قرية (الفاو) بالرياض في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
قرية (الفاو) بالرياض في المملكة العربية السعودية

قرية (الفاو) بالرياض في المملكة العربية السعودية.

 
تقع قرية (الفاو) إلى الجنوب الشرقي من مدينة الرياض، وتبعد عنها 700كم، كما تبعد عن مدينة الخماسين قاعدة محافظة وادي الدواسر بما يقارب 120كم إلى الجنوب منها  .  وتقع على بُعد 60كم عن مدينة السليل، أما المستوطنة فتقع على بُعد 2كم من الجهة الغربية لجبل طويق المحاذي للمستوطنة من ناحية الشرق 
 
وقرية (الفاو) مدينة صحراوية صرفة، تقع في مقطع من الأراضي يحده جبل طويق من جهة، والرمال من الجهة الأخرى؛ وبهذا لا يمكن عَدّه حتى من بين مواقع الواحات؛ وعليه، فهو موقع ربما أنه نما بسبب اتخاذه نقطة سيطرة على جهات أخرى، ونقطة تحكم في مسالك التجارة العابرة من الجنوب نحو الشمال ومن الشمال نحو الجنوب؛ فسكانه أمّنوا الحماية للقوافل وما تحمله من بضائع مقابل أن تمر القوافل بمدينتهم وتتجاوز وتدفع قيمة الحماية. وربما كانت المواد التي عثر عليها في قرية (الفاو) خير دليل على كون المستوطنة منطقة التقاء قوافل من عدة جهات؛ فقد وجدت تأثيرات يونانية، كما وجدت تأثيرات نبطية، بل وجدت مواد مصرية الأصل 
 
وبسبب موقعه الإستراتيجي يُعَدُّ موقع قرية (الفاو) أحد المواقع المهمة في المملكة العربية السعودية؛ إذ يُعَدُّ نقطة التحكم في الخط التجاري الخارج من نجران إلى وسط الجزيرة العربية ثم إلى شمالها، فضلاً عن حجمه الكبير الذي يتجاوز بضعة كيلومترات مربعة، وتنوع مكوناته الحضارية وتكاملها؛ إذ عثر فيه على المنطقة السكنية  والسوق  والمقابر والمعابد والآبار وكمية ضخمة من المادة الآثارية المنقولة.
 
ويُظن أن موقع قرية (الفاو) قد ذكر في النصوص العربية القديمة السابقة لظهور الإسلام التي سمته قرية (ذات كهل)، ولمّحت إلى أنه كان عاصمة لمملكة كندة التي كانت هدفًا لغزوات ملوك جنوب الجزيرة العربية إبان عصر الدولة الحميرية، وتحديدًا خلال الفترة الواقعة بين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الخامس الميلادي، وهو زمن تلك النقوش 
ولم يرد ذكر لهذا الموقع في المصادر اليونانية والرومانية والبيزنطية، كما أن ذكره في المصادر الإسلامية قليل، ويقتصر على إشارة جاءت عند الهمداني الذي وصفه بأنه ماء عادي اسمه (قرية) إلى جنب آبار عادية وكنيسة في الصخر  .  وتوجد إشارة أخرى عند الأندلسي الذي ذكر أن (قرية) موضع يقع بين عقيق بني عقيل واليمن  .  وربما كان سبب عدم ذكرها في معظم المصادر الإسلامية هو تركها من قِبل ساكنيها وضمور استيطانها، حتى أصبحت قرية صغيرة تزود المارة والبادية بالماء.
 
وفي أوائل القرن العشرين، وتحديدًا خلال منتصف خمسينيات القرن، لفتت الآثار البارزة في مستوطنة الفاو انتباه عمال وجيولوجيي شركة أرامكو التي كانت تجري مسوحات جيولوجية في تلك النواحي، فذكروها للمهتمين من زملائهم ومعارفهم. ولم يتمكن الرحالة الغربيون من الوصول إليها إلا في شهر فبراير من عام 1367هـ / 1948م عندما جاء إليها الرحالة هاري سنت جون فيلبي، ووصفها وصفًا جميلاً ومفيدًا تعرض فيه إلى الحصن الذي أصبح بعد التنقيب، سوق المستوطنة، والأحياء السكنية والمقابر والأبراج التي تعلو المقابر، وكِسر الأواني الفخارية والنقوش التي شاهدها على واجهات صخور جبل طويق المطلة على المستوطنة من ناحية الشرق، كما وصف المدينة وبعض القبور 
 
لقد شجعت زيارة فيلبي وما أسفرت عنه من نتائج تمثلت في نقوش ورسوم صخرية تشجع الباحث البلجيكي كونـزاك ركمان على طلب إذن لزيارة مستوطنة قرية (الفاو)، وبعد أن حصل عليه جاء يصحبه كل من فيلبي وفيليب ليبنـز وجاك ركمانـز عام 1370هـ / 1951م إلى جدة، ثم انتقلوا برًا إلى قرية (الفاو)، فنجران، ثم برًا إلى الدوادمي، ووادي مأسل، ثم جدة، فإلى أوروبا. وقد تمكنت هذه البعثة من نسخ عدد من النقوش من مستوطنة الفاو قام بنشرها الباحث البلجيكي كونـزاك ركمانـز 
 
ويذكر أنهم بلغوا قرية (الفاو) بعد عبورهم سلسلة جبلية تكونها صخور رسوبية على شكل نتوء بارز شبهها بظهر الشبوط، وأنهم بعد عبورهم السلسلة شاهدوا جرف طويق الملون حيث وقفوا على قرية (الفاو). ووصف الموقع بأنه بئر مهمة   هي الأخيرة بعد ترك نجران وقبل الربع الخالي، ويذكر أنهم أقاموا مخيمهم في أول حقل الأنقاض؛ أي الموقع الآثاري  ،  ووصف آثار قرية (الفاو) بأنها أنقاض، وأن أبسط حفر سوف يكشف عن رؤوس جدران مساكن. وذكروا أنهم وجدوا في المستوطنة خمسين نقشًا، وآلافًا من كِسر الأواني الفخارية، وتمكنوا من أن يجمعوا عددًا من الكسر الفخارية، ورأس ثور، وقطعتين من شواهد القبور، ومجمرة، كما ذكروا أنهم وجدوا الأبراج القائمة على بعض المقابر والتل الكبير الذي أصبح يعرف بسوق القرية بعد تنقيبه، وقنوات مياه  .  وقد وصفوا المذنبات ذوات الرؤوس المثلثة، وجمعوا بعض النقوش من على واجهات جبل طويق القريبة من المستوطنة 
 
وقد دفعت نتائج هذه البعثة (ألبرت جام Albert Jamme) إلى القيام برحلة عام 1389هـ / 1969م بدعم من قسم الآثار والمتاحف بوزارة التربية والتعليم (وزارة المعارف سابقًا)، استطاع خلالها أن ينسخ عددًا كبيرًا من النقوش من على واجهات الجبال المطلة على الموقع من ناحية الشرق، وأن ينشرها في موسوعة من عدة أجزاء 
 
وبعد أن أنشئت جمعية التاريخ والآثار عام 1387هـ / 1967م في جامعة الملك سعود (كلية الآداب / قسم التاريخ)، بدأ الاهتمام بهذا الموقع من قِبل منسوبي تلك الجمعية، ذلك الاهتمام الذي توج برحلة استطلاعية قام بها بعض منسوبيها عام 1391هـ / 1971م إلى الموقع والاطلاع عليه ميدانيًا وتحديد المنطقة الآثارية. وفي عام 1392هـ / 1972م بدأت أعمال التنقيب في الموقع لثلاثة مواسم. وبعد إنشاء قسم الآثار والمتاحف في الجامعة ذاتها عام 1398هـ / 1978م انتقل النشاط الميداني في موقع قرية (الفاو) إليه  ،  واستمر ذلك النشاط حتى عام 1424هـ / 2003م عندما بدئ في أعمال التنقيب بموقع الخريبة في العلا وتوقف العمل الميداني في مستوطنة قرية (الفاو).
 
وخلال هذه المدة الطويلة الممتدة من عام 1398 - 1424هـ / 1978 - 2003م؛ أي ما يقارب خمسة وعشرين موسمًا، تراكمت مادة آثارية ضخمة، وتتكون المادة المكتشفة في الموقع من مادة آثارية ثابتة وأخرى منقولة.
 
تتكون المادة الآثارية الثابتة من الأحياء السكنية التي كُشف عن جزء كبير منها خلال المدة الزمنية المذكورة. ومن على سطح الموقع كانت تظهر رؤوس الجدران في مواضع وتختفي في مواضع أخرى، وفي بعض المواضع تظهر جدران مشيدة بمادة الحجر الجيري قِيل إنها تنتمي إلى فترة من العصر الإسلامي ظُن أنها الفترة القرمطية التي تمثل - دون تأكيد قاطع - آخر فترة استيطان في الموقع  .  أما المنازل التي تعود إلى فترات ما قبل الإسلام فتتمثل في رؤوس الجدران التي تظهر على سطح الموقع وأحيانًا تختفي، وهي التي تم الكشف عن جزء كبير منها. تظهر الحجارة الجيرية والرملية مستخدمة في أساسات الجدران وأجزائها السفلية التي تعلو الأساسات لمدماك أو اثنين غالبًا، وفي الأركان بخاصة إن احتاج المنـزل إلى ترميم. أما مادة البناء الرئيسة المستخدمة فهي مادة الطوب الطيني المجفف تحت أشعة الشمس، الذي يظهر بحجمين هما: الحجم المستطيل، والحجم المربع. وقد استخدمت المونة الطينية في ربط مادة العمارة الحجرية والطوبية الطينية، كما استخدم الجص الأبيض في تمليط الجدران والأرضيات في بعض الأحيان، مع العلم بأن هناك منازل تظهر غير مملطة بتلك المادة. ويأتي ظهور مثل هذه المنازل مرتبطًا بالوضع الاقتصادي لصاحب المنـزل. أما بالنسبة إلى الأسقف، فيظهر أنها كانت تقوم على عوارض خشبية كان الأثل أحد مصادرها، وعليه توضع أعواد الأشجار مثل عسبان النخل ثم يغطى الكل بمادة الطين.
 
وأما عن التخطيط، فعادة ما يتخذ المنـزل شكل المستطيل أو المربع، ويزود بمدخل رئيس يفضي إلى ساحة تفتح عليها الغرف السكنية والمطبخ، وهي ذات أبواب يقارب حجمها حجم الباب العادي في الوقت الحاضر. ويبدو أن الأبواب كانت تصنع من مادة الخشب، وتزود أحيانًا بعتبات، وقد يكون هناك أكثر من عتبة بالنسبة إلى الباب الرئيس الذي يفتح إلى الشارع. ويوجد في بعض غرف المنازل مشكاوات ربما استخدمت لوضع تماثيل أو مسارج، ولكل منـزل دورة مياه، وقد تكون في الطابق الثاني، إن كان المنـزل مكونًا من طابقين 
 
واكتشف في المستوطنة مبنى مستطيل مسور بثلاثة جدران متوالية: الأوسط منها مشيد بالحجر الجيري أما الداخلي والخارجي فمشيدان بمادة اللبن الطيني، وتبلغ أبعاد هذا المبنى الذي فسر على أنه سوق المستوطنة 30.75×25.20م، وله مدخل واحد صغير يفتح ناحية الغرب، ويوجد في جدران السور سبعة أبراج، منها الركنية ذات الشكل المستطيل، أما تلك التي تبدو وسط الجدران فتظهر بشكل مربع، وتستند إلى جدران السور الداخلية الدكاكين التي تتكون من طابقين كلٌّ منهما يتكون من جزء أمامي وآخر خلفي. أما بالنسبة إلى الجزء الأمامي من الطابق السفلي فيستخدم دكانًا لعرض السلع وبيعها، وأما الجزء الخلفي من الطابق ذاته فربما استخدم مخزنًا للبضائع. وبالنسبة إلى الطابق العلوي فيظن أنه كان يستخدم لسكن صاحب المحل أو ربما العاملين فيه. وعلى سطح الطابق الثاني توجد بقايا لغرف صغيرة يُرى أنها كانت مراحيض يستخدمها أصحاب الدكاكين. وقد استخدمت في سقف الدكاكين مادة الخشب بصفتها عوارض ثم غطِّيت بأغصان الأشجار ووضع عليها الطين. وتكثر المشكاوات في جدران الدكاكين وبخاصة المستندة إلى السور. ويوجد على جدران بعض الدكاكين رسوم جدارية استخدم اللونان الأحمر والأسود في تلوينها، ويبدو أن المونة الجصية قد استخدمت في تمليط الجدران الداخلية للدكاكين، وأحيانًا الجدران الخارجية. وفي منتصف الجزء الشرقي للسور توجد بئر ذات قطر واسع مطوية بالحجارة المقطوعة جيدًا، ويصل عمق ما حفر منها إلى أكثر من 30م. وعلى حافة البئر الغربية يوجد حوض ماء تنطلق منه قناة مائية من الحجر المنحوت والمنضود، تجاه الباب ثم تستمر مندفعة إلى الخارج. وخارج جدار السور الشرقي يوجد برج له قاعدة مربعة يُظن أن له صلة بالسوق 
 
وهناك عدد من المعابد عُثر عليها في المستوطنة  ، منها معبد يقع إلى الجنوب الغربي من السوق، وإلى الشمال الشرقي من المدينة السكنية. وقد تهدمت معظم أجزائه، وبقي منه ما يدل على وجود مصطبتين شرقية وغربية، فيما بني ما تبقى منه بحجارة جيرية ورملية، ويصعد إلى كل واحدة منهما بدرج ذي ثلاث عتبات، كما يبدو أن للمكان ممرات معمدة، حيث عثر على قواعد لأعمدة ربما أنها كانت تحمل أروقة. ووجد في هذا المعبد الكثير من التماثيل، كما أن هناك بلاطات في الساحة الخارجية تدل على أنها كانت مبلطة بقطع حجارة، وعثر على نص عند مدخل المعبد يشير إلى بنائه 
 
وفي داخل المستوطنة وجدت بقايا معبد جميل مبني بالحجر المقطوع قطعًا ممتازًا، وبقربه عُثر على بئر يظن أنها كانت تستخدم في الأغراض ذات الصلة بالمعبد وشعائره. ووجد في المعبد عدد من اللوحات البرونـزية التي تحمل نقوشًا بالخط المسند، والمنحوتة بالنحت النافر، والمنسقة تنسيقًا جيدًا، كما عثر على قطع حجرية مشغولة ومشذبة وعليها نحتت نقوشٌ اعتني بنحتها.
 
وحول المستوطنة وجد الكثير من المقابر بأنواع مختلفة  ؛ هناك المقابر المنحوتة في باطن الأرض التي اعتمدت على صلابة التربة، وزودت بمدخل ساقط، يُكونه عدد من الدرجات الحجرية. ويتكون الجزء الداخلي للمقبرة من غرفة أو أكثر، وفي كل غرفة يحفر للميت أو الموتى تحت أرضية الغرفة، ويتم الدفن بتابوت أو من دونه. ويتكون الجزء العلوي الخارجي من المقبرة من سياج حجري مكون من مدماك واحد دائري الشكل أو مستطيله، ويتوسطه أحيانًا، وأحيانًا أخرى يظهر بالقرب من مسقط المقبرة النازل برج قاعدته من الطين المرصوص بشكل مربع أو مستطيل أو دائري، ثم يأخذ شكلاً مخروطيًا حتى نهاية ارتفاعه. وإلى جانب هذا النمط هناك نمط آخر منحوت في باطن الأرض، وهو مبني بمادة حجرية مقطوعة جيدًا ومزود بممرات تفتح عليها غرف الدفن. ويتكون الجزء العلوي لهذا النوع من سياج دائري أو مربع مبني بحجارة جيدة القطع. وهناك موضع يحتوي على أنواع متواضعة من المقابر يُظن أنها مقابر عامة الناس، وتقع إلى الشمال الشرقي من المستوطنة على حافة الوادي الغربية، وهي حفرة يراوح عمقها بين متر وخمسة أمتار، نقب بعضها ووجدت فيها معثورات من أوانٍ فخارية
وتتنوع المقابر في درجة إتقانها، فمنها المتقن، ومنها المتوسط، ومنها الرديء، كما أنها تنقسم إلى مقابر لعامة الناس، ومقابر للنبلاء، ومقابر للملوك 
 
ومن المعثورات الشائعة في قرية (الفاو) النقوش التي تظهر بالخط المسند الجنوبي  ، وإلى جانب هذه النقوش توجد نصوص بخط المسند الشمالي والنبطي والآرامي، كما عثر على نقوش مكتوبة على العظام، وجدران المنازل، والأحجار، واللوحات البرونـزية، وواجهات المعابد، والأواني الفخارية، والتماثيل، والمجامر، والعملة. وتحتوي النقوش على موضوعات متنوعة، منها الشخصية ومنها الدينية ومنها التأسيسية والتذكارية والخاصة بالمناسبات، ووردت فيها أسماء أعلام، وأسماء قبائل، وأسماء أصنام وعلاقات تجارية 
ومن الآثار الموجودة في مستوطنة قرية (الفاو) الرسوم الفنية التي تتمثل في لوحات جدارية  متنوعة رسمها الفنان على جدران المنازل والدكاكين بأحجام متنوعة، واستخدم فيها ألوانًا مختلفة تشمل الأصفر والأحمر والبني والأسود والأبيض، وإن كان اللونان الأسود والأحمر هما الأكثر شيوعًا. وتتنوع المناظر المرسومة بين النباتات، وصور الإنسان، والحيوانات، ومناظر الرقص 
 
كما أن هناك فنونًا للإنسان تتجلى في لوحاته المحزوزة على واجهات الجبال  ، وبخاصة تلك التي تحتوي على عناصر حيوانية ونباتية وآدمية راقصة، ومناظر فرسان وهوادج، وغيرها من مكونات فنية أجاد فنان تلك المستوطنة حزها على واجهات صخور جبال طويق القريبة من المستوطنة  .  وتتوافر من الموقع مادة آثارية منقولة متنوعة تشتمل على: الأواني الفخارية، والأواني والأدوات الحجرية  ، والأواني الزجاجية، والمجامر الحجرية والفخارية، والمذابح، وقطع العملة، والتماثيل، والمصنوعات الخشبية والعظمية والعاجية، والمنسوجات، والحلي.
 
أما بالنسبة إلى الأواني الفخارية، فقد جاءت مجموعة كبيرة منها من قرية (الفاو) اشتملت على الأواني العادية والأواني المزججة، وهي من أصناف متباينة في مادة الصناعة وأشكال الأواني ووسائل زخرفتها وعناصرها. ومن تلك الأصناف ما يظهر عليه زخرفة محزوزة أو ممشوطة أو منقطة بآلة حادة شبيهة بالمسمار أو على شكل أنصاف أهلّة، كما تشتمل الأواني على جرار كبيرة الحجم استخدمت للتخزين وحفظ الماء، وهناك قدور للطبخ وطاسات للشرب وكاسات، ومن كل نوع توجد عدة أصناف. وتظهر في المجموعة نسبة قليلة تبدو عليها عناصر زخرفية استخدمت الألوان في إنجازها من خلال عناصر هندسية. أما المجموعة الثانية فهي مجموعة الأواني المزججة التي تظهر بأصناف متنوعة، فمنها الجرار متوسطة الحجم، والجرار الصغيرة والأسطوانية والدائرية والمطّارات والقوارير والكاسات والأقداح الصغيرة. وغالبية الأواني المزججة يكون تزجيجها باللون الأخضر الغامق أو الفاتح والأزرق الغامق. وجاء تصنيف مجموعة الأواني الفخارية من قرية (الفاو) عند البعض على أنها تتكون من فخار خشن ورقيق ومزجج  
أما الأواني الحجرية التي وجدت في قرية (الفاو) فهي متنوعة، من بينها مجموعة مصنوعة من الحجر الصابوني، وهي قدور وصحون وطاسات ومجامر وأدوات زينة، وقد زخرفت بالحز. وهناك أوانٍ مصنوعة من المرمر والحجر الجيري والأوبسيديان والكوارتز والبلور الصخري والبازلت والجرانيت. ومن المشغولات الحجرية هناك تماثيل آدمية وحيوانية ومهارس كبيرة وصغيرة الحجم، ومنها المجامر، وأصناف من الأواني مثل: الصحون، والقدور؛ ورحي حجرية
ووجدت في قرية (الفاو) مجموعة من الأواني الزجاجية وكِسر لأوانٍ زجاجية مختلفة. واشتمل ما وجد على نوع معتم مصنوع من العجينة الزجاجية، ونوع شفاف مصنوع بطريقة النفخ الحر. ويظهر الزجاج في ألوان اشتملت على الأخضر الفاتح والعسلي والبنفسجي، كما اشتملت الصناعات الزجاجية على الأساور التي صنعت من عجينة الزجاج، وطُعّم البعض منها بألوان الأبيض، والأخضر، والأحمر. وتظهر على المشغولات الزجاجية زخارف بعضها بالألوان الأسود، والأحمر، والأبيض، والأصفر
وعثر في قرية (الفاو) على كمية كبيرة من المجامر المصنوعة من الحجر الصابوني والصلصال والحجر الرملي، ويسود في مجامر قرية (الفاو) الشكل المربع، كما أن بعض المجامر يقوم على أربع أرجل، ووجدت على بعضها بقايا مادة الدخون، وزخرفت مجامر قرية (الفاو) بزخارف هندسية محزوزة أو محفورة على جوانب المجمرة أو على جانب واحد، وقد تحمل المجمرة حروفًا بالخط المسند أو علامات
 
أما المذابح فهي متنوعة ومصنوعة من مادة الحجر الرملي، وتظهر بأحجام متنوعة، منها الحجم الكبير، ومنها المتوسط، ومنها الصغير، ومنها ما يظهر بأكثر من مذبح وقد ترابطت فيما بينها، منها: ثلاثة مذابح منحوتة من صخرة واحدة ومترابطة. وتقوم بعض المذابح على أربع أرجل، وبعضها يقوم على قاعدة مسطحة مباشرة، ويُظهر البعض منها ما يشبه الدرج على جانبين من جوانب النهاية العليا لحوض المذبح، وكذلك تظهر زخارف مختلفة الأنواع على تلك المذابح وبعض الكتابات والأحرف والرموز الدينية مثل الهلال 
ووجدت في المستوطنة كذلك أنواع من العملة، منها الفضية، والبرونـزية  . وتشكل الفضة النسبة الغالبة منها. ويبدو أن معظم ما وجد ضُرب في مستوطنة قرية (الفاو)، وعلى وجه منها اسم (كهل)، وعلى الوجه الآخر شخص واقف أو جالس تحيط به أحرف كتبت بخط المسند 
 
وعثر أيضًا على مجموعة كبيرة من التماثيل التي تجسد أشخاصًا وحيوانات أليفة. وقد صنعت هذه التماثيل من المعادن مثل: النحاس، والبرونـز، ومن الحجارة مثل: حجر الرخام، والحجر الرملي، والحجر الصابوني، والحجر الجيري، وحجر المرمر. وتشتمل التماثيل الآدمية المعدنية على أشخاص ذوي ملامح رياضية، وطفل مجنح، وتماثيل لنساء، ولأشخاص وهم في حالة خشوع. أما الحيوانات فشملت: الدولفين  ، والجمل، والناقة، والحصان، والأسود، والوعول، وأما التماثيل الحجرية فهي لرجال ونساء، ولحيوانات مثل: فرس النهر، والخيل. وتشمل التماثيل الطينية عددًا من الدمى بالإضافة إلى تماثيل من الفخار المزجج تعبّر عن وجوه لأشخاص 
ومما وجد مجموعة من المصنوعات الخشبية المتنوعة التي تشمل أجزاء من توابيت، وحاويات لمواد عطرية، ورؤوس سهام، وأمشاطًا  . وفيما يخص المادة العظمية والعاجية فقد استخدمها ساكن قرية (الفاو)؛ إذ صنع منها أساور وخواتم وأقراطًا وأعلاقًا (دلايات) وخرزًا وأدوات زينة وحليًا، كما استعملت في تزيين المقاعد وفي عمل مقابض السيوف  ، أما العظام فقد استخدمت، وبخاصة عظام الجمال، في الكتابة عليها باللونين الأسود والأحمر بالخط المسند، وعثر على أقراص من العاج استعملت مغازل، أكثرها مسطح من جانب ومحدب من الجانب الآخر يتوسطها ثقب نافذ 
 
وعثر على عدد قليل من بقايا المنسوجات؛ إذ إنها مادة سريعة التلف، ويظهر بعض ما وجد ملونًا باللونين الأسود والأحمر، وتظهر الرسوم الآدمية عليها جلاليب وأردية، وصُنعت غالبية القطع التي عثر على بقاياها في قرية (الفاو) من الكتان، وصوف الأغنام، ووبر الجمال، كما وجدت أنسجة تغطي ظهور الجمال والهوادج 
ولقد اهتم ساكن مستوطنة الفاو بالتزين والتجمّل؛ فصنع أدوات زينة، ومواد متنوعة لعل أهمها الذهب الخالص الذي عثر منه على كنـز يمثل زينة امرأة كاملة؛ ففيه القلادة، والأساور، والخواتم، والسلاسل العنقية، والمعاصم، ووجدت أساور من البرونـز، وبالإضافة إلى ذلك فقد استخدم سكان مستوطنة الفاو أنواعًا من الأحجار الكريمة لعل أكثرها شيوعًا العقيق بأنواعه وألوانه المختلفة، وكذلك المواد الزجاجية متعددة الألوان وذات اللون الواحد  
 
ويتبين من الرسوم الصخرية أن سكان قرية (الفاو) كانوا يعرفون الخيل، وعليها كانوا يقاتلون، كما استخدموا السيوف والرماح والسهام والأقواس في حروبهم إلى جانب الأدوات الحربية الأخرى.
أما الزراعة، فإلى الشمال من المدينة تقوم بقايا حقول زراعية إلى جانب آثار قنوات وسواقٍ مشيدة من الصخر. ولا شك أن وفرة الآبار حول المستوطنة تدل على أن إنسان تلك المستوطنة قد مارس الزراعة، بل ربما كانت الزراعة إحدى دعائم اقتصاده، إذ يدل ما وجد من مجارش ومطاحن حجرية  - بوفرته الملحوظة- على المتاجرة بالحبوب كالقمح وغيره مجروشًا ومطحونًا إلى جانب بيعه حبوبًا. وقد ذكر أن عدد الآبار التي عثر عليها في المستوطنة بلغ مئة وعشرين بئرًا  ،  ولا شك أن هذا العدد الضخم جدًا من الآبار كان أحد المقومات الاقتصادية للمستوطنة، وربما حفرت في وقت كانت المستوطنة خلاله في قمة ازدهارها، أو أنها كانت ممرًا لقوافل تجارية أو لجيوش تحتاج إلى كمّ كبير من الماء. ومن مزروعات مستوطنة قرية (الفاو) شجر النخيل والكروم وبعض أنواع اللبان والقمح والحبوب 
 
وإلى الجنوب من قرية (الفاو)، من المستوطنة السكنية، عثر على عدة مقابر حجرية ركامية تحت جبال طويق  ، وإلى جوارها عُثر على المدينة السكنية المعاصرة للمقابر. ونُقب في مقبرة من تلك المقابر فكشفت عن احتضانها عدة قبور وجدت فيها معثورات آثارية، من بينها ختم من أختام فترة أم النار التي تؤرخ لبداية الألف الثالث قبل الميلاد 
وتوجد على ظهر جبل طويق المطل على قرية (الفاو) من ناحية الشرق أنواع من المنشآت الحجرية، منها الرجوم والمذيلات التي تبدو على شكل خط من حجر واحد ينتهي برأس مثلث، تظهر أحيانًا فردية وأحيانًا أخرى تظهر في مجموعات متوازية  .
شارك المقالة:
127 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook