المحتوى

قصة أشعب في بلاد الواق واق

الكاتب: رامي -
ضحكت الأيام لأحد البخلاء فأصبح واليًا ، وكان هذا الوالي مع بخله بغيضًا ، لا يألفه الناس ولا يحبونه ولا يطيقون معاشرته ، وفي كل ليلة كان يرسل إلى أشعب لكي يوانسه ويضاحكه ، لكن أشعب كان يهرب منه أو يختفي عند أحد الجيران ، لأنه كان يبقى مع هذا الوالي طوال الليل ، يحدثه ويضحكه دون أن يجد في ختام الليلة لقمة يشبع بها بطنه الجائع، أو درهمًا يشترى به شيئًا لأبنائه.

أمر الوالي بإحضار أشعب :
علم هذا الوالي بمرور الأيام أن أشعب يهرب من لقائه ، ويختلق الأعذار حتى لا يحضر مجلسه ، فكان يرسل إليه جنوده ويكلفهم إحضاره ، حتى لو كان في باطن الأرض أو في عنان السماء ، فكان أشعب في جهد جهيد وبلاء وبيل من جراء هذه المأساة ، التي هبطت على رأسه بسبب هذا الوالي .

أشعب والوالي :
وذات مساء أحضر الجنود أشعب إلى الوالي فقال : بلغني أنك تتهرب من لقائي ولا تحب مجلسي ، رد أشعب قائلًا : ومن من الناس يكره لقاءك يا مولاي ، إنه لقاء الروح ، أنتهز الوالي هذه الفرصة وقال: إذا كنت جادًا فقد حل موسم الحج ! وأنا أريد منك أن تسافر معي حتى أستأنس بك ، ولا تنس أن موسم الحج موسم بر وفضل !. تنحنح أشعب وأحس أنه قد تورط ، فحاول الاعتذار قائلًا: بأبي أنت وأمي ، أنا عليل ، وليس في نيتي الحج هذا الموسم .

أشعب يوافق على الخروج مع الوالي :
ثم أضاف ، وكن على ثقة أن قلوبنا معك ، تغير وجه الوالي وبدا الشر في عينيه ، وقال مهددًا: أسمع بالله لئن لم تأت معي لأودعنك الحبس حتى أرجع ، وكان الحبس بالنسبة لأشعب أفضل من صحبة الوالي البغيض ، لكنه خاف أن تتطور هذه العقوبة إلى ما هو أسوأ ، خاصة أن هذا الوالي كان مشهورًا بالرعونة والتسرع ، فوافق أشعب مضطرًا على الخروج مع هذا الوالي ، وسافر معه مكرهًا ، وطفرت من عينيه دمعة ، وقال في صوت لا يسمعه أحد: هلاك نفسي في صحبته ، وهلاك جسمي في الحبس لا حول ولا قوة إلا بالله .

أشعب والوالي في الطريق للحج :
وفي الطريق دار حوار طويل بين الوالي وأشعب ، كان أشعب يجيب على مضض ، بينما الوالي يسترسل في أسئلته دون انقطاع ، سأل الوالي أشعب : كيف ترى أهل هذا الزمان يا أشعب ؟ وفي خبث ودهاء رد أشعب : والله إن أمرهم لعجب يسألونني عن أحاديث الملوك ، ويعطونني عطاء العبيد ، ابتسم الوالي ابتسامة حمقاء ، ومضى يسأل أشعب أسئلة ثقيلة لا معنى لها ، قال الوالي : يا أشعب هل رأيت أحدًا أطمع منك ؟ أجاب أشعب ساخرًا : نعم رأيت كلبًا يتبعني أربعة أميال ، وأنا أمضغ اللبان ظنًا منه أنه سيعثر على شيء في نهاية الأمر .

أسئلة مستفزة من الوالي لأشعب :
كانت أسئلة الوالي لأشعب من هذا النوع المستفز ، التي لا تعنى سوى الاستخفاف ، وعدم الاكتراث بمشاعره مما يسبب إيذاء لنفسه ، لكنه كان يكظم غيظه ويسكت على الرغم منه ، وصل الوالي وأشعب إلى المدينة المنورة ، وطوال الطريق لم يكن أشعب قد تناول لقمة يسد بها رمقه ، وبلغ به الجوع مبلغه حتى لم يعد قادرًا على الوقوف على قدميه.

الوالي الصائم :
فالتفت إلى الوالي قائلًا: هيا ابعث خادمك يحضر لنا الطعام!  فلم تعد لدى القدرة على تحمل الجوع ،  ابتسم الوالي وقال :إنني صائم اليوم يا أشعب فإن أردت أن أبعث الخادم لكي يحضر لك الطعام فعلت ، لكن أشعب قال في نفسه : لا شك أن الطعام الذي سيحضره لي الخادم سيكون خبزًا جافًا ، وبعضًا من الملح  ، لكن لا بأس من الانتظار حتى آكل مع هذه الوالي بعد المغرب فسيكون طعامه فاخرًا .

الوالي يستريح من عناء السفر :
نظر الوالي إلى أشعب فوجده شارد الذهن ، فسأله : علام شرودك يا أشعب ألا يرضيك أن آتيك بالطعام ، لكن أشعب برغم ما به من تعب أجاب : إنني أفضل أن آكل معك ، بدلًا من أن يأكل كل منا بمفرده ، ضحك الوالي ثم ربت على كتف أشعب ، وقال : لا بأس ولكني سأدخل حجرتي لكي أستريح قليلًا من عناء السفر .

أشعب والجوع :
ثم دخل الوالي حجرته وأغلق على نفسه الباب ، وراح يلتهم أنواع الطعام واللحم والفاكهة التي كان خادمه قد أعدها له ، مر الوقت بطئيًا على أشعب فقد مزق الجوع كبده ، ولم يكد وقت المغرب يحين حتى أخذ يبحث عن الوالي في كل مكان بالبيت ، لكنه لم يجد له أثرًا ووجد الخادم ، وهو يناوله رغيفين يابسين وقطعة جبن قد أكل منها الدهر وشرب .

تعجب أشعب من الوالي :
تعجب أشعب وقال: وأين سيدك الوالي ، فأجاب : لقد تنازل طعامه منذ الظهر،  وأمرني أن عطيك هذا الطعام لكي تتغلب به على جوعك ، ولم يجد أشعب أمامه سوى أن يأكل هذين الرغيفين وإلا نام طاويًا .

تعويض الوالي لأشعب :
مرت الليلة على أشعب وهو في شر حال ، ولما أصبح عاتب الوالي على صنيعه ، لكن الوالي اكتفى بكلمات اعتذار باردة ، وقال: معذرة يا أشعب فقد كنت متعبًا وكانت لي رخصة في الإفطار ، ولم أشأ أن أزعجك فقد حسبتك نائمًا ، ثم التفت إلى خادمه ، وناوله بضعة دراهم وقال: أحضر بهذه الدراهم لحمًا مشويًا ، لكي نعوض أشعب عن الليلة الماضية .

أشعب وحلم تناول اللحم المشوي :
ابتسم أشعب ابتسامة عريضة وقال لنفسه : أخيرًا سأتذوق اللحم والمرق لقد ضحكت لك الأيام يا أشعب ، عاد الخادم وهو يحمل الشواء ووضعه أمام الوالي الذي راح يلتهم الطعام التهامًا ، دون أن يلتفت إلى أشعب ، أو يدعوه إلى الطعام .

ولما أتى على كل الشواء ، ولم يبق سوى المرق وبعض كسرات الخبز ، التفت إلى أشعب وتظاهر بالدهشة وقال: صدقني يا أشعب لم أشعر بوجودك إلا هذه اللحظة لماذا لم تنبهني … ثم أضاف قائلًا : على أية حال فقد بقى لك الشيء الكثير ، يا لك من إنسان محظوظ .

كسر الضرس :
ولأن أشعب كان أكثر جوعًا من أمس فقد أقبل على الطعام إقبال المحروم الجائع ، وراح يغمس الخبز اليابس في مرق الشواء ، الذي تبقى في القدر، أخرج الوالي حبات من الفاكهة وراح يأكلها ، وأشعب ينظر إليه وفي النهاية ناول أشعب بعض حبات من اللوز،  الذي كانت قشرته سميكه إلى حد كبير ، وضع أشعب حبة اللوز تحت ضرسه ، وحاول أن يكسر قشرتها عسى أن يظفر بما بداخلها لكن ضرسه الذي اعتاد أن يكسر به أقوى الأشياء تفتت ، وتحول إلى ذرات من الرمل سقطت في فمه .

أشعب وحبة اللوز :
حاول أشعب أن يعثر على حجر يكسر به حبة اللوز ، وبعد جهد وجد حجرًا على بعد كبير ، ولم يكد أشعب يضرب به حبة اللوز ، حتى قفزت بعيدًا فجرى خلفها كما يجري صاحب الناقة الشاردة خلفها في كل اتجاه ، لكنه عاد بخفي حنين ، ولم يعثر على حبة اللوز التي كانت قد توارت في التراب .

خلصوني من الموت :
وبينما أشعب يبحث عن حبة اللوز، إذ أبصر جماعة من أعز أصحابه ، فأحس بأن الله تعالى قد أرسلهم نجدة له ، لكي ينقذوه من هذه الكارثة ولم يكد أشعب يقترب منهم حتى صاح بهم : الغوث الغوث الحقوني أدركوني ، كان وجه أشعب الأصفر يوحى بالإعياء الشديد ، فقال الأصحاب في تأثر : ما بك يا أشعب ؟ وما الذي أصابك ! رد أشعب مستنجدًا : خذوني معكم وبذلك تخلصونني من الموت ، وسأقص عليكم قصتي فيما بعد .

أشعب والأصدقاء :
حمل الأصدقاء أشعب معهم ، وبمجرد أن ابتعدوا عن المكان ، أخذ أشعب يرفرف بيديه كما يفعل الفرخ ، إذا طلب الرزق من أبويه ، فقالوا: ما لك ويلك ، فقال: ليس هذا وقت الحديث أطعموني مما معكم ، فقد مت جوعًا منذ ثلاث أيام ، وضع الأصدقاء الطعام أمام أشعب فراح يأكل بنهم ، كما يفعل المحروم ثم قص عليهم ما حدث مع هذا الوالي البغيض ، وأراهم ضرسه المكسور ، فراحوا يضحكون ويصفقون بأيديهم ويقولون : هذا الرجل من أبخل خلق الله فكيف وقعت في يده !

أشعب في بلاد الواق واق :
أقسم أشعب إنه لم يدخل المدينة ما دام لهذا الوالي سلطان بها ، ثم انصرف عائدًا إلى بيته وقص القصة على زوجته ، ولم يكد أشعب يضع رأسه على السرير ، حتى سمع دقًا على الباب ، وإذا به رسول من قبل الوالي يقول له : إن سيدي الوالي يريدك حالًا فقد أعجبته مرافقتك له في رحلة الحج ، فقرر أن يصطحبك معه في رحلة طويلة إلى الهند ، ثم إلى جبال الواقواق !.. لم يتم الرسول كلامه حتى راح أشعب في غيبوبة ، وهو يتمتم بقوله : ما كنت أحسب أن أحيا إلى زمن ، أساق فيه إلى واقواقِ .

شارك المقالة:
103 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook