قبل أن ترفع الأعمال

الكاتب: المدير -
قبل أن ترفع الأعمال
"قبل أن ترفع الأعمال

 

شهر شعبان شهر تُعرض وتُرفع فيه الأعمال إلى الله رب العالمين؛ كما جاء في حديث أسامة بن زيد، قال: قلت: يا رسول، لم أراك تصوم شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: (ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى الله رب العالمين، فأُحب أن يرفع عملي وأنا صائم)[1]، وقيل: إن عرض الأعمال ليلة النصف من شعبان، وقيل: عرض الأعمال يكون في آخر شعبان؛ كما جاء في حديث أسامة: (وشهر تُرفع فيه)، ولم يُحدِّد النبي صلى الله عليه وسلم ليلة النصف من شعبان.

 

ورفع الأعمال الى الله تكون على ثلاثة أنواع:

الأول: رفع للأعمال كلَّ يوم: كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح، وصلاة العصر، ثم يَعرُج الذين باتوا فيكم، ويسألهم الله وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يُصلون، وأتيناهم وهم يصلون)[2].

 

الثاني: رفع للأعمال كل أسبوع: فقد روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تُعرض الأعمال علي الله يوم الاثنين والخميس، فأُحب أن يُعرض عملي وأنا صائم)[3]، وهذا الحديث يُبين لنا أن الأعمال بني آدم من الخير والشر والطاعة والمعصية، تُعرض عرضًا أسبوعيًّا، والنبي يود ويرغب أن يرفع عمله وهو على طاعة، فسن النبي صلى الله عليه وسلم صيام الاثنين والخميس).

 

الثالث: رفع للأعمال كل عام: في شهر شعبان من كل عام؛ كما جاء في الحديث: (وشهر تُرفع فيه الأعمال)، فشهر شعبان هو الموسم الختامي لرفع الأعمال إلى الله، ثم تبدأ صفحة جديدة مع الله عز وجل في رمضان.

 

وجاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يُرفع إليه عملُ الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل)[4]، فيحتمل أنه تُعرض عليه تعالى أعمالُ العباد كل يوم، ثم تعرض أعمال الجمعة في يوم الاثنين والخميس، ثم أعمال السنة في شعبان، كما في رواية النسائي، ولكل عرض حكمة.

 

لماذا خص النبي شعبان بالصوم دون سائر العبادات:

قيل: لأن الصوم من أفضل الأعمال، ولأن الأعمال الصالحة إذا صاحبَها الصوم، رفَع مِن قدْرها، وأثبت خُلوصها لله عز وجل، فالصوم عبادة لا رياءَ فيها يتحقَّق فيها الإخلاص، وتتحقَّق فيها المراقبة، فيصل العبدُ إلى مرتبة الإحسان، فيكون عمله أقربَ للقبول، وقيل: إن الصوم من الأعمال التي تشفع لصاحبها يوم القيامة وقيل: إن الصوم يُثقل الميزان، فما أحوج العبد إلى ثوابه عند رفع الأعمال، وقيل: إن الصوم يتحقق فيه الصبر بأنواعه الثلاثة، الصبر على الطاعة والصبر على المعصية، والصبر على أقدار الله المؤلمة، والله سبحانه قال عن جزاء الصابرين: ? إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ? [الزمر: 10]، وقيل: إن النبي أراد منك أن تختم السنة الإيمانية والموسم الختامي للأعمال بالصيام، وتبدأ السنة الجديدة في رمضان بالصيام، والله سبحانه لا يرد أعمالك بين صيام النهاية والبداية.

 

ماذا أفعل قبل أن ترفع الأعمال:

عليك أخي الحبيب بثلاثة أمور:

أولًا: تجديد التوبة:

لا بد قبل رفع الأعمال من التوبة الصادقة النصوح، فنحن بشرٌ، لسنا ملائكة، ولسنا معصومين، حتى وأنت على طاعة يجب أن تجدِّد التوبة، وتستغفر كما كان يفعل المعصوم صلى الله عليه وسلم، ونداءات التوبة في القرآن مخاطَب بها جميع المؤمنين؛ قال تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا ? [التحريم: 8]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (كل بني آدم خطاء، وخيرُ الخطائين التوابون)[5]، والتوبة واجبة على كل مسلم، وهي طريق الفلاح؛ قال تعالى: ? وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ? [النور: 31]، فلا بد من المبادرة بالتوبة قبل رفع الأعمال، وأن تبدأ صفحة جديدة مع الله عز وجل.

 

ثانيًا: المسارعة بالأعمال الصالحة:

من الآن وقبل أن تُرفع الأعمال تستطيع أن تَختم القرآن أكثر من مرة،، وأن تُكثر من الذكر والاستغفار، وفعل الخير وقضاء حوائج الناس، والصدقة وصلة الرحم، والسؤال: لماذا المسارعة الآن؟

1- لأن العبرة بالخواتيم؛ كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم من حديث سهل بن سعد: (إنما الأعمال بالخواتيم)[6]، فرُبَّ عملٍ صالح مخلص في نهاية شهر شعبان يكون سببًا في نجاتك وقبول أعمالك.

 

2- نسارع بالأعمال الصالحة قبل انقطاع الأماني وسؤال الرجعة، وتقول: ? رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ? [المؤمنون: 99، 100].

 

3- نسارع بالأعمال الصالحة؛ لأنها تُلازمك بعد موتك عندما يتخلى عنك الأهل والمال والأحباب؛ كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أنس رضي الله عنه: (يَتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله، ويبقى عمله)[7].

 

4- نسارع بالأعمال الصالحة؛ لأنها الباقيات الصالحات التي تُثقل الميزان.

 

5- نسارع بالأعمال الصالحة قبل ظهور الفتن: (بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويُمسي كافرًا يَبيع دينه بعرضٍ من الدنيا)[8].

 

6- نسارع بالأعمال الصالحة وفعل الخيرات؛ لأنه الطريق إلى إجابة الدعاء؛ قال تعالى: ? وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ? [الأنبياء: 89، 90].

 

ثالثًا: سلامة الصدر:

شهر شعبان هو شهر مغفرة الذنوب من علام الغيوب سبحانه وتعالى، ففيه ليلة عظيمة هي ليلة النصف من شعبان التي قال النبي صلي الله علية وسلم في شأنها: (يَطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)[9].

 

فاحذر أخي الحبيب من أن تكون من المحرومين في تلك الليلة، فمن الذنوب المانعة من الحصول على بركة هذه الليلة: الشحناء والبغضاء والحقد والحسد، والشحناء هي حقد المسلم على أخيه المسلم لهوًى في نفسه، فهذه الليلة فرصة لكل مخطئ أو مقصر في حق الله ودينه ودعوته وإخوانه من المسلمين، إنها فرصة لمحو الأحقاد من القلوب تجاه المسلمين فلا مكان هنا في ليلة البراءة لمشاحن وحاقد وحسود وليكن شعارنا قوله تعالى: ? رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ? [الحشر: 10].

 

سلامة الصدور وسخاوة النفوس، أفضل ما نَستقبل به شهر رمضان، ونختم به شهر شعبان، وهذا ما أكده لنا الرسول الكريم عندما سئل: أيُّ الناس أفضل؟ قال: (كلُّ مخموم القلب صدوق اللسان قالوا: صدوق اللسان نعرِفه فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد)[10].

 

بهذه الخصال العظيمة بلغ مَن بلغَ وسيدُ القوم مَن يعفو ويصفح، ويتوب إلى الله سبحانه لإدراك ما فات، وبدء صفحة جديدة مع الله سبحانه، قبل قدوم شهر رمضان وقبل أن تُرفَعَ الأعمال.




[1] رواه النسائي وأحمد.

[2] متفق عليه.

[3] رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد.

[4] رواه مسلم.

[5] رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه.

[6] رواه أحمد والطبراني في الكبير.

[7] متفق عليه.

[8] رواه مسلم.

[9] صححه الألباني.

[10] رواه ابن ماجه وصححه الألباني.


"
شارك المقالة:
30 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook