فوائد تتعلق بالدعوة إلى الله (1)

الكاتب: المدير -
فوائد تتعلق بالدعوة إلى الله (1)
"فوائد تتعلق بالدعوة إلى الله (1)

 

الدعوة إلى الله تعالى مهمة عظيمة لها أولويات متنوعة، وأمور متعددة، يصعب حصرها فضلًا عن استقصائها ـ وما سبق جهد مقل..

 

وفيما يلي أذكر فوائد منثورة رجاء أن تكون مكملة لما سبق، وهادية للحق، وفاتحة الباب لمن يريد السبق:

الأولى: في الحث على المبادرة إلى الدعوة والمنافسة فيها:

تقدم أن الدعوة إلى الله تعالى من جليل العبادات، وفريضة من فروض الكفايات، وذكر شيء من فضائلها، وشرف أهلها، وعظم المثوبة عليها، فينبغي لكل ذي أهلية لها ورغبة في مثوبتها أن يسابق إليها وينافس غيره فيها، فهي ميدان فسيح مفتوح للرجال والنساء من الجن والإنس، قال تعالى: ? فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ? [البقرة: 148] وقال سبحانه: ? وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ? [آل عمران: 133] وقال سبحانه: ? وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ? [الواقعة: 10 - 12].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «بادروا بالأعمال»[1]، وقال صلى الله عليه وسلم: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم»[2]، وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا مشمر للجنة؟»[3].

 

والأصل عموم الخطاب للمكلفين من الجن والإنس، الرجال والنساء، إلا ما دل الدليل على خصوصه بشخص معين أو جنس معين.

 

الثانية: من بركة القيام بمهمة الدعوة إلى الله تعالى:

للقيام بوظيفة الدعوة بركات كثيرة وعواقب حميدة، حاضرة ومستقبلة، ظاهرة وباطنة، ومن ذلك أن الله تعالى يحفظ الداعي في صحته وعافيته، ويحفظه في أهله وذريته وماله ويكفيه همه ومؤونته، فيجمع له بين انشراح الصدر وتيسير الأمر، مع ما يرجى له من المثوبة وحط الوزر وعظم الأجر، وفي الحديث: «احفظ الله يحفظك»[4]، وفي الحديث الآخر: «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة»[5].

 

وصدق الله العظيم إذ يقول:? فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ? [الطلاق: 2، 3]، وقال سبحانه: ? وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ? [الطلاق: 4]، وقال تعالى: ? ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ? [الطلاق: 5].

 

والدعوة إلى الله تعالى من أهم أمور التقوى والدعاة المخلصون في دعوتهم وعملهم لله من سادات المتوكلين، وقد قال تعالى: ? وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ? [الطلاق: 3] أي:كافيه، وقال سبحانه: ? أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ? [الزمر: 36]، وقال تعالى: ? رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ? [المزمل: 9].

 

فمن اشتغل بالدعوة إلى الله وتوكل على الله وأخذ بالأسباب التي شرعها وأباحها الله كفاه الله أمر دينه ودنياه وأخراه.

 

الثالثة: متى يكون الشخص مباركًا أينما كان؟:

إذا رزق الله العبد معرفة الحق بدليله والعمل به وتعليمه للناس مع الإخلاص والسنة فقد جعله الله مباركًا أينما كان، لأنه أينما حل نفع، ونفع العلم والهدى للقلوب أعظم من نفع الغيث للأرض، فادع الله أن يجعلك مباركًا أينما كنت تضرعًا وخفية، واشتغل ببيان الحق للناس ولاسيما عند المناسبة والحاجة، وبالأسلوب الذين يحفز السامع إلى قبول ما توجهه به يجعلك الله كذلك.

 

الرابعة: في الدعاة إلى الخير والدعاة إلى الشر:

الدعاة صنفان:

الأول: هداة للخلق إلى الحق على بصيرة وبالحكمة والموعظة الحسنة، وأئمة هؤلاء المرسلون والنبيون، قال تعالى: ? وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ? [الأنبياء: 73] وكذلك أتباعهم من الصديقين والعلماءِ العاملين الذين قال الله تعالى فيهم: ? وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ? [السجدة: 24].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له مثل أجور من تبعه...الخ »[6]، وقال صلى الله عليه وسلم: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله»[7].

 

فهؤلاء مباركون عل أنفسهم وعلى من حولهم وهم الفائزون بالتجارة التي لن تبور، المفلحون في الدنيا والآخرة، جعلنا الله من أئمتهم بمنه وكرمه.

 

الثاني: دعاة الباطل وهم كل من عرف الحق وتركه ودعا إلى الضلال والبدع، اتباعًا للهوى، أو أغرى الناس بالشرك والكفر، كما قال تعالى عن آل فرعون:? وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ? [القصص: 41، 42].




وقال صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من تبعه إلى يوم القيامة»[8]، وقال عليه الصلاة والسلام في دعاة الشر في آخر الزمان: «دعاة ضلالة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها»[9].

 

فكن ـ يا عبد الله ـ من دعاة الحق، ولا تكن من دعاة الباطل والضلال، حتى لا تكون ممن قال الله تعالى فيهم: ? وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ? [القصص: 41، 42].

 

الخامسة: في نفع الدعوة للداعي والدين والخلق:

في قوله تعالى: ? وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ? [الذاريات: 55] وقوله: ? فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ? [الأعلى: 9] على أن معناها: قد نفعت الذكرى، بشارة بأن الدعوة نافعة لا محالة، ومن نفعها: بيان أحقية الحق وبطلان الباطل وسقوط الإثم عن الداعي، وفوزه بثواب الدعوة، وإظهار الحق للناس، وإعلان بطلان الباطل، وإقامة الحجة على الخلق وقد ينتفع بها من يشاء الله هدايته ولو بعد حين.

 

السادسة: للهداية وقت معلوم فلا يستعجل:

للهداية أجل لا تتقدم عليه ولا تتأخر عنه كالرزق والمنية وغيرها من الأمور المؤجلة، وقد اهتدى أناس من الصحابة لأول وهلة ولم يهتدِ آخرون إلا بعد بضع سنين، ومنهم من تأخر إسلامه إلى فتح مكة وبعضهم بعد ذلك، فعلى الداعي إلى الله أن يجتهد في دعوته وأن يبالغ في موعظته، وأن يلح على الله عز وجل بسؤاله هداية المدعو على يديه، وأن يؤمن بقضاء الله وقدره، ويسلم النهايات والخواتيم إلى الله تعالى فإن الله تعالى بصير بعباده.

 

السابعة: الفرق بين هداية التوفيق وهداية الإرشاد:

اعلم أن هداية القلوب ـ أي التوفيق لقبول الحق ـ وانشراح الصدر به، بيد علام الغيوب لا يملكها غيره سبحانه، قال تعالى: ? إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ? [القصص: 56] نزلت في أبي طالب حيث حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هدايته وكرر دعوته له حتى لحظة حياته الأخيرة، ومع ذلك لم يهتدِ بل كان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله.

 

أما الدعوة إلى الله فهي من هداية التعليم والبيان والدلالة والإرشاد، وهي التي قال الله تعالى فيها: ? وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ? [الشورى: 52] وقال تعالى: ? وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ? [الرعد: 7]. فأما ما لله عليك من الدعوة فإنه عبادة وإحسان، واترك ما على الله تعالى له، فإن له سبحانه الحكمة، وهو بعباده أبصر.

 

الثامنة: في الحث على كثرة الاستدلال بنصوص الكتاب والسنة:

في قوله تعالى: ? فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ? [ق: 45]، تنبيه على أنه ينبغي للداعي أن يكثر من الاستدلال بالقرآن، وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم له من بيان في دعوته: في موعظته، في خطبته، في درسه، في مناظرته، فإن القرآن والسنة أبلغ الكلام، وهو شفاء للقلوب، وقد اشتمل على أظهر البراهين وأقوى الحجج، ولبلاغة قصصه ووعده ووعيده آثار معلومة في هداية القلوب وإصلاح أحوال الناس.




[1] أخرجه مسلم برقم (118).

[2] سبق تخريجه.

[3] أخرجه ابن ماجه برقم (4332).

[4] أخرجه الترمذي برقم (2516)، وأحمد في المسند برقم (2664).

[5] أخرجه أحمد في المسند برقم (2800).

[6] سبق تخريجه.

[7] أخرجه مسلم برقم (1893)، عن عبد الله بن مسعود الأنصاري رضي الله عنه.

[8] سبق تخريجه.

[9] أخرجه أحمد في المسند برقم (22939).


"
شارك المقالة:
25 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook