فترة الممالك العربية الوسيطة في منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
فترة الممالك العربية الوسيطة في منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية

فترة الممالك العربية الوسيطة في منطقة تبوك في المملكة العربية السعودية.

 
أشهر تلك الممالك: مملكة اللحيانيين، ومملكة الأنباط، وقد وجدتا بالمنطقة طوال الفترة الممتدة من القرن السادس قبل الميلاد إلى مطلع القرن الثاني الميلادي.
 
1 - النفوذ اللحياني:
 
كانت العلا (ديدان القديمة) عاصمة لمملكة لحيان التي قامت خلال الفترة الممتدة بين القرنين السادس والثاني قبل الميلاد، وقد تجاوز نفوذ هذه المملكة أرض ديدان وامتد شمالاً حتى وصل إلى خليج العقبة الذي كان يسمى خليج لحيان، وربما امتد نفوذهم إلى أبعد من ذلك شمالاً إلى عَمّان  .  وتنتشر الكتابات اللحيانية في أرجاء متفرقة من منطقة تبوك على امتداد طريق التجارة الذي يربط العلا والحجر بالبتراء والطريق الآخر الذي يربط العلا والحجر بتيماء ومنها إلى دومة الجندل، وكذلك المراكز الحضارية المهمة بمنطقة تبوك، مثل: واحة تيماء، وواحة البدع.
 
2 - الوجود النبطي: 
 
ورث الأنباط ديار اللحيانيين وحلوا محلهم بعد القرن الثاني قبل الميلاد في مناطق العلا والحجر وسواحل البحر الأحمر الشمالية، وقد امتد نفوذهم أيضًا باتجاه الشمال والغرب ووصل إلى الجوف في شمال المملكة العربية السعودية ومصر في جنوب شبه جزيرة سيناء وأجزاء من فلسطين، أما عاصمتهم فكانت البتراء جنوب الأردن. وقد أولى الأنباط اهتمامًا كبيرًا بالأجزاء الساحلية من منطقة تبوك، فكانت لهم فيها موانئ رئيسة، مثل: ميناء لوكي كومي الذي يقع في الخريبة وعينونا، وميناء أكرا كومي الذي يقع في مرسى البريكة بقرب رأس كركمه على بعد 45كم جنوب ميناء الوجه، وكان أكرا كومي ميناء الحجر (مدائن صالح) التي تبعد عنه 140كم إلى الداخل، ومعلوم أن الحجر كان أهم مدينة للأنباط بعد البتراء وقاعدة مهمة في عمقهم الإستراتيجي  
 
وتتوافر خرائط جغرافية للمنطقة من فترة الوجود النبطي، مثل: خريطة بطليميوس، كما تتوافر أوصاف لبعض موانئ المنطقة في كتابات الرحالة الرومان واليونان الذين كتبوا عن بعض الأحداث التي شهدتها المنطقة، والملاحة في البحر الأحمر في مطلع القرن الأول قبل الميلاد، مثل: الجغرافي الشهير سترابو الذي ربما يكون زارها في عام 25 ق.م. أما أشهر الحواضر والموانئ والأمكنة في تلك الفترة فكانت: تباوا (تبوك) وتيما، وبدا ودباو (ضباء) وشواقا (شواق) وشغبا (شعب)، وأداما (داما)، ولوكي كومي (الخريبة) عينونا وأكرا كومي (كركمة البريكة)، ومديانا (مدين)، ويلاحظ أن معظم أسماء هذه الأمكنة تنتهي بحرف ألف ممدودة، وهذا الألف يعادل في لغة الأنباط أل التعريف التي تدخل على الأسماء العربية، وأما لوكي كومي وأكرا كومي فأسماء يونانية تعني الأولى البلدة أو المدينة البيضاء والثانية البلدة العالية  
 
وكان اقتصاد مملكة الأنباط يعتمد بالدرجة الأولى على التجارة وكانوا يفرضون غرامات على من ينقص ماله، ولذا عظم اهتمامهم بطرق التجارة والموانئ التي كانت تجبى فيها الضرائب على البضائع الصادرة والواردة، كما اهتم الأنباط أيضًا بالزراعة واستنباط المياه وحفظها ونقلها، وازدهرت في عهدهم الواحات الداخلية مثل: الديسة، وأشواق، وشغب، وبدا، كما اهتم الأنباط أيضًا ببناء المعابد في المواقع المهمة من طرق التجارة، مثل: معبد القصير على الطريق الواصل بين ميناء أكرا كومي والحجر، ومعبد أم جدايد على درب البكرة.
 
أما أشهر مواقع الآثار النبطية فيذكر منها: واجهات المقابر النبطية بمغائر شعيب (البدع)  ، وواجهة لمقبرة غير مكتملة في الديسة الواقعة شرقي مدينة ضباء  ، وموقع عينونا، وفي أعلى الجبل الذي يحتضن هذا الموقع توجد قلعة نبطية مبنية بالحجر ومقابر ركامية عبث بها العابثون وسرقوا كل محتوياتها ولم تسلم منها مقبرة واحدة، في أكبر عملية تخريب لآثار المنطقة. ومن الآثار معبد القصير وأساسات مباني قليلة في مرسى كركمة (أكرا كومي) بالإضافة إلى آثار أخرى في بعض الجزر المقابلة لميناء أكرا كومي.
 
يعد سقوط مملكة الأنباط على يد الرومان سنة 106م نقطة تحول رئيسة في تاريخ تبوك وشمال غرب الجزيرة العربية على وجه العموم، فقد أدى ذلك إلى سيطرة الرومان على معظم مكاسب التجارة الدولية بين الشرق والغرب، وتدخلهم أيضًا في التجارة المحمولة برًا من جنوب الجزيرة العربية إلى بلاد الشام ومصر مرورًا بشمال غرب الجزيرة، وبمنطقة تبوك تحديدًا. وقد كان للرومان مراصد (نقاط جمارك) تجبى فيها الضرائب للقيصر على حدود المنطقة أشارت إليها مصادر تلك الفترة ومنها مرصد أيلة (العقبة). وللقضاء على الدور التجاري للأراضي التي كانت تشكل مملكة الأنباط حوَّل الرومان مَجْمَع طرق التجارة في المنطقة من البتراء بعد سقوطها في أيديهم إلى بصرى في جنوب سوريا، حتى لا تقوم للبتراء والمناطق المجاورة لها قائمة، وأنشؤوا بذلك ما عرف بالولاية العربية التي كانت بصرى عاصمة لها.
 
وبعد مرور ستين سنة من سقوط البتراء يلاحظ قيام بعض سكان منطقة تبوك ببناء معبد في روافة 74كم جنوب غرب تبوك تخليدًا لذكرى الإمبراطورين الرومانيين، ماركوس أورليوس أنطونيوس، ولوسيوس أوروليوس فيروس  ،  وعلى درب البكرة يُلاحظ أيضًا وجود نحو من خمسة عشر نقشًا تذكاريًا كتبت بالخط اللاتيني من قبل أفراد رومان ساروا على الطريق باتجاه الحجر - مدائن صالح -، وعلى الرغم من ذلك لم يكن للرومان وجود عسكري أو حكم مباشر في منطقة تبوك، وقد أوجد وجودهم في بصرى بجنوب سوريا عند قبائل المنطقة نوعًا من الرغبة في التقرب إليهم والمحافظة على علاقات سلمية معهم في غياب سلطة مركزية، وطوال تلك الفترة عاد نفوذ قبائل المنطقة إلى التعاظم مرة أخرى وأدت دورًا رئيسًا في أنشطة المنطقة الاقتصادية والإدارية، ولم يتغير هذا الوضع حتى بعد زيادة النفوذ السياسي والاقتصادي لمملكة تدمر بين 130 و 270م، التي كانت موالية للرومان، ووسعت نفوذها لتشمل سوريا وأجزاء من شمال الجزيرة العربية، إلا أن الرومان لم يلبثوا أن غضبوا على التدمريين ودمروا عاصمتهم سنة 272م في عهد الملكة زنوبيا  
 
شارك المقالة:
56 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook