فكيف لو رأيت زماننا يا ربيعة!!

الكاتب: المدير -
فكيف لو رأيت زماننا يا ربيعة!!
"فكيف لو رأيت زماننا يا ربيعة؟!




بكى الإمام ربيعة الرأي يومًا ما، فسأله رجل: أدخلت عليك مصيبة؟

قال: لا، ولكن استُفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم، ولبعض من يفتي ها هنا أحق بالسجن من السراق.

 

قال ذلك ربيعة في عصر التابعين، فكيف لو رأيت زماننا يا ربيعة، وما حل به من تصدر للفتيا من كل مَن هبَّ ودبَّ، دون رسوخ علم، وبجرأة عجيبة؟! وقد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال كما في البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)).

 

ومقام الفتيا من المقامات الدينية العظيمة، فهو يتعلق بالمفتي من جهة، وبالمستفتي من جهة أخرى؛ فربنا سبحانه ذمَّ في كتابه كتمان العلم، كما أمر بسؤال أهل الذكر، ولا بد لنا من منهجية للتعامل مع الخلاف الفقهي، وهي منهجية ذات معالم خمسة:

الأول: ينبغي أن نعلم أن الخلاف سنة بشرية ماضية؛ كما فهم ذلك بعض المفسرين من قوله تعالى: ? وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ? [هود: 118، 119]، فوقوع الاختلاف بين الناس كما قال ابن القيم أمر ضروري، لا بد منه؛ لتفاوت إراداتهم وأفهامهم، وقدرات إدراكهم، ومعرفة ذلك يخفف حالة التوتر والارتباك عند المسلم مع حالة الخلاف؛ حيث يعصف بذهنه سؤال: لماذا لم يتفق العلماء على رأي فقهي واحد في كل مسألة؟

 

بل إن وقوع الخلاف له ثمرات؛ منها: بذل الوسع والطاقة والجهد من أجل الوصول إلى مراد الله تعالى وحكمه، مما قد يفيدهم بعد ذلك في حكمهم في النوازل المستجدة.

 

الثاني: طلب المؤهل شرعًا للفتيا؛ قال تعالى: ? فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ? [النحل: 43].

 

والمفتي ينبغي أن يراعي في نفسه ثلاثة أشياء أساسية: الملكة العلمية المعرفية، التعبد والتدين، الإلمام والدراية بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومواضع الإجماع، ومواضع الاختلاف، وما يتعلق بها من علوم.

 

المعلم الثالث، وهو أهم المعالم: ليكن الحق مقصودك، واحذر - رحمني الله وإياك - من الترخص بالخلاف، والانتقاء من كلام العلماء ما يوافق الهوى، وقد تتساءل فتقول: ماذا أفعل إذا اشتبهت عليَّ أقوال أهل العلم؟

 

وللإجابة عن هذا السؤال أسألك أنا سؤالًا: ماذا يفعل المريض إذا اختلف في شأن ورم في جسده طبيبان، فقال أحدهما: لا تشغل بالك، وأعطاه بعض المراهم، وقال: الأمر سهل وميسور، وقال الآخر: إنه ورم سرطاني ينبغي استئصاله فورًا - فكيف ستكون حاله، أتراه يأخذ بقول الأخف منهما؛ لأنه ما يتمناه في الباطن، أم سيسعى في الترجيح بينهما بالأخذ بقول الأعلم أو الأخبر أو المختص أو بالنظر في دلائل كل واحد منهما؟

 

فالذي ينبغي أن يقدم أولًا قول الأعلم ثم الأكثرية، فهي مظنة الصواب، ثم الأيسر بعد ذلك، لكن لا يأخذ بالأيسر أولًا كما هو حال الكثيرين.

 

المعلم الرابع: استفتِ قلبك، وإن أفتاك الناس وأفتوك، نعم، رُوي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قاله لوابصة رضي الله عنه، لكن ينبغي أمران:

أولهما: أن يكون ذلك القلب صادقًا في تطلب مراد الله عز وجل من جنس قلب وابصة رضي الله عنه.

 

والثاني: أن يظهر له أن المفتي قد أخطأ في فتواه، أو وهم، أو كانت فتواه مبنية على الظن، أو أنه صاحب هوى، فأفتى بهواه من غير دليل شرعي.

 

المعلم الخامس: حسن السؤال نصف الجواب:

أركان الفتيا أربعة: مفتٍ، ومستفت، وفتيا، واستفتاء، والاستفتاء هو صيغة السؤال.

 

فلا بد من حسن الصياغة للسؤال، والبعد عن الأسئلة الملغومة، أو التي تسأل عن أشياء مستبعدة، أو قد انقرضت.

 

وخلاصة الكلام رحمني الله وإياك: يجب على المسلم أن يتطلب في الخلاف الفقهي مراد الله تبارك وتعالى؛ بحيث يكون أولًا مخليًا نفسه من الأهواء، ثم يحلي قلبه بتطلب مراد الله تعالى بصدق، ومتى ما استقر هذا المعنى في النفس أصبح قادرًا على فرز المفتين، وإذا اختلف عليه المفتون، فسيكون قادرًا على الترجيح بين مقولاتهم بمرجح من المرجحات التي يعتقد أنها تبلغه مراد الله عز وجل.

 

مستفاد من محاضرة الخلاف الفقهي للشيخ عبدالله العجيري حفظه الله

مقدمه إلى برنامج مساق/ محمد أحمد صبري النبتيتي


"
شارك المقالة:
29 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook