَّل هو نظام المكَّلفين، وصِمام الأمان من شؤم الذنوب، وشرِّ ذي الشر من الخلق، وشرِّ ما تجري به المقادير، فهو أمان لمتبعيه من الشر والشقاء في الدنيا والأخرى.

 

ت‌- وهو كذلك الحاكم بين عباده يوم معادهم إليه بحكمه الجزائي العدل: ? لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ? [النجم: 31]، فيثيب أهل الهدى بالحسنى، ويجزي أهل الطغيان والهوى بما يشاء، فيغفر لمن يشاء فضلًا، ويعذب من يشاء عدلًا، ولا يظلم ربك أحدًا.

 

وبهذا يُسلِّم المؤمن لحكم الله القدري ثقةً بحكمته وعدله وفي فضله ورحمته، وينقاد لحكمه الشرعي إيمانًا بعدله ومصلحته، ويقينًا بحسن عاقبته وكريم عائدته، ويؤمن بجزائه يوم لقائه، فيسعى في صالح العمل ويتوقى انتهاك حرمة الله عز وجل، ويتوب إليه سبحانه من التقصير والزلل طمعًا في كرامته ومثوبته، وحذرًا من إهانته وعقوبته.

 

7- حضُّ العباد على التحلّي بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال لما يعلمون من محبة الله تعالى لها، وما في التحلِّي بها من جليل المصالح، وعظم ثواب أهلها، والسلامة من ضدها من القبائح، والحضُّ على التخلي عن مساوئ الأخلاق ورديء الأعمال، بذكر بغض الله لها وعظم عقوبته لمن شاء من أهلها.

 

وبذلك التحلِّي والتخلِّي تتآلف القلوب ويتحاب العباد طمعًا في محبة علام الغيوب، وتجتمع الكلمة ويتوحد الصف ويتحقق التعاون على البر والتقوى، والنصح لله ولعباده، ويقطع دابر الظلم والتهاجر والتقاطع والتشاحن وأنواع العدوان، فإن حسن الخُلُق يجتمع فيه خيري الدنيا والآخرة، وسوء الخلق بريد إلى النار.

 

8- إنكار الشرك والبدع وكبائر الذنوب: فإن الشرك الأكبر هو دعوة غير الله معه، أو عبادة أحد من خلقه من دونه، وهو أعظم ذنب عُصي الله تعالى به، وأعظم موجب لشقاء الدنيا والأخرى، لما فيه من تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائصه وإعطاء الحق لغير مستحقه، قال تعالى: ? إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ? [لقمان: 13]، وقال تعالى: ? إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ? [المائدة: 72]، وقال تعالى: ? إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَا ? [النساء: 48].

 

فهذا الشرك أول وأعظم ما نهى الله عنه، وأكبر ما حرم، وأشد ما توعد عليه من الذنوب بألوان العقوبات.

 

وكذلك الشرك الأصغر الذي هو من وسائله، وهو ما كان من تسوية غيره به سبحانه لفظًا، أو التفاتًا بشيء من حقه لأحد من خلقه، أو مراعاته فيه.

 

وضابطه: أنه ما جاء في الكتاب والسنة تسميته شركًا ولم يصل إلى حد الإخراج من الملة.

وهكذا البدع وكبائر الذنوب؛ فإنها سبب إليه أو علامة عليه، وأثر من آثاره.

 

ولهذا قرن رسل الله تعالى صلى الله عليهم وسلم في نهيهم أممهم جمعهم بين الشرك وكبائر الذنوب من الغلوِّ في المخلوقين ومعصية رب العالمين من بخس الكيل والوزن، وقطع السبيل، والتكبر على الخلق، وإتيان الذكران من العالمين.

 

فبالدعوة إلى الله تعالى تتحقق هذه الغايات العظيمة التي جماعها وأسسها:

1- معرفة المكلَّفين بربهم تبارك وتعالى على الوجه الذي عرفهم به سبحانه.

 

2- معرفة حقه سبحانه وتعالى عليهم، وحضّهم على أدائه على الوجه الذي يحبه ويرضاه، وينالون به أحسن عقباه.

 

3- تصديق خبره، واليقين بوعده ووعيده، والأخذ بأسباب رضاه وثوابه، والبعد عن موجبات غضبه وعقابه.

 

4- حسن تعامل الناس فيما بينهم، ومع ما حولهم من العوالم والمخلوقات على وفق هدى الله تعالى، وبذلك يتقون شر أنفسهم وشرَّ غيرهم عاجلًا وآجلًا، وينالون بركة هذا التعامل، وكريم عوائده في الدنيا والآخرة.


"
شارك المقالة:
22 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook