القرآن الكريم هو الكتاب الذي أنزله الله -سبحانه وتعالى- على محمد -صلى الله عليه وسلم- هداية ورحمة إلى الناس جميعاً، وهو كتابه الخالد، وحُجّته البالغة، وهو باقٍ مُستمرّ إلى أن تفنى الحياة على الأرض، وفيه أنزل الله -عزّ وجلّ- شريعته، وحُكمه التامّ الكامل؛ ليتّخذه الناس ديناً وحياة، وهو معجزة محمد -صلّى الله عليه وسلّم- التي عجز الجنّ والإنس جميعاً عن أن يأتوا بمثلها بعد أن تحدّاهم الله بذلك، فقد قال الله -سبحانه وتعالى-: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)، ولا وصف للقرآن أبلغُ ممّا وصفه به الله -سبحانه وتعالى-، ونبيّه -صلّى الله عليه وسلّم-، وبيان بعض هذه الأوصاف في ما يأتي:
وتجدر الإشارة إلى أنّ الله -تعالى- أقسم بالقرآن الكريم في كثير من المواضع فيه، ومنها قوله -تعالى-: (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ)، كما أُعطِي القرآن في الإسلام مكانة عظيمة؛ فله أحكامٌ شرعيّة خاصة بالتعامل معه؛ رعايةً لحُرمته، وبياناً لفضله، ومن مكانته العظيمة أنّ الصلاة لا تصحّ إلّا به؛ فمن الواجب على المسلم أن يقرأه في كلّ ركعة في الصلاة، ولا يصحّ إيمان المسلم إلّا إذا آمن به.
وللقرآن الكريم أربعة أسماء، يدلّ كلّ اسم منها على فضله، وشرفه، وهي:
يُستحَبّ للمسلم أن يُداوم على تلاوة القرآن الكريم، والإكثار منها، وهو بذلك يتّبع سُنّة جليلة من سُنَن الإسلام، وقد بيّن الله -سبحانه- ورسوله الكريم فضل تلاوة القرآن، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ)، ويُذكَر من فضائل تلاوة القرآن ما يأتي:
إنّ الإكثار من تلاوة القرآن، والمداومة على ذلك، وتكراره، أدعى لفهم معانيه، وترسيخ مبادئه في النفس، وهي وسيلة لمعرفة الله، والتقرُّب إليه؛ حيث يُوضّح القرآن صفات الله، ويُبيّن الحلال والحرام، والأحكام الي يجب على المسلم أن يلتزم بها، كما أنّ فيه من القصص والأخبار ما يترك في النفس العِظة والاعتبار من أخبار السابقين، وإضافة إلى الأهداف السابقة، فإنّ الهدف الأكبر من تلاوته هو نَيل رضا الله -تعالى-، وتحصيل الأجر والثواب.
اختلف العلماء في إجابة السؤال الذي ينصّ على ما إذا كان على الإنسان أن يُكثر من تلاوة القرآن دون تدبُّر، أو أن يتدبّره مع قلّة ما يقرأه منه؛ وعليه فإنّ منهم من ذهب إلى أنّ فهم القرآن وتدبُّره هو الهدف الأساسيّ من تلاوته؛ وذلك لقوله -سبحانه وتعالى-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، وهو الطريق الذي اتّبعه الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-؛ إذ كان يقف على الآيات مُتأمّلاً مُتفكّراً فيها، ويستعيذ بالله من النار، ويسأل الله الرحمة، ويُسبّحه إن مرّ بآية تسبيح، وهذا أيضاً منهج السلف في التعامل مع القرآن، وذهب فريق آخر إلى أنّ الإكثار من القراءة والسرعة فيها أفضل من قلّة القراءة؛ إذ تزيد الحسنات التي تتحصّل من القراءة. أمّا المفاضلة بين القراءة غيباً، أو نظراً، فللعلماء فيها ثلاثة آراء، كما يأتي:
بشّر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من يقرأ القرآن في صلاته ببُشرى عظيمة، إذ قال -عليه الصلاة والسلام-: (أَيُحِبُّ أحَدُكُمْ إذا رَجَعَ إلى أهْلِهِ أنْ يَجِدَ فيه ثَلاثَ خَلِفاتٍ عِظامٍ سِمانٍ؟ قُلْنا: نَعَمْ، قالَ: فَثَلاثُ آياتٍ يَقْرَأُ بهِنَّ أحَدُكُمْ في صَلاتِهِ، خَيْرٌ له مِن ثَلاثِ خَلِفاتٍ عِظامٍ سِمانٍ.)؛ فمن قرأ في صلاته بآية وحدة كان ذلك خيراً له من حُمرِ النعم، أمّا من قرأ في قيامه في صلاة الليل مئة آية كُتِب من القانتين، قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (من حافظ على هؤلاء الصَّلواتِ المكتوباتِ لم يُكتَبْ من الغافلين، ومن قرأ في ليلةٍ مائةَ آيةٍ كُتِب من القانتين).
أمّا إن قرأ بألف آية، فإنّه يُكتَب من المُقنطرين، وينجو بنفسه أن يكتب من الغافلين إذا قام الليل بعشر آيات، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (مَنْ قامَ بعشرِ آياتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغافِلِينَ، ومَنْ قَامَ بِمائَةِ آيةٍ كُتِبَ منَ القانتينَ، ومَنْ قامَ بألفِ آيَةٍ كُتِبَ منَ المقنطِرِينَ)، ومن قام بالقرآن في الليل والنهار كان حقاً على الناس أن تحسده، قال -عليه الصلاة والسلام-: (لا حَسَدَ إلَّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرْآنَ، فَهو يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيْلِ، وآناءَ النَّهارِ، فَسَمِعَهُ جارٌ له، فقالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فُلانٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ ما يَعْمَلُ...)، ومن نسي أن يقرأ حزبه من القرآن ليلاً أجزأه أن يقرؤه قبل صلاة الظهر ليكون كمن قرأه في الليل، قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَن نامَ عن حِزْبِهِ، أوْ عن شيءٍ منه، فَقَرَأَهُ فِيما بيْنَ صَلاةِ الفَجْرِ، وصَلاةِ الظُّهْرِ، كُتِبَ له كَأنَّما قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ).
تترتّب على حفظ القرآن الكريم فضائل عدّة تلحق بحافظه، ومنها ما يأتي:
ذهب العلماء إلى أنّ حفظ القرآن الكريم واجب كفائيّ على الأمّة؛ حرصاً على عدم انقطاع تواتُره، وحتى لا تدخله يد التحريف أو التبديل؛ فحِفظه في الصدور أدعى إلى الحفاظ عليه، فإن حفظته فئة من المسلمين، سقط الواجب عن غيرهم، وإن لم يحفظه أحد أثِموا جميعاً، كما أنّ تعليم القرآن للناس فرض كفاية، ومن جعل لنفسه حظّاً من تعلُّم القرآن، فقد عمّر قلبه بتدبُّر آياته، والتفكُّر في ملكوت السماوات والأرض؛ فترتقي نفسه، وتتزكّى، ويُصبح ممّن اصطفاهم الله، وجعلهم أولياءه.
كما أنّ من فضائل تعلُّم القرآن وتعليمه للناس أن جعل الله أجر من تعلّمَ آيتَين من كتاب الله، أو قرأهما، خيراً له، وجعل من يُعلِّم القرآن ويتعلّمه خيرَ الناس وأفضلهم، بالغضافة إلى أنّه جعل في تدارُسه، وقراءته، مع جَمعٍ من الناس في بيت من بيوت الله أربع نِعَم عظيمة وردت في الحديث الشريف: (وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ،).
المعرفة بفضل القرآن الكريم تجعل المسلم مُقبلاً على مصاحبة القرآن؛ فمعرفته بثمرة تعلُّم القرآن يزيد من تعظيمه لكتاب الله، ومراعاته لحُرمته، ومعرفته بمكانته، والمؤمن يثق في السير على النهج الصحيح، والطريق القويم؛ باتِّخاذه للقرآن هادياً ومنيراً؛ ليُميّز به بين الحقّ والباطل؛ فيطمئنّ إليه، وتسكن روحه عند تلاوته، ويجعله ذلك مدواماً على قُربه منه، ويتزوّد منه العلم بمعانيه، وأحكامه، وحين يوسوس الشيطان للمسلم؛ ليصرفَه عن تلاوة القرآن، فإنّ تذكُّره لفضل القرآن يجعله أكثر تمسُّكاً به، وتجعل المسلم في طلبه للعلم مُتحرّياً للطريق القويم الذي يُعَدّ سبباً لنجاته من الفتن؛ لرسوخ القرآن في قلبه، كما أنّ معرفة فضله تجعله حريصاً على تعلُّم علوم القرآن، وما يتعلّق بها، فيزيده ذلك تشريفاً، وفِقهاً في الدين، ويُعظِّم من درايته بأحكام القرآن، واتّساع عِلمه فيه.
من الفضل الذي يُلبِسه القرآن لصاحبه أنّه يُنسَب إليه، فيصير من أهل القرآن، ومن أهل الله وخاصّته، وحتى يتّصف القارئ بهذه الصفة، فإنّ عليه أن يجتهد في تزكية نفسه، وتنقية قلبه، وأن يُؤدّي حقّ القرآن، ويُقبل عليه، ويتطهّر من الذنوب، ويُكثر من الطاعات، ومن الفضل الذي يلحق أهل القرآن في الدُّنيا أنّ إكرام حملة القرآن وسيلة من وسائل إكرام الله والتقرُّب منه، كما ترتفع درجات العبد في الجنّة بالقرآن، وشرف العلم من شرف المعلوم؛ فإن كان المعلوم والمحفوظ هو كتاب الله، فإنّ ذلك سبب لزيادة شأن حامليه، وارتفاع قَدرهم.
موسوعة موضوع