فوائد من نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس لابن رجب

الكاتب: المدير -
فوائد من نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس لابن رجب
"فوائد من نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس لابن رجب

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فللحافظ ابن رجب رحمه الله مؤلفات في شرح بعض الأحاديث النبوية، منها: نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس، وشرحه رحمه الله لهذا الحديث فيه الكثير من الفوائد، وقد يسَّر الله الكريم لي فاخترتُ بعضًا منها، أسأل الله أن ينفعني والقُرَّاء بها.

 

? قال عليه الصلاة والسلام: ((احفظ الله يحفظك)) فمن حفظ حدود الله وراعى حقوقه حفظه الله، وحفظ الله لعبده يتضمن نوعين:

أحدهما: حفظه له في مصالح دنياه؛ كحفظه في ولده وأهله وماله...وأن يحفظه في صحة بدنه وقوته وعقله، قال بعض السلف: العالم لا يخرف، وقال بعضهم: من جمع القرآن مُتِّع بعقله.




وكان أبو الطيب الطبري قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بعقله وقوته، وقال: هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر.




وقد يحفظ الله العبد بصلاحه في ولده وولد ولده، كما قيل في قوله تعالى: ? وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ? [الكهف: 82] إنهما حُفظا بصلاح أبيهما.




ومن أنواع حفظ الله لمن حفظه في دنياه: أن يحفظه من شر كل من يريده بأذًى من الجن والإنس...كما قال تعالى: ? وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ? [الطلاق: 2].




قالت عائشة: يكفيه غم الدنيا وهمها.




قال الربيع بن خثيم: يجعل له مخرجًا من كل ما ضاق على الناس.




ومن عجيب حفظ الله تعالى لمن حفظه أن يجعل الحيوانات المؤذية بالطبع حافظة له من الأذى وساعية في مصالحه.




ومن ضيَّع الله ضيَّعه الله بين خلقه، حتى يدخل عليه الضرر بشيء ممن كان يرجو أن ينفعه، ويصير أخصَّ أهله به وأرفقهم به يؤذيه.




فالخير كله مجموع في طاعة الله والإقبال عليه، والشر كله مجموع في معصيته والإعراض عنه.




النوع الثاني من الحفظ: وهو أشرفها وأفضلهما حفظ الله لعبده في دينه، فيحفظ عليه دينه وإيمانه في حياته من الشبهات المردية والبدع المضلة، والشهوات المحرمة، ويحفظ عليه دينه عند موته، فيتوفاه على الإسلام.




فمن أخلص لله خلصه من السوء والفحشاء، وعصمه منهما من حيث لا يشعر، وحال بينه وبين أسباب المعاصي المهلكة.




وسمع عمر رجلًا يقول: اللهم إنك تحول بين المرء وقلبه، فحُلْ بيني وبين معاصيك. فأعجب ذلك عمر ودعا له بخير.




رُوي عن ابن عباس في قوله تعالى: ? يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ? [الأنفال: 24] قال: يحول بين المؤمن وبين المعصية التي تجره إلى النار.




قال بشر: ما أصرَّ على معصية الله كريم، ولا آثر الدنيا على الآخرة حكيم.




ومن أنواع حفظ الله لعبده في دينه: أن العبد قد يسعى في سبب من أسباب الدنيا- إما الولايات أو التجارات أو غير ذلك- فيحول الله بينه وبين ما أراد لما يعلم من الخيرة في ذلك وهو لا يشعر مع كراهته لذلك.




فمن قام بحقوق الله عليه فإن الله يتكفل له بالقيام بجميع مصالحه في الدنيا والآخرة، فمن أراد أن يتولى الله حفظه ورعايته في أموره كلها فليراعِ حقوق الله عليه، ومن أراد ألا يصيبه شيء مما يكره فلا يأتِ شيئًا مما يكره الله منه.




فما يؤتى الإنسان إلا من قِبَل نفسه، ولا يصيبه المكروه إلا من تفريطه في حق ربه عز وجل، كما قال علي رضي الله عنه: لا يرجوَنَّ عبدٌ إلا ربَّه، ولا يخافنَّ إلا ذنبَه، وقال بعضهم: من صَفَى صُفِّي له، ومن خَلَّط خُلِّط عليه.




وقال مسروق: من راقب الله في خطرات قلبه عصمه الله في حركات جوارحه.




** قوله صلى الله عليه وسلم: ((احفظ الله تجده أمامك)) وفي رواية أخرى: ((تجاهك))، معناه: أن من حفظ حدود الله وراعى حقوقه وجد الله معه في جميع أحواله يحوطه وينصره ويحفظه ويوفقه ويؤيده ويسدده، فإنه قائم على كل نفس بما كسبت، وهو تعالى مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.




قال قتادة: من يتق الله يكن معه، ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل...كتب بعض السلف إلى أخ له: أما بعد: فإن كان الله معك فمِمَّن تخاف؟ وإن كان عليك فمن ترجو؟ والسلام.




? قوله صلى الله عليه وسلم: ((تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)).




المعنى أن العبد إذا اتقى الله وحفظ حدوده، وراعى حقوقه في حال رخائه وصحته، فقد تعرف بذلك إلى الله وكان بينه وبينه معرفة، فعرفه ربُّه في الشدة وعرف له عمله في الرخاء، فنجَّاه من الشدائد بتلك المعرفة.




قال أبو جعفر السائح: أتى الحسن إلى حبيب أبي محمد هاربًا من الحجاج، فقال: يا أبا محمد، احفظني من الشُّرَط، هم على إثري، فقال:...ادخل البيت، فدخل الشُّرَط على إثره، فلم يروه، فذكروا ذلك للحجَّاج، فقال: بل كان في بيته إلا أن الله طمس أعينهم فلم يروه.




قال الضحاك بن قيس: اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة، إن يونس عليه السلام كان يذكر الله فلما وقع في بطن الحوت قال الله تعالى: ? فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ? [الصافات: 143، 144] وإن فرعون كان طاغيًا ناسيًا لذكر الله فلما أدركه الغرق، قال: آمنت، فقال الله تعالى: ? آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ? [يونس: 91].




فإذا علم أن التعرُّف على الله في الرخاء يوجب معرفة الله لعبده في الشدة، فلا شدة يلقاها المؤمن في الدنيا أعظم من شدة الموت، وهي أهون مما بعدها إن لم يكن مصير العبد إلى خير، وإن كان مصيره إلى خير فهي آخر شدة يلقاها.




فالواجب على العبد الاستعداد للموت قبل نزوله بالأعمال الصالحة والمبادرة إلى ذلك، فإنه لا يدري المرء متى تنزل به هذه الشدة من ليل أو نهار.




قال بعضهم: كانوا يستحبون أن يكون للمرء خبيئة من عمل صالح، ليكون أهون عليه عند نزول الموت، أو كما قال.




فمن أطاع الله واتقاه وحفظ حدوده في حياته، تولاه الله عند وفاته، وتوفاه على الإيمان، وثبته بالقول الثابت في القبر عند سؤال الملكين، ودفع عنه عذاب القبر، وآنس وحشته في تلك الوحدة والظلمة.




وكذلك أهوال القيامة وأفزاعها وشدائدها، إذا تولى الله عبده المطيع له في الدنيا، أنجاه الله من ذلك كله.




قال قتادة في قوله تعالى: ? وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ? [الطلاق: 2]،قال: من الكرب عند الموت، ومن أفزاع يوم القيامة، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية: ننجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة.




وقال زيد بن أسلم في قوله تعالى: ? إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ? [الأحقاف: 13]، قال: يبشر بذلك عند موته وفي قبره ويوم يبعث، فإنه لفي الجنة، وما ذهبت فرحة البشارة من قلبه.




وأما من لم يتعرَّف إلى الله في الرخاء، فليس له من يعرفه في الشدة لا في الدنيا ولا في الآخرة.




? قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سألت فاسأل الله)) اعلم أن سؤال الله تعالى دون خلقه هو المتعين عقلًا وشرعًا، وذلك من وجوه متعددة:

منها: أن السؤال فيه بذل ماء الوجه وذلَّة للسائل، وذلك لا يصلح إلا لله وحده، فلا يصلح الذل إلا له بالعبادة والمسألة، وذلك من علامات المحبة الصادقة.




ومنها: أن في السؤال عبودية عظيمة؛ لأنها إظهار للافتقار إليه، واعتراف بقدرته على قضاء الحوائج، وفي سؤال المخلوق ظلم؛ لأن المخلوق عاجز عن جلب النفع لنفسه ودفع الضر عنها، فكيف يقدر على ذلك لغيره؟ وسؤاله إقامة له مقام من يقدر وليس هو بقادر. قال بعض السلف: إني لأستحي من الله أن أسأله الدنيا وهو مالكها، فكيف أسألها من لا يملكها، يعني المخلوق.




ومنها: أن الله يحب أن يُسْأل، ويغضب على من لا يسأله؛ فإنه يريد من عباده أن يرغبوا إليه ويسألوه ويدعوه ويفتقروا إليه، ويحب الملحِّين في الدعاء.




والمخلوق غالبًا يكره أن يسأل لفقره وعجزه. قال ابن السماك: لا تسأل من يفرُّ منك واسأل مَنْ أمرَكَ أن تسأله.




ومنها: أن الله تعالى يستدعي من عباده سؤاله، وينادي كل ليلة: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داعٍ فأستجيب له؟ وقد قال الله تعالى: ? وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ?[البقرة: 186]، فأي وقت دعا العبد وجده سميعًا قريبًا مجيبًا، ليس بينه وبينه حجاب ولا بوَّاب، وأما المخلوق فإنه يمتنع بالحجاب والأبواب ويعسر الوصول إليه في أغلب الأوقات. قال طاووس لعطاء: إياك أن تطلب حوائجك إلى من أغلق دونك بابه، ويجعل دونها حجابه، وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة.




? قوله صلى الله عليه وسلم: ((وإذا استعنت فاستعن بالله)) وفي استعانة الله وحده فائدتان:

إحداهما: أن العبد عاجز عن الاستقلال بنفسه في عمل الطاعات.




والثانية: أنه لا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله الله فهو المخذول.




فالعبد محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات، وترك المحظورات، وفي الصبر على المقدورات، كما قال يعقوب عليه السلام لبنيه: ? فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ? [يوسف: 18]؛ ولهذا قالت عائشة هذه الكلمة لما قال أهل الإفك ما قالوا، فبرَّأها الله مما قالوا. وقال موسى لقومه: ? اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ? [الأعراف: 128] وقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ? رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ? [الأنبياء: 112]، ولما بشر صلى الله عليه وسلم عثمان بالجنة على بلوى تصيبه، قال: الله المستعان.




فالعبد محتاج إلى الاستعانة بالله في مصالح دينه وفي مصالح دنياه. كما قال الزبير في وصيته لابنه عبدالله بقضاء دينه: إن عجزت فاستعن بمولاي، فقال له: يا أبت، مَنْ مولاك؟ قال: الله، قال: فما وقعت في كربة من دَيْنِه إلا قلتُ: يا مولى الزبير، اقضِ عنه دَيْنَه فيقضيه.




وكذلك يحتاج العبد إلى الاستعانة بالله على أهوال ما بين يديه من الموت وما بعده.

كتب الحسن إلى عمر بن عبدالعزيز: لا تستعن بغير الله فيكلك الله إليه.

وقال بعضهم: فاستعن بالله واستعنه فإنه خير مستعان.




إذا علم العبد أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له من خير أو شر، أو نفع أو ضر، وأن اجتهاد الخلق كلهم جميعًا على خلاف المقدور غير مفيد شيئًا البتة، علم حينئذٍ أن الله تعالى وحده هو الضار والنافع والمعطي والمانع، فأوجب ذلك للعبد توحيد ربه عز وجل، وإفراده بالاستعانة والسؤال والتضرع والابتهال، وإفراده أيضًا بالعبادة والطاعة؛ لأن المعبود إنما يقصد بعبادته جلب المنافع ودفع المضار؛ ولهذا ذمَّ الله سبحانه من يعبد ما لا ينفع ولا يضر ولا يغني عن عابده شيئًا، وأيضًا فكثير ممن لا يحقق الإيمان في قلبه يقدم طاعة مخلوق على طاعة الله رجاء نفعه أو دفعًا لضره. فإذا تحقق العبد تفرَّد الله وحده بالنفع والضر وبالعطاء والمنع، أوجب ذلك إفراده بالطاعة والعبادة، ويقدم طاعته على طاعة الخلق كلهم جميعًا. كما يوجب ذلك أيضًا إفراده سبحانه بالاستعانة به، والطلب منه. فمن تحقق أن كل مخلوق فوق التراب فهو تراب، فكيف يقدم طاعة شيء من التراب على طاعة رب الأرباب؟ أم كيف يُرضي التراب بسخط الملك الوهاب، إن هذا لشيء عجاب!




للرضا بالقضاء أسباب:

منها: يقين العبد بالله وثقته به بأنه لا يقضي للمؤمن قضاءً إلا وهو خيرٌ له، فيصير كالمريض المستسلم للطبيب الحاذق الناصح، فإنه يرضى بما يفعله به من مؤلم وغيره لثقته به ويقينه أنه لا يريد له إلا الأصلح.




ومنها: النظر إلى ما وعد الله من ثواب الرضا، وقد يستغرق العبد في ذلك حتى ينسى ألم المقضي به كما روي عن بعض الصالحات من السلف أنها عثرت فانكسرت ظفرها، فضحكت وقالت: أنساني لذة ثوابه مرارة ألمه.




ومنها: وهو أعلى من ذلك كله الاستغراق في محبة المبتلي ودوام ملاحظة جلاله وجماله وعظمته وكماله الذي لا نهاية له.




وحقيقة الفرق بين الصبر والرضا، أن الصبر كف النفس وحبسها عن التسخط مع وجود الألم، والرضا يوجب انشراح الصدر وسعته، وإن وجد الإحساس بأصل الألم لكن الرضا يخفف الإحساس بالألم لما يباشر القلب من روح اليقين والمعرفة.




قال الحسن: الصبر كنز من كنوز الجنة، لا يعطيه الله إلا لمن كرم عليه.




الصبر الجميل هو أن يكتم العبد المصيبة ولا يخبر بها، قال طائفة من السلف في قوله تعالى: ? فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ? [يوسف: 83]، قالوا: لا شكوى معه.




قال بعض السلف: إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات: أحمد الله إذ لم تكن أعظم مما هي، وأحمد الله إذ رزقني الصبر عليها، وأحمده إذ وفقني للاسترجاع، وأحمده إذ لم يجعلها في ديني.




إذا غمس أعظم الناس بلاء في الدنيا في نعيم الجنة غمسة، قيل له: هل رأيت بؤسًا قط؟ هل مرَّ بك بؤس قط؟ قال: لا يا رب.




من صبر على مجاهدة نفسه وهواه وشيطانه، غلَبَ وحصل له النصر، ومن جزع ولم يصبر على مجاهدة ذلك، غُلِبَ وقُهِرَ وأُسِرَ، وصار ذليلًا أسيرًا في يدي شيطانه وهواه.




اعلم أن نفسك بمنزلة دابتك، إن عرَفَتْ منك الجدَّ جدَّت، وإن عرَفَتْ منك الكسل طمعت فيك، وطلبت منك حظوظها وشهواتها.




ولنختم بذكر نبذة يسيرة من لطائف البلايا وفوائدها وحكمها.




فمنها: تكفير الخطايا بها، والثواب على الصبر عليها.




ومنها: تذكر العبد بذنوبه، فربما تاب ورجع منها إلى الله عز وجل.




ومنها: زوال قسوة القلوب وحدوث رقتها.




ومنها: أنها توجب للعبد الرجوع بقلبه إلى الله، والوقوف ببابه والتضرع له والاستكانة، وذلك من أعظم فوائد البلاء، وقد ذم الله من لا يستكين له عند الشدائد، قال الله تعالى: ? وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ? [المؤمنون: 76] وقال: ? وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ?[الأنعام: 42]، وكان بعضهم إذا فتح له في الدعاء عند الشدائد لم يحب تعجيل إجابته خشية أن ينقطع عما فتح له.




ومنها: أن البلاء يوصل إلى قلبه لذة الصبر عليه، والرضا به، وذلك مقام عظيم جدًّا.




ومنها: أن البلاء يقطع قلب المؤمن عن الالتفات إلى مخلوق، ويوجب له الإقبال على الخالق وحده.




فالبلاء يوجب للعبد تحقيق التوحيد بقلبه وذلك أعلى المقامات وأشرف الدرجات.




ومنها: أن المؤمن إذا استبطأ الفرج ويئس منه ولا سيما بعد كثرة الدعاء وتضرعه ولم يظهر له أثر الإجابة، رجع إلى نفسه باللائمة ويقول لها: إنما أتيت من قبلك ولو كان فيك خير لأجبت، وهذا اللوم أحب إلى الله من كثير من الطاعات فإنه يوجب انكسار العبد لمولاه، واعترافه له بأنه ليس بأهل إجابة دعائه؛ فلذلك يسرع إليه حينئذ إجابة الدعاء وتفريج الكرب، فإنه تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله.


"
شارك المقالة:
30 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook