يُعدّ فرط الحركة وتشتت الانتباه، المعروف أيضًا بقصور الانتباه وفرط الحركة، أو اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، أو فرط الحركة عند الأطفال (بالإنجليزية: Attention deficit hyperactivity disorder)، واختصارًا (ADHD)، أحد أكثر اضطرابات النموّ العصبي شيوعاً عند الأطفال، وعادةً ما يتمّ تشخيصه لأول مرةٍ خلال مرحلة الطفولة، ويستمرّ المُصاب به بالمعاناة منه حتّى مرحلة البلوغ، ونستنتج من تسمياته المختلفة أنّ المُصابين به عادة ما يُعانون من تشتت الانتباه، وصعوبات في السيطرة على سلوكاتهم الانفعالية؛ أي أنّهم يتّصرفون دون التفكير بعواقب الأمور، بالإضافة إلى أنّ نشاطهم الحركي يكون أعلى من الحد الطبيعي،وفي معظم الحالات تتحسّن هذه الأعراض مع تقدّم العمر، وقد تستمر في حالاتٍ أخرى، وتجدر الإشارة إلى أهمية اتخاذ السّبل التي تُمكّن من السيطرة على المرض؛ ومن الجدير ذكره أنّه لا يُمكن تحقيق التعافي التامّ من مرض فرط الحركة وتشتت الانتباه، ولكن تتوفر الطُرق التي تُمكن من تخفيف أعراضه والسيطرة عليه، ويُمكن وضع خطة علاجية مناسبة لكلّ حالة، وتتضمّن عادةً تلقي الدعم التعليمي المُناسب، وتقديم النّصح والمشورة للأطفال المصابين بالحالة وأهاليهم، بالإضافة إلى استخدام الأدوية المُناسبة إذا ما استدعت الحاجة ذلك، وتُعتبر الأدوية خطّ العلاج الأول في حالات البالغين المُصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، بالإضافة إلى ذلك يُمكن الاستعانة بالعلاجات النفسية، مثل؛ العلاج السلوكيّ المعرفيّ (بالإنجليزية: Cognitive behavioral therapy).
تتضمّن الخطّة العلاجية المُتبعة في حالات الإصابة باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في العادة مزيجاً من العلاج الدوائي والعلاج السلوكي، وتبدأ عملية علاج الأطفال المُصابين والذين هم في مرحلة ما قبل المدرسة -أيّ من تتراوح أعمارهم بين 4-5 سنوات- باستخدام العلاج السلوكي وحده قبل اللجوء إلى الأدوية، ويعتمد العلاج السلوكي في هذه الحالة على تدريب الأهالي بصورةٍ أساسية، وتجدر الإشارة إلى أنّ خطة العلاج الأكثر فعالية تعتمد بشكلٍ رئيسي على الطفل المُصاب وأسرته، وقد يتم تغييرها في بعض الأحيان خاصّة في حال توقف استجابة الفرد المُصاب للعلاج المُتبع؛ فينتقل عندها الطبيب المُختص إلى خيار علاجي آخر، وقد تمّت الإشارة سابقاً إلى أنّ أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه قد تتحسن في مرحلة البلوغ، وقد تتلاشى في بعض الحالات، فيستطيع حينها الطبيب إيقاف العلاج، وعليه يُمكن القول أنّ العديد من الأشخاص المُصابين بهذا الاضطراب يستطيعون عيش حياتهم بسعادة ونجاح، خاصةّ عند الالتزام بالعلاج المُناسب، والخضوع للمُراقبة الدقيقة والمتابعة الدورية مع الطبيب المُختص.
إنّ اعتماد دواء معيّن لعلاج حالة اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه يأتي بعد تجربة عدّة أنواع من الأدوية والجرعات؛ لضمان اختيار الدواء والجرعة الأمثل لحالة الشخص، ويجب إخضاع حالة الشخص للمراقبة الدقيقة طوال فترة العلاج، وبشكلٍ عامّ، تعمل هذه الأدوية على تقليل فرط الحركة والاندفاع، وتحسين القدرة على التركيز، والعمل، والتعلّم، بالإضافة إلى تعزيز التنسيق الجسدي لدى المريض.
تُعتبر الأدوية المُنبهة النّفسية (بالإنجليزية: Psychostimulants) العلاج الأفضل للأطفال المُصابين باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، إذ تُعدّ فعالة لدى العديد من المُصابين، وتُساعد هذه الأدوية الطفل المُصاب على زيادة قدرته على التركيز وترتيب أفكاره، بالإضافة إلى تجاهل المُلهّيات، وتضمّ هذه المجموعة نوعين من الأدوية هما الأكثر استخدامًا، وهما: ميثيل فينيدات (بالإنجليزية: Methylphenidate)، وديكستروامفيتامين (بالإنجليزية: Dextroamphitamine)، وتجدر الإشارة إلى أنّ استخدام هذه الأدوية قد يؤدّي إلى ظهور بعض الأعراض الجانبية؛ مثل: فقدان الشهية، واضطرابات النوم، والتهيّج، ولكن، تكون هذه الأعراض خفيفة وتظهر لمدةٍ قصيرة؛ ويكون ذلك في العادة في بداية استخدام الدواء، ويجدر التوجّه للطبيب في حال استمرار المُعاناة من الأعراض الجانبية المترافقة مع استخدام الدواء، أو في حال أثرت على حياة الطفل المُصاب، ليقوم الطبيب بعدها باتخاذ الإجراء المُناسب، وقد يتضمّن ذلك تغيير الدواء المُستخدم أو تقليل جرعته، وكقاعدة عامة يتمّ النظر في الفوائد والآثار الجانبية المُترتبة على استخدام هذه الأدوية، فإذا ما كانت الفائدة التي تمّ الحصول عليها تفوق الأعراض الجانبية المُرافقة، فينصح الطبيب باستمرار أخذ الدواء مع اتّخاذ السّبل التي تُمكّن من السيطرة على الأعراض الجانبية،ومن الممكن تخفيف أو تجنّب ظهور هذه الأعراض الجانبية باتباع بعض النّصائح، والتي نذكر منها ما يلي:
يلجأ بعض الأطباء لوصف الأدوية غير المُنبهة (بالإنجليزية: Non-stimulant medicines) في حالات اضطراب فرط الحركة وتشتيت الانتباه، وقد تُستخدم كعلاج إضافي؛ أيّ بالتزامن مع الأدوية المُنبهة النفسية لزيادة فعاليتها، ولكن؛ قد يُقرر الطبيب في حالات معينة استخدامها لوحدها دون الأدوية المُنبهة النفسية؛ كالحالات التي تكون فيها الأدوية المُنبهة النفسية غير فعّالة، أو في حال كانت الأعراض الجانبية المُرافقة لاستخدامها مُزعجة وغير مُحتملة،وبشكلٍ عامّ؛ يُمكن تقسيم الأدوية غير المُنبهة المُستخدمة في علاج هذا الاضطراب إلى ثلاث مجموعات رئيسية، نُبينهما فيما يلي:
تتضمّن الخطة العلاجية العديد من الخيارات المُختلفة التي لا تقلّ أهمية عن الأدوية الموصوفة، كما يُمكن استخدامها لعلاج الحالات من مختلف الأعمار؛ كالصغار، والمراهقين، والبالغين، وتُعتبر العلاجات غير الدوائية فعّالة أيضًا في السّيطرة على بعض المشاكل الأخرى التي قد تُرافق اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه؛ مثل اضطرابات السلوك والقلق.
يُمكن الاستعانة بالعلاج النفسي بأنواعه المُختلفة في علاج حالات اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، فعلى سبيل المثال؛ يهدف العلاج السلوكي المعرفي كغيره من العلاجات النفسية المُتاحة إلى مُساعدة المُصاب على التعايش مع تغيرات الحياة المُختلفة التي تُرافق رحلة العلاج، بالإضافة إلى العمل على تحسين صورة الشخص أمام نفسه عن طريق مراجعة التجارب التي مرّ بها الفرد، وقد يتضمن العلاج السلوكي الحاجة لتقلي مساعدة عملية من الآخرين بما يُمكّن المُصاب من تأدية مهامه ومُراقبة تصرّفاته وسلوكياته بنفسه، وتغيير بعضها، وقد يتمّ تحقيق ذلك عن طريق توجيه الشخص إلى أن يقوم بمكافأة نفسه ومدحها عند نجاحه بتغيير هذه السلوكيات؛ كالسيطرة على الغضب، أو التفكير بعواقب أفعاله قبل القيام بها، كما يهدف العلاج السلوكي إلى تنظيم المهمّات وإنجاز الواجبات الموكلة إليه، ويُساعده على تجاوز مصاعب الحياة العاطفية، ويُحقّق المُختص هذه الأهداف عن طريق الاستعانة بعدّة وسائل؛ منها: استخدام تقويم أو مُفكّرة خاصّة بتدوين المواعيد الهامّة، واستخدام قوائم معينة وملاحظات تذكيرية، وتخصيص مكان مُعيّن لوضع الأشياء المهمة لتجنّب فقدانها؛ كالمفاتيح، والفواتير، والملفات الورقية، إضافةً إلى العمل على تقسيم المهام الكبيرة إلى مهام بسيطة وصغيرة للقيام بها تدريجيًا وبسهولة؛ مما يُعزّز الشعور بالإنجاز عند تحقيق كل منها.
يحتاج المُصابون باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه إلى تفهّم ومساعدة الأشخاص المحيطين بهم؛ كالوالدين، والعائلة أجمع، والمعلمين، لتحقيق نجاح علاجهم، فمن المعروف أنّ أطفال المدارس المُصابين بهذا الاضطراب قد يُعانون من مشاعر الإحباط، والغضب، واللوم، والتي تُبنى عادةً داخل العائلة قبل حتى معرفتهم بالتشخيص المُحدد لطفلهم، وبالتالي يحتاج كل من المُصاب وعائلته إلى المُساعدة لتجاوز هذه المشاعر السلبية، وهُنا يأتي دور المُختصين بالصحّة النفسية في تعليم الوالدين وتثقيفهم حول طبيعة هذا الاضطراب وتأثيره في المُصاب وعائلته، بالإضافة إلى تدريبهم من أجل اكتساب مهارات جديدة، وطرق مختلفة للتواصل مع الآخرين، ويُمكن تلخيص طرق التعليم والتدريب إلى ثلاثة اقسام، وهي: