المحتوى

في زمن القلة بين تصدير وتهريب.. هكذا اقتحم أصحاب المال حقول المزارعين

الكاتب: رامي عبد ربه -

في زمن القلة بين تصدير وتهريب.. هكذا اقتحم أصحاب المال حقول المزارعين

المنتجات الزراعية التي شهدت أعلى مستوى من ارتفاع الأسعار، هي المنتجات ذات الوزن الأعلى والأهمية النسبية في السوق لكثافتها في سلة الاستهلاك والغذاء المحلية، وأيضاً بسبب الحجم الإنتاجي الكبير منها. حيث بلغ إنتاج عام 2018 من هذه الخضروات والفواكه السبع الأساسية المذكورة في الشكل حوالي: 3,4 مليون طن تقريباً.
 
تشكل الحمضيات جزءاً هاماً منها: 1,1 مليون طن، والبندورة أيضاً قرابة مليون طن، بينما البطاطا حوالي 560 ألف طن، والتفاح بحدود 475 ألف طن. وأقلها إنتاجاً: الخيار والبصل الجاف بـ 130 ألف طن للأول، وحوالي 75 ألف طن من الثاني، بينما إنتاج الثوم 34 ألف طن تقريباً
 
لا يمكن تفسير هذا المستوى من الارتفاع في أسعار الخضروات والفواكه الأساسية إلا بالتراجع الكبير في الكميات المتاحة في السوق المحلية منها. وهذا النقص ينجم عن تراجع كبير في كميات الإنتاج، وزيادة التصدير والتهريب والتخزين بغاية رفع الأسعار.
 
وكلّ هذه العوامل متوفرة في الظرف السوري المعقد لعام 2019، حيث تُشير التقديرات إلى أن موسم البطاطا مثلاً انخفض إلى 400 ألف طن من أصل 560 تقريباً، وموسم البندورة انخفض أيضاً وتحديداً البندورة المنتجة في البيوت البلاستيكية حيث المستلزمات المستوردة أكثر والكلف أعلى والعوامل الجوية تحمل تأثيرات أكبر عليها.
 
بالعموم انخفضت في 2019 قدرات المزارعين على التمويل مع ارتفاع الكلف وعدم استقرارها نتيجة التخبطات والمضاربة على الدولار، وفي ظل غيابٍ تامٍ للإقراض الزراعي الحكومي، وهذا أدى إلى تراجع في المساحات المزروعة وفي الإنتاج.
 
ولكن لا يمكن أن يكون تراجع الإنتاج هو العامل الأعلى تأثيراً، والمؤدي إلى تضاعف أسعار هذه المنتجات، وجميعها منتجات تتمتع بمرونة نسبياً للتكيف مع الأزمات، وهي لم تتراجع كثيراً خلال أصعب سنوات الحرب، وعادت بمجموعها تقريباً إلى مستوى قريب من مستوى إنتاج عام 2010.
 
كما أن تراجع الإنتاج بمقادير كبيرة يفترض أن يحمل تأثيره على أنواع الخضار الأخرى، وهو ما لم يحصل.
 
إن النقص في الكميات المتاحة من هذه المنتجات ليس ناجماً بالدرجة الأولى عن التراجع في إنتاجها في الموسم الماضي، بل يرتبط بعمليات تصديرها وتهريبها وتخزين القابل للتخزين منها لضبط الأسعار والتحكم بها عند مستوى مرتفع.
 
التهريب لا التصدير...
 
العقوبات تجعل التصدير عملية معقدة في الظرف السوري، كما أن ظروف الفوضى التي تسم اقتصاد البلاد تجعل التهريب عملية سهلة ومتاحة بتكاليف أقل، ودون عوائق وبيروقراطية، والأهم: أن التهريب هو مصدر أساسي من مصادر القطع الأجنبي للسوق السوداء. فالمتمولون يستثمرون مبالغ بالليرة السورية ويمولون بها إنتاج المزارعين ويحصلون على المنتوج، وبتهريبه يحصلون على قيمته بالدولار، فيربحون أرباحاً مضاعفة من الربح الاعتيادي للإنتاج، تحديداً مع ارتفاع الأسعار في الجوار اللبناني عن السعر في سورية، ويربحون مرّة ثانية من الإنفاق بالليرة والجني بالدولار.
 
والوجهات الأساسية لخطوط تهريب الخضار هي إلى لبنان والأردن ومنهما إلى لخليج، إضافة للتهريب إلى تركيا. فحتى صادرات الخضار النظامية وجهتها الأساسية السعودية وتركيا، ولكنها بكميات لا تذكر... أعلاها في البندورة بمقدار 60 ألف طن، بينما لم يصدّر من التفاح إلاّ 6 آلاف طن، وأرقام لا تذكر من الخضروات الأخرى في عام 2018.
 
توسعت في الموسم الماضي ظاهرة الضمان وتأجير الأراضي، وأصحاب الملايين يضمنون المنتوج في الأراضي الزراعية الأساسية ويمولونه ليحصلوا على الإنتاج في نهاية الموسم، ويتصرفون فيه بالطريقة الأعلى ربحاً... وتحديداً التهريب.
 
آلاف المليارات من الليرات السورية تتكدس لدى كبار المتمولين في السوق، وهؤلاء ينتقلون تدريجياً ليتوغلوا من قطاع إلى آخر... ويبدو أن هؤلاء قد دخلوا في العام الماضي إلى سوق الخضروات الأساسية بقوّة وبآليات الفوضى والفساد ذاتها التي تسم طابع المتمولين والأثرياء السوريين.
 
إن أسعار الخضروات والفواكه الأساسية قطعت عتبة لن تنزل عنها، طالما أن حافز التهريب مستمر. وهذه المنتجات الزراعية الأساسية تصبح مع تهريبها مصدراً أساسياً للقطع الأجنبي، أو لدخلٍ عالٍ في السوق المحلية. وتحديداً مع التوقعات بارتفاع أسعار الغذاء عالمياً مع تعمّق الأزمات الدولية والإقليمية.
 
لقد كانت قيمة هذه المنتجات في عام 2019 في السوق المحلية تقارب 675 مليار ليرة، وحوالي 960 مليون دولار، بينما بعد الارتفاع في الموسم الحالي أصبحت قيمتها تقارب 1930 مليار ليرة تقريباً، وحوالي 2,7 مليار دولار.
 
وهذا السعر أصبح يفوق أسعارها في لبنان... حيث قيمة هذه الثروة من المنتجات الزراعية في السوق اللبنانية تعادل 2,5 مليار دولار تقريباً (وفق أسعار المنتجين في لبنان من منظمة الفاو في 2018).
 
ما يعني: أن المنتجات الزراعية الأساسية المذكورة يتم تهريبها إلى الحد الذي يجعل المتبقي منها في السوق المحلية مسعّراً بالأسعار الدولية للبنان بل وأعلى منها. ويحصل المستثمرون الزراعيون الكبار في هذه المنتجات، وتجار سوق الهال على أرباح مضاعفة إما من تهريب المنتوج، أو حتى من بيع المتبقي بهذا المستوى من الأسعار محلياً
 
الخضروات كانت آخر ما تبقى من سلة الغذاء منخفض التكلفة في سورية، وها هي اليوم تضاهي السلع الغذائية المستوردة في أسعارها، وتسابق اللحوم في سرعة الارتفاع... أما السبب الأساسي لهذه القفزة في أسعار المنتجات الأساسية السبعة من الخضروات والفواكه، فهو تغيّر طابع الاستثمار والتسويق. حيث دخل المستثمرون الماليون إلى هذه السوق، وحوّلوا الجزء الأكبر من الإنتاج إلى التهريب، حتى أصبحت الأسعار السورية داخل البلاد تضاهي أسعار الجملة اللبنانية مثلاً.
 
إنّ استمرار التهريب سيدفع بمجمل أسعار الخضروات والفواكه إلى ارتفاع مماثل، وسيغيّر بسرعة ما تبقى من طبيعة الزراعة السورية، التي أصبحت اليوم بلا أي دعم، وتعتمد على تمويل خاص استثماري في العديد من المناطق والمجالات، وسوقها إقليمية بشكل أساسي بينما ما يتبقى من الإنتاج للسوق المحلي مخصص للقادرين على دفع أسعار دولية..
 
قاسيون
 
شارك المقالة:
415 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook