فترة العهد العثماني الأول في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
فترة العهد العثماني الأول في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

فترة العهد العثماني الأول في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية.

 
ارتبط تاريخ منطقة الباحة في العديد من العصور التاريخية بمنطقة مكة المكرمة، ولا سيما في العصرين الإسلامي الوسيط والعصر الحديث، إذ كان أشراف مكة يحرصون على مد نفوذ إمارتهم إلى منطقة الباحة والاستعانة بأبنائها ومواردها الاقتصادية لتقوية إمارتهم، ففي عام 812هـ / 1409م استعان شريف مكة حسن بن عجلان 829هـ / 1425م بقبائل غامد وزهران لصد هجمات السلطان المملوكي الناصر فرج بن برقوق 815هـ / 1412م الذي أمر أمير الحج المصري بعزل الشريف حسن بن عجلان، لكن السلطان المملوكي عدل بعد ذلك عن هجومه بعد سماعه عن مدى استعدادات شريف مكة للتصدّي له  
 
وعندما استولى العثمانيون على مصر بعث الشريف (بركات بن محمد بن بركات) شريف مكة وفدًا إلى السلطان (سليم الأول) للإعراب عن مدى ولائه وطاعته للدولة العثمانية، فأقرَّه السلطان على الشرافة بمكة، وبذلك دخل الحجاز سلميًّا في حوزة الدولة العثمانية، وبقي تحت حكم الأشراف مع وجود ولاية عثمانية أُنشئت قاعدتها في جدة عرفت بولاية (الحبش) تمثل الحكم العثماني في الحجاز والبحر الأحمر. ومن ثَمَّ شمل ذلك ما كان مرتبطًا بأشراف مكة، وكان حاكم مكة يعين بموافقة الخليفة العثماني.
 
وعندما تولَّى الشريف أبو نمي الثاني محمد بن بركات (ت992هـ / 1584م) الإمارة بعد والده الشريف بركات عام 931هـ / 1525م امتد حكمه إلى مدن الحجاز وقراها ومنها غامد وزهران، ففي سنة 987هـ / 1574م هاجم الشريف حسن بن أبي نمي بلاد زهران بحجة أنهم يؤوون أعداء له في تلك الجهات  
 
وعندما احتدم النـزاع بين الأشراف من أسرة أبي نمي، وذوي بركات، وذوي زيد، وذوي عبد الله، وذوي حسين، وذوي حسن على ولاية مكة، كانت بلاد غامد شبه مستقلة، وفي خضم تلك الأحداث عام 1112هـ / 1700م لجأ الشريف سعد بن زيد إلى بلاد غامد وزهران واستمال القبائل لنصرته ضد الشريف عبد الكريم بن محمد بن يعلى من ذوي زيد فزحف بمن ناصره منهم حتى وصلوا مكة المكرمة وحاصروها ثم احتلوها، ومكنوا الشريف سعد من الحكم. وفي تطور آخر استعان الشريف سعيد بن سعد بغامد وزهران على خصومه بمكة، وتمكن من استعادة حكمها للمرة الرابعة في رمضان عام 1116هـ / 1704م بعد أن كان قد استولى على الطائف، وهكذا كان حكام مكة من الأشراف يلجؤون إلى قبائل السراة عند خلافاتهم بعضهم مع بعض لمساعدتهم على إعادتهم إلى الحكم  
 
على أن الوضع السائد في شبه الجزيرة العربية عامة - عند منتصف القرن الثاني عشر الهجري / الثامن عشر الميلادي وقبل قيام الدولة السعودية الأولى بقليل - كان قد وصل إلى درجة كبيرة من التدهور والانحطاط في مرافق الحياة الاقتصادية والسياسية والدينية.
 
عهد الدولة السعودية الأولى 1212 - 1230هـ / 1797 - 1815م
 
اشتدّ الخلاف والنـزاع في الحجاز بين أشراف مكة حتى وصل إلى حدٍّ أفقدهم زمام الأمور، وجعل الأراضي المقدسة عرضة للسلب والنهب، وصار الحجاج لا يأمنون على أرواحهم ولا على أموالهم فضلاً عما يعانيه هؤلاء من قلة الخدمات العامة والمواد المعيشية اللازمة لهم، ولم تكن الحالة الدينية بأحسن حال من الحالة السياسية، فقد عادت إلى ما يشبه الجاهلية الأولى من تعظيم قبور الأولياء والصالحين والأشجار والأحجار  .  وفي غمار هذه الفوضى السياسية والبعد عن تعاليم الإسلام جاءت الدعوة الإصلاحية في نجد التي تدعو الأمة جميعًا إلى العودة إلى تعاليم الدين الصحيحة.
 
خرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ت 1206هـ / 1792م) إلى الدرعية عام 1157هـ / 1744م فاستقبله أميرها محمد بن سعود وتعاهد الاثنان - كما هو معروف - على نصرة الدين ونشر الدعوة، وكانت تلك المبايعة اللبنة الأولى في بناء صرح الدولة السعودية الأولى  ،  ومنذ ذلك الوقت أخذ النفوذ السعودي يزداد قوة وتوسعًا في أنحاء شبه الجزيرة العربية، وكان من الطبيعي هنا أن يمتد هذا النفوذ إلى المنطقة الجنوبية الغربية من شبه الجزيرة، إلى وادي الدواسر ورنية وبيشة ثم عسير وتهامة والمخلاف السليماني ونجران، ثم وصل وفد من عسير إلى الدرعية وطلب من الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود إرسال بعض علماء الدعوة معهم لتعليم أهل المنطقة أصول دينهم الصحيحة، فرحب الإمام بهذا الطلب وأرسل بعض العلماء إلى هناك، ومن هنا بدأت الدعوة السلفية ومعها النفوذ السعودي تجد لها أنصارًا وأتباعًا كُثرًا في المنطقة، وعلى رأس هؤلاء أمير عسير محمد بن عامر الملقب بـ (أبي نقطة) وأخوه عبد الوهاب الذي عينه الإمام عبد العزيز قائدًا لقواته في الشطر الجنوبي، فازدادت الدعوة قوة ونفوذًا وانتشرت بين سكان سفوح جبال السراة وما جاورها عن طريق الدعاة، ومن أبرزهم الشريف أحمد بن حسين الفلقي الذي ذهب إلى الدرعية ليتزود بمبادئ الدعوة ثم يعود إلى منطقة المخلاف السليماني مندوبًا سعوديًا ينشر الدعوة ويمكن للدولة. 
 
وتشير المعلومات المتوافرة إلى بداية وصول الدعوة السلفية بين قبائل منطقة الباحة منذ أواخر القرن الثاني عشر الهجري / الثامن عشر الميلادي، غير أن انضمام المنطقة إلى الدولة السعودية الأولى وانضواءها تحت نفوذها بشكل واضح وجلي كان بعد سنة 1212هـ / 1897م  
 
ظهر الشريف حمود بن محمد شريف أبي عريش الذي يعد من أقوى الشخصيات التي حكمت المخلاف السليماني، وقد كان أول الأمر يعارض الدعوة وامتداد الدولة السعودية إلى تلك المناطق، لكن الدرعية أرسلت إلى هناك جيشًا كبيرًا انضم إلى قوات المنطقة وتوجهت جميعها بقيادة عبد الوهاب بن عامر أبي نقطة أمير عسير لمحاربة الشريف حمود، عندها أدرك الشريف أن لا قِبل له بمواجهة هذه القوات الضخمة، وأن من الخير له في هذه الظروف إعلان الطاعة للدولة السعودية وهذا ما حصل منه، فقام أبو نقطة بتقليده إمارة المخلاف عاملاً عليها من قِبل الدولة  
 
ولقد كان من شأن وصول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى جنوب الحجاز أن أشعل الخلاف بين الدولة السعودية وأشراف مكة حول تغلغل مبادئ الدعوة في تلك الجهات، ومن أجل هذا جرت اتصالات بين الطرفين في عهد الشريف غالب بن مساعد لم تصل إلى اتفاق فأعقبها عدد من الاشتباكات في مناطق الحدود المشتركة إلى أن عقد صلح بين الطرفين عام 1213هـ / 1798م كان من أهم شروطه السماح لأهل نجد بالحج، فحج السعوديون عامي 1214 و 1215هـ / 1799 و 1800م في جموع كثيرة كان على رأسهم الأمير سعود (الكبير) بن عبد العزيز  ،  ولم يدم الصلح بعد ذلك طويلاً؛ لأن حركة عصيان القبائل الجنوبية التي اعتنقت مبادئ الدعوة السلفية قد انتشرت في جنوب مكة وجنوبها الشرقي حتى بلاد غامد وزهران ما دفع الشريف غالب إلى إرسال قواته لقتالهم حتى بلغ عدد المواقع ما يزيد على ثلاثين موقعة، واتهم غالب السعوديين فيما حصل فكتب إلى الإمام عبد العزيز بن محمد عام 1217هـ / 1802م بذلك فأكد له الأخير أنه لا صلة له بما يحدث من تمرد وعصيان لتلك القبائل، لكن الشريف غالبًا لم يقتنع فعاد الأمر بينهما إلى ما كان عليه من العداء والتنافر  
 
اشتبك الفريقان على إثر ذلك في موضع يقال له (العبيلاء) بين الطائف وتربة قبيل رمضان من عام 1217هـ / 1802م، وكان السعوديون والموالون لهم من قبائل الجنوب بقيادة وزير الشريف غالب، وصهره (عثمان المضايفي) الذي انضم إلى السعوديين على إثر خلاف نشب بينه وبين الشريف غالب ثم ما لبث أن قاد جيوشهم وعسكر بها في بلدة العبيلاء، وسار غالب بن مساعد وأخوه عبد المعين في جيشهما شرقي الطائف إلى العبيلاء حيث حاصرا عثمان المضايفي وجيشه في حصن هناك إلا أنهما لم يقويا على هدمه بالمدافع فعادا إلى الطائف، ومن ثَمَّ تقدم السعوديون نحو الطائف حتى انتهوا بالقرب منها في 25 شوال عام 1217هـ الموافق يناير 1803م، وظل جيش الشريف غالب محصورًا فيها حتى تفرقت عنه بعض القبائل فترك الطائف منسحبًا إلى مكة، وعندها تداعت قوة جيشه المعنوية فهاجم السعوديون بقيادة عثمان المضايفي أسوار البلدة واقتحموها وأخذوا الطائف بعد قتال عنيف. 
 
ثم ما لبث الأمير سعود بن عبد العزيز أن وصل بجيشه إلى الطائف، وانضم إليه عثمان المضايفي بجيشه وساروا تجاه مكة لكنهم ظلوا في معسكراتهم حتى قضى الحجاج مناسكهم. وعندما شعر الشريف غالب أن لا طاقة له بالبقاء ارتحل إلى جدة وترك في مكة أخاه عبد المعين الذي كتب إلى الأمير سعود يعرض طاعته والصلح معه فقبل الأمير منهم، وأعطاهم كتابًا بالأمان والموافقة ببقاء عبد المعين على ولاية مكة، ثم دخل الأمير سعود مكة محرمًا على رأس جيشه وأتباعه في الثامن من المحرم 1218هـ / 1803م  
 
شارك المقالة:
102 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook