فقيه وأي فقيه!

الكاتب: المدير -
فقيه وأي فقيه!
"فقيهٌ وأي فقيه!




قال لي شيخُنا الإمام العلاَّمة، الفقيه المجتهد، العارف الزاهد القدوة، محقِّق المذهب الشَّافعي، الأستاذ، الدكتور محمد سيد أحمد عامر رحمه الله تعالى ورضي عنه - وقد كنتُ أختلف إليه أيامًا، لأقرأ عليه في الفقه والأصول -: إنِّي لأغبطكم يا أهلَ أصول الدِّين على ما أنتم فيه من نِعَم!

 

فقلت له: وكيف ذلك يا سيِّدي؟

فقال: إنَّ علومكم التي تدرسونها - لا سيما علوم التَّفسير والحديث والسلوك - مرقِّقة للقلوب، مهذِّبة للنُّفوس، موصلة إلى الله!

 

أمَّا علومنا - علوم الشريعة - فلم تزد القلبَ إلاَّ جمودًا، والنفسَ إلاَّ صدودًا!

 

فقلت في نفسي: إنَّ الشيخ يجبر خاطري، ومرَّت الأعوامُ، ولم أنسَ ما قال الشيخُ، حتى ساقت لي الأقدارُ مصداقَ قوله، من كلام حجَّة الإسلام الغزالي، وهو ممَّن جمع الفِقهين، وحاز الأصلين، وسلك الطريقين، فقد قال في (الإحياء)، في معرض توجيهه للعِبارة المشهورة: (طلَبنا العلمَ لغير الله، فأبى العلمُ أن يكون إلاَّ لله) - وقد ساق كلامَه الحافظُ السَّخاوي في (فتح المغيث) -: هذه الكلمة اغترَّ بها قومٌ في تعلُّم العلم لغير الله، ثمَّ رجوعهم إلى الله، وإنَّما العلم الذي أشار إليه هذا القائل هو: علم التفسير، والحديث، ومعرفة سِيَر الأنبياء والصَّحابة؛ فإنَّ فيه التخويف والتَّحذير، وهو سببٌ لإثارة الخوف من الله؛ فإن لم يؤثِّر في الحال أثَّر في المآل.

 

فأمَّا الكلام والفِقه المجرَّد الذي يتعلَّق بفتاوى المعاملات وفَصل الخصومات، المذهب منه والخلاف - فلا يردُّ الراغبَ فيه للدنيا إلى الله تعالى، بل لا يزال متماديًا في حِرصه إلى آخر عمره!

 

وقال في موضعٍ آخر: إنَّ علم الخِلاف في الفقه، والجدل في الكلام، والفتاوى في الخُصومات والأحكام - ليسَت من علوم الآخرة، ولا من العلوم التي قِيل فيها: تعلَّمنا العلمَ لغير الله، فأبى العلمُ أن يكون إلاَّ لله؛ وإنَّما ذلك علم التفسير، والحديث، وما كان الأوَّلون يشتغلون به من علوم الآخرة، ومعرفة أَخلاق النَّفس وكيفيَّة تهذيبها.

 

وقال في موضعٍ ثالث: قال بعض المحقِّقين: إنَّ معناه أنَّ العلم أبى وامتنعَ علينا، فلم تَنكشف لنا حقيقتُه، وإنَّما حصل لنا حديثُه وألفاظه! انتهى.

 

وليت شعري، كيف تَحصل حقيقةُ العلم لقلوبٍ اسودَّت من ظُلمة المعاصي، وامتلأت بضغائن الأحقاد؟!

 

رحم الله شيخَنا الذي نبَّهنا إلى هذا المعنى الجليل، فكان سببًا في ضبط الهدف، وتصحيحِ المسار.


"
شارك المقالة:
27 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook