فترة عصور الممالك القديمة في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
فترة عصور الممالك القديمة في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية

فترة عصور الممالك القديمة في منطقة حائل في المملكة العربية السعودية.

 
تبدأ هذه الفترة منذ الألف الأول قبل الميلاد ويعتقد أن صلة حائل كانت وثيقة بالجوف ومدينتها العامرة أدوماتو (دومة الجندل الحالية)، وأنها كانت خط دفاع خلفيًا لسكان أدوماتو ينسحبون إليها عندما تهاجمهم قبائل أو قوى الشمال العظمى مثل: الآشورية والبابلية. ويرجح وينيت وريد أن تكون بلاد حائل هي أرض شعب نباياتي الوارد ذكرهم في الحوليات الآشورية التي لجأ إليها الأدوماتيون بقيادة يوتع بن حزائيل إثر إحدى الحملات الحربية التي شنها الآشوريون بقيادة آشوربانيبال 668 - 633 ق.م. على عرب أدوماتو   ويرجح أن تكون موطن الأنباط الأول  
 
وقد وقعت أجزاء من منطقة حائل ضمن النفوذ البابلي الحديث عندما استقر الملك نابونيد في تيماء لمدة عشر سنوات بين عامي 552 و 543ق.م. وقام خلالها بغزو عدد من المدن التي ذكرها في حولياته التي عثر عليها في حرّان ونشرت عام 1378هـ / 1958م  .  وتشمل المدن التي ضمها يثرب وخيبر وفدك والحويط التي كانت تعرف قديمًا باسم يديع (وردت هكذا في النص البابلي)  .  ويرجح الجاسر والأنصاري أنها المدينة التي وصلها نابونيد الملك البابلي في غزوه لمدن شمال الجزيرة  
 
وتركت القبائل المستقرة والمارة في أراضي المنطقة آثارًا متنوعة، أهمها وأبقاها الكتابات المحفورة على صخور الجبال المحيطة بحائل، وكتابات البادية التي يطلق عليها اسم الكتابات الثمودية التي تنتشر في منطقة جبة، وتتركز بكثرة في جانين التي تقع على بعد 70كم إلى الشمال الشرقي من مدينة حائل،  ثم جبل ياطب (شرق مدينة حائل)، وكذلك مواقع المليحية 35كم شرقي مدينة حائل، وصبحة 52كم شمال شرق مدينة حائل، الحويط، وجبل القاعد 35كم شمال مدينة حائل، وطوال النفود 45كم شمال مدينة حائل، وسلسلة جبال الخطة، والغوطة 10كم شرق جبة، والشملي (جنوب غرب حائل)، والحناكية وغيرها  
 
ويرى أحد الباحثين - بناء على الكتابات الموجودة في المنطقة - أن منطقة حائل كانت مركزًا مهمًا ومفترقًا للطرق التجارية التي تربط شرق الجزيرة ووسطها بشمالها، ومن ثَمَّ بالمواقع الحضارية في بلاد الشام والعراق، وأن ازدهار هذا الطريق تم بين القرنين الخامس والأول قبل الميلاد، ثم تغير حين أخذت الجوف مكانة حائل تحت النفوذ النبطي؛ ما أدى إلى فراغ سكاني في الفترة ما بين القرنين الأول والثاني الميلاديين  ،  ما لبثت قبيلة طَيِّئ أن ملأته منذ ذلك التاريخ، ومنذ ذاك الوقت بدأ ذكر طَيِّئ بصوره المختلفة يرد في المصادر التاريخية  
 
وتعد منطقة حائل من أغنى مناطق شبه الجزيرة العربية بالرسومات الصخرية، وقد بلغ عدد النصوص والرسوم المكتشفة في المنطقة خلال موسم واحد فقط حسب إحصائية إدارة الآثار والمتاحف عام 1406هـ / 1986م لموقع جبة نحو 17000 نقش ورسم بشري وحيواني وغيره   .  ويمتد تاريخ هذه الكتابات والنقوش المكتشفة إلى فترات تاريخية مختلفة. فالكتابات الثمودية الموجودة في المنطقة تصنف بالثمودية المتوسطة والمتأخرة وتؤرخ بالقرون الأولى قبل الميلاد والخمسة الأولى بعد الميلاد  .  ويبدو من خلال هذه التواريخ المعطاة أن قبائل عربية تستخدم الخط الثمودي كانت تقطن منطقة حائل قبل مجيء قبيلة طَيِّئ واستيطانها الجبلين؛ ذلك أننا لا نجد أي إشارة في مجموعة النقوش الثمودية المنشورة لقبيلة طَيِّئ، أو لإلهها فَلْس  
 
وقد تركت قبيلة طَيِّئ أثرًا مهمًا في الشعوب التي عاصرتها قبل الإسلام جعل اسمها يصبح علمًا على جنس العرب عمومًا لدى عدد من هذه الشعوب مثل: العبرانيين، والسريان، والفرس، فكانت تسميات العرب مشتقة - عند الأمم الأخرى - من اسم قبيلة طَيِّئ التي طغت شهرتها في القرون الميلادية الأولى على بقية القبائل العربية الأخرى. فعرفوا بـ طيعا وطيايا لدى عبرانيي التلمود، وباسم (Tayaye Tayoye Sarakoye) لدى برديصان المؤرخ السرياني نحو 200م. واستخدم الفرس لفظة تاجك للعرب، واستخدم الأرمن تجك، والصينيون لفظة تاشي  ،  وكان السريان يطلقون لفظ السراكين على القبائل العربية في الصحراء السورية وإلى الغرب منها، في حين يطلقون اسم طاياي على العرب في الجزء الشرقي من الصحراء السورية العربية والمجاورة للفرس   واستمر هذا اللقب مستخدمًا في النصوص السريانية حتى القرن السادس، حيث ظهرت الإشارة إلى العرب بطيايا لدى شمعون الأرشامسي الذي سجل قصة أخدود نجران في رسائله حول شهداء الأخدود  .  كما عرف العرب بقريب من هذا الاشتقاق طاينوي (Tayenoi Tayeni) لدى بعض المؤرخين البيزنطيين، مثل: يوزيبيوس توفي 340م. ويحدد روبرت هويلاند زمن استخدام هذه التسمية (طاياي) بالقرن الثالث الميلادي، ثم تحولت إلى اسم جامع دال على العرب في القرن الرابع الميلادي. وإن كان يرى أن هذه التسمية في ذلك القرن اقتصرت على نصارى السريان، في حين أن الرومان كانوا يطلقون على العرب اسم السراكين  . 
 
وهذه معلومات تثير الفضول حول ديناميكية وقوة تأثير هذه القبيلة على الشعوب المجاورة في القرون الميلادية الأولى، ولا سيما تلك التي في الجوار، سواء الدول العظمى مثل: الفرس، والرومان، أو الشعوب الأخرى من سريان وأرمن ويهود وغيرهم.
 
ونرى من المعلومات التي يمكن جمعها من كتب الأدب والتراث العربية أن طَيِّئ قامت بأدوار متعددة منها السياسي ومنها الثقافي. ويبرز الدور السياسي في عدم الخضوع للقوى المحيطة بها من مناذرة أو غساسنة أو حميريين، على الرغم من أنهم كانوا دائمي التعرض للاعتداء من هؤلاء الملوك الذين يحاولون السيطرة على الطرق المتجهة من بلادهم إلى وسط الجزيرة وجنوبها  .  ويتجلى دورهم السياسي أكثر ما يتجلى في إعطائهم الجوار لامرئ القيس الكندي على ما في ذلك من تحدٍّ لقوى الجوار الطامعة في دمه، أو من خلال الدور الذي اشتهر به أحد أفرادها؛ وهو حاتم الطائي الذي صبغ القبيلة بأجمعها بسمات الكرم والجود والوفاء. أو من خلال تولي أحد أشرافها حكم الحيرة منافسًا المناذرة في عقر دارهم.
 
فقد تولى سيد طَيِّئ إياس بن قبيصة من بني سنبس أو سبأ بن عمرو بن الغوث بن طَيِّئ حكم الحيرة حين ملّكه كسرى عليها بعد قتل الفرس النعمان بن المنذر، وأهم ما دار في عهده وقعة ذي قار 604 أو 610م التي انتصر فيها العرب لأول مرة على الفرس  ،  وتذكر بعض الروايات التي تجعله آخر ملوك الحيرة أنه هو الذي صَالَحَ خالد بن الوليد عن الحيرة على الجزية 12هـ / 633م  ،  ما يثبت مدى نفوذ طَيِّئ في القرنين الخامس والسادس الميلاديين الذي امتد من وسط الجزيرة إلى شمالها الشرقي تاركًا أثرًا جوهريًا في قبائل العراق وشعوبها والدول العظمى المجاورة، حتى جعلوا من اسمهم علمًا على جميع العرب.
 
شارك المقالة:
79 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook