قصة أرملة شهيد

الكاتب: رامي -
قصة أرملة شهيد
أنتظرك هناك ، على محطة القطار الممتلئة بالزوار ، كل وفي لوجهته وفي توقيته إلا أنت ، وجهتك أنا ، لكن بوصلتك أهملتها ، توقيتك انتظاري ، لكن ساعتك تائهة عنه ، حفظت الوجوه النادرة والمغادرة ، وحفظتني !

الانتظار :
وقعت معي نظرة شفقة ومواساة ، أملأ بها جرة انتظاري التي اغتنت ، أمل قدومك زادي وعتادي ، أمنى بهما صبري كل صباح ، وابتسم لأشعة الشمس ، لكي ترسم على خدي قبلة بشائر إطلاق سراح غيابك .

ذاكرتي وذكرياتي :
أعرف أنك قادم ، أعرف أن سنواتي التي أنفقتها أملاً في عودتك ، لن تضيع سدى ، كل أشيائك معلبة بلا تلف في ذاكرتي ، رائحتك معتقة في قبو شوقي إليك ، لن تفتر رائحتها ، مهما تقادم عليها العمر ، رسائلك كلها محفوظة في صندوق الأمانات ، كأغلى ممتلكاتي .

الموت :
لن ينجحوا في اقناعي أن الذي قدم في تابوت بني وكفن أبيض .. هو أنت !! بابتسامة خفيفة ، وشحوب أبيض ، وثقب في الجبين ، كلا! أنت غادرتني متوردًا بالحياة ، وجبينك يحمل أحلام مستقبلنا معًا ، ضاحكًا بحب ، واعدًا إياي ، أنك ستعود من الدفاع عن أرضنا من أجلي ، وعدتني أننا سننتصر ، لأننا أصحاب حق .

الشهيد :
لذلك لن يقنعوني ، أن الهاجع في قبر يحمل اسمك ، هو أنت !! أنت لم تعد بعد ،لازلت تحارب كالأبطال ، لن تترك أرضك وأنا ، سأنتظرك على أرضنا ، لأنك ستعود إليّ وإليها ، مرت السنوات ولم تعد .

كالعتمة حنيني :
مرهقة الجفن ، أقاومه لكي لا يسدل ، فتسدل معه نهاية عشقك لي ، شاحبة الذاكرة ، أستعيد صورتك بجنون ، حتى لا تضيع مني ملامحك تحت وطأة منطق التقادم ، مخدرة الجسد ، أوضب زينتي كل صباح ، كي لا تفاجئني وأنا مبعثرة من دونك ، فأصبحت أستيقظ منك كل ليلة ، لأعيش فيك صباحًا ، لا أنا قادرة على تذكر أحلامي معك ، ولا أنا قادرة على إيجاد نبض للحياة في قلبك ، كالعتمة حنيني !!

العيش بالأمل والحياة :
أتعثر بمتعلقاتك المتناثرة في ذاكرتي ، أعرف كل واحدة من رائحة غبارها ، لم أغير شيئًا ، كما تركتني تركتها ، كل مرة أراوغها بعدما تسألني عنك ، أريدها أن تحافظ على ولائها لك ، ألا تعرض نفسها في مزاد علني ، لا أريدها أن تفجع بك كفجيعتي ، أريدها أن تستعرض بهاءك بنبض ، أريدها أن تعيش بأمل ، أنها قد تتوسدك وتحتضنك يومًا ، فالعيش بالأمل والحياة ، والحياة بلا أمل موت بطيء الخطى ، لا يعرفه إلا من اختبر الحزن المقطر من جوف اليأس .

الوحشة التعيسة :
أرتدي كل يوم وحشتي التعيسة ، أشد ثوبي المطرز ببصمات لمساتك الدافئة في قلبي وجوانحي ، لا أريدها أن تغادرني كما فعلت ، لم أفتح نوافذي ، مخافة أن تهرب ابتسامتك المعلقة على الجدران ، وتغيب مثلك ، لم أنظف السرير ، مخافة من أن تفر رائحتك لبائع العطور ، فيبيعك في قارورة معتقة ، لن أشعل الأنوار ، أخاف أن تسقط سطوتك عليّ ، لم أغسل جبهتي ، لأنها مازالت تحتفظ بدفء شفتيك وأنت تغادر ، أتسكع في البيت وحدي ، مع خيوط العنكبوت التي تلفني كجثة منحطة ، ترفض أن تغادر مدفنك وتتفسخ ، أجر أذيال وعد قطعته لي : أنك لن تتركني ما حييت !

أرملة شهيد :
لا ما عاذ الله أن يخلف الحر وعده ! لن تتركني ، بل اغتالوك مني ، اقتنصوك عنوة عني ، برصاصة في الجبين ليقتلوا البريق في شفاهي ، ليتركوني أرملة شابة ، ألوك حزني وأقتات به في قلعتي المغلقة مع ذكراك .

شارك المقالة:
69 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook