قبيلة طَسْم بالرياض في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
قبيلة طَسْم بالرياض في المملكة العربية السعودية

قبيلة طَسْم بالرياض في المملكة العربية السعودية.

 
على الرغم من عدم اتفاق المؤرخين على تحديد زمن معين لهذه القبيلة، إلا أنهم يتفقون على أنها وقبيلة جَديس، أقدم قبيلتين سكنتا فيما يعرف حاليًا بمنطقة الرياض. فالنسابة يعدونهما من القبائل البائدة  ،  في حين - وهو أمر مستغرب - يعد بعضهم نهاية قبيلة طَسْم في القرن الخامس الميلادي  ،  لكن الدراسات الآثارية التي غطت العصرين الحجري والتاريخي، خصوصًا في موقعي الفاو، والخرج  ،  بالإضافة إلى الغنى الحضاري الواضح للمنطقة إبان فترة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام الذي يؤكده طلب الصحابي ثمامة بن أثال سيد بني حنيفة بعد لقائه الرسول صلى الله عليه وسلم بمقاطعة الحجاز زراعيًا واقتصاديًا، لتؤكد استمرار الاستيطان البشري في منطقة الرياض، ما يجعل من الضروري إعادة النظر في الدراسات التاريخية لهذه المنطقة في أثناء هذه الحقبة التاريخية.
 
إن الغموض الذي يكتنف تاريخ هاتين القبيلتين اللتين أدَّتا دورًا واضحًا في البناء التاريخي والحضاري للمنطقة، لا يمكن تجاوزه إلا بتكاتف المؤرخين والآثاريين عن طريق إجراء دراسات علمية دقيقة لما ستكشفه لنا الحفريات والتنقيبات التي يؤمل أن تتبناها الجهات ذات العلاقة بالعلوم التاريخية والآثارية، فمن دون الكشف عما في باطن هذه الأرض سيظل تاريخها غامضًا، بل - كما رأى بعض الإخباريين والمستشرقين - أن تاريخها أقرب إلى القصص والروايات الشعبية. وتنتسب هذه القبيلة إلى طَسْم بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام  ،  وقال بعضهم إنه طَسْم بن كاثر بن إرم بن سام بن نوح  .  لكن كيف كان وصول طَسْم حفيد سام بن نوح؟ فيقال إنه رافق والده نوحًا عليه السلام أثناء الطوفان، إلى أرض اليمامة متخذًا ورفاقه من جزئها الشمالي مقرًا ومستوطنًا لهم  ،  وبالتحديد وادي الوُتْر (وادي البطحاء)، والعرض (وادي حنيفة)، وبمعنى آخر أنهم كانوا يقطنون مدينة الرياض الحالية  .  نقول: إن كيفية وصوله إلى اليمامة لم تكن مما اهتم به الإخباريون، عدا الإشارة إلى أن طَسْم قد ترك بابل مثله مثل أخويه عمليق وجَديس، وأنه قد دخل فارس فقيل إن جميع أجناس فارس، من ولده  ،  والمقولة الأخيرة من المبالغات التي اعتاد الإخباريون ذكرها عند حديثهم عن الأمم الموغلة في القدم، ولا يعرفون عنها شيئًا كثيرًا، لكن بعضهم بعد أن ربط بين طَسْم القبيلة، والقبيلة الواردة بصيغة (لطوشيم) في العهد القديم، بالإضافة إلى إشارة التوراة بأن طَسْم هو من نسل دادان بن يقطان  ،  عدّ موطنها هو دادان، (العلا حاليًا)، وأنها نـزحت إلى اليمامة لتحافظ على الاستقرار الأمني لمملكة دادان في المنطقة عن طريق إشرافها وحمايتها المباشرة لطرق التجارة التي كانت تمر بالمنطقة متجهةً شمالاً وغربًا، وهي ذات أهمية قصوى بالنسبة إلى مملكة دادان  .  وهذا القول يحتاج أيضًا إلى إثباتات أكثر، إذ إن الربط بين العلمين طَسْم العربي ولطوشيم - لقوشيم العبري، لم يكن موفقًا لاختلاف الجذر، فالأول جاء من الجذر الثلاثي (ط س م)، في حين جاء الثاني من الجذر (ل ط ش - ل ط س)، ولذلك لا توجد أي علاقة بينهما. الأمر الثاني أن افتراض الانفلات الأمني وعدم الاستقرار السياسي في المنطقة خلال القرنين السادس والخامس قبل الميلاد، لا تدعمه الأدلة الآثارية في المنطقة، فالقنوات المائية الضخمة في مدينة الخرج   التي تعود إلى الفترة نفسها تدل على مستوى معين من الاستقرار السياسي والأمني، مما ينفي الحاجة إلى إرسال مجموعة بشرية للحفاظ على الأمن في المنطقة. وهكذا سيظل السؤال مطروحًا حتى تكشف أدلة علمية دقيقة. وعليه، فإن قبيلة (طَسْم) من سكان المنطقة دون الدخول في افتراضات ينقصها الدليل العلمي التاريخي أو الآثاري.
 
ويظهر أن اشتقاق هذا جاء من الجذر (ط س م)، وطَسَمَ الشيء والطريق، وطَسَمَ يَطْسِمُ طُسُومًا أي دَرَسَ، أو أن اشتقاقه من الطَّسَم وهو (الظلام)  .  لذا فهو قد يعني (الماحي، الطاسم)، أو (الظلام، السواد)، والمقصود التخويف. وورد هذا العلم بصيغتي (ط س م)، و (ط س م ن) في النقوش الصفوية  .  فقد ظهر بصيغته الأولى في نص يوناني اكتشف في موقع صَلْخد بالعراق يعود إلى القرن الرابع الميلادي 322م جاء فيه انعم طسم 
 
ولأن طَسْمًا إحدى القوى السياسية في المنطقة، فإنه من الطبيعي التطرق إلى دورها السياسي وتأثيره محليًا (داخل المنطقة) وإقليميًا (خارجها)، لكن ومع الإقرار بالوجود السياسي لهذه القبيلة إلا أنه لا يوجد إلا تاريخ سياسي مضطرب ليس كافيًا لمعرفة دور هذه القبيلة السياسي والحضاري. فقد أدت الروايات التاريخية العربية التي دونت في زمن متأخر، دورًا في إضفاء سمة الطابع الأسطوري عليها، وبما أن الإخباريين عدّوا عمليق (عملوق) ملكًا  ،  فالمرجح أنها كانت تتبع النظام الملكي المعروف - آنذاك - في الأقاليم الأخرى من شبه الجزيرة العربية، وأن نفوذها شمل بالإضافة إلى وسط الجزيرة العربية، البحرين  ،  وأنها قد خضعت للنفوذ الحميري. وبالنسبة إلى دورها الحضاري فلا شك في وجوده، لأن البيئة التي سكنتها وسيطرت عليها كانت بيئة زراعية خصبة تساعد على الاستقرار والتحضر، وما المواقع الآثارية التي شملت منشآت معمارية ومعثورات مختلفة، لا يُعرف حتى الآن لمن تعود، إلا دليل على هذا الدور الحضاري. ولعل من أبرز ما ذكرته روايات الإخباريين من مخلفاتهم المعمارية - على الرغم من البعد الزمني الكبير بينهما - حصني القُريّة (سدوس)، ومُعْتَق  ،  فالأول حصن مبني من حجر واحد، نسبه بعضهم - وهو غير صحيح - إلى سليمان بن داوود عليهما السلام، وعدّوه من بناء الجن لأنه عمل تعجز عنه قدرة البشر  .  أما الثاني، فهو الحصن الذي تحصن فيه عُبيد بن ثعلبة الحنفي عندما استولى على اليمامة (بلاد طَسْم) بعد هلاكها. وأخيرًا يظهر أن مدينة الخضراء كانت قاعدة، (عاصمة) طَسْم، وقد كان بها قصور عالية وحصون فارهة 
 
ومن الناحية الدينية، تذكر الروايات الإخبارية أن لطسم صنمًا سمي (كثرى)، ولعله الصنم الذي أدرك الإسلام، ومن ثَمَّ حطمه نهشل بن الربسي بن عرعرة  .  وإنّ (ك ث ر)، (و ك ث ر ت) هما علمان لشخصين وردا في النقوش الصفوية  ، والثمودية  .  ونرى أنهما من المعنيين التاليين وهما رجل كَوْثر أي (كثير العطاء والخير)، (السيد كثير الخير)، وطلب الكثرة من المال، والمعنى الثاني أن الكَثْرَ هو طلع النخل  ،  لأن الوظيفة الأساسية لهذا الصنم (كثرى) هي الخير والعطاء والزراعة، فيبدو أنه إله للزراعة عندهم.
 
واختلف المؤرخون والإخباريون في النهاية السياسية لهذه القبيلة، والواقع أنه في ضوء المعلومات التاريخية المستقاة من المصادر الإخبارية، ومن دون القيام بحفريات آثارية منظمة، فستظل محاولة معرفة نهاية هذه القبيلة غير ممكنة، فبعضهم يعتقد استنادًا إلى الأحداث التي جرت في أثناء فترة الملك الحميري حسان بن تُبَّع أن نهايتها كانت في القرن الخامس الميلادي  وآخرون يعيدون نهايتها إلى أكثر من ألف سنة من هذا التاريخ، وهو القرن الخامس قبل الميلاد  .  وفق هذه المعلومات الغامضة نسبيًا، يمكن القول إن نهاية هذه المملكة كانت نتيجة لما اشتهر به آخر ملوكها المدعو عمليق (عملوق) من بطش وبغي وظلم  وقد ظهر هذا البغي واضحًا في تنكيله برعاياه من قبيلة جديس  
 
واستمرت هذه الحال حتى شقت فتاة يقال لها عفيرة أو الشموس بنت غفار الجديسي، عصا الطاعة على هذا الأسلوب المشين الذي تعامل به هذا الملك مع غيرها من نساء قبيلة جديس، بأن - كما يقال - تعمدت الخروج على قومها شاقة جيبها من قُبلها ودُبرها، وذلك لاستثارتهم واستنهاض مشاعرهم وهِمَمهم  .  ويظهر أن لفعلها هذا الذي أرفقته بإنشاد أبيات توبخ بها قومها على خنوعهم واستسلامهم، وقعًا قويًا، فقد هاجت النخوة في رؤوسهم، ودفعت سيدهم المطاع الأسود بن غفار - وهو أخوها - إلى تبنيه الرأي القائل بالوقوف في وجه هذا الملك الطاغية عمليق (عملوق)، لكن الهيمنة الواضحة لطَسْم على جديس من حيث إنهم أكثر عدة وعددًا جعلت الأسود بن غفار يأخذ طريق الحيلة والخديعة. وتتلخص هذه الحيلة بدعوته عمليق (عملوق) يرافقه أشراف قومه إلى وليمة، وبالفعل حضروا جميعهم متخلين عن أسلحتهم. وعندما بدأ القوم في الطعام قام الجديسيون باستخراج سيوفهم التي خبؤوها في الرمال  ،  فقتلوهم عن بكرة أبيهم، وأتبعوا هذه المجزرة بمهاجمتهم طَسْمًا في ديارهم، فعاثوا فيهم قتلاً وسبيًا للنساء والأطفال ونهبًا للديار. وتكمل الرواية التي يصعب أخذها من دون تمحيص وتدقيق، إلى القول إنه لم ينجُ من هذه المجزرة الكبيرة سوى رجلٍ طسمي واحد هو رباح بن مرة الطسمي  .  وهكذا تحقق المثل المتداول: (بوار طَسْم بيدي جَديس)  ولا نعلم بعد هذه الواقعة - إن صحت - هل قامت لهذه القبيلة قائمة أخرى بعد ذلك أم لا
 
شارك المقالة:
91 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook