كان أهل مدين قومًا من العرب عاشوا في مدينتهم مدين ، وهي أرض قريبة من أرض معان في أطراف الشام ، مما يلي ناحية الحجاز قريبًا من بحيرة قوم لوط ، وكانوا بعد قوم لوط بمدة قريبة ، ويرجع نسبهم إلى مدين بن مديان بن إبراهيم الخليل .
وقد بعث الله لهم النبي شعيب عليه السلام ويقال أنه شعيب بن يشخر بن لاوي بن يعقوب ، كما يقال أن أمه هي بنت النبي لوط عليه السلام ، وكان سيدنا شعيب ممن آمن مع سيدنا إبراهيم عليه السلام يوم إلقائه بالنار ، وهاجر معه إلى الشام وزوجه ابنة سيدنا لوط عليه السلام .
أما أهل مدين فكانوا كفارًا يقطعون الطرق ويخيفون المارة ، ويعبدون الأيكة وهي شجرة الأيك ملتفة ، ولذلك أطلق عليهم أصحاب الأيكة ، وكانوا من أسوأ الناس معاملة ، يبخسون الميزان والمكيال ويطففون فيهما ، يأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص .
فبعث الله فيهم سيدنا شعيب عليه السلام فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، ونهاهم عن مثل تلك الأفاعيل القبيحة من بخس الناس أشياءهم ، وإخافتهم لهم في سبلهم وطرقهم ، وحذرهم من سلب الله لنعمه عنهم ، وحذرهم من أن يصيبهم عذابًا أليم ، فآمن قليل منهم وكان معظمهم كافرون .
وقد أخذوا في التهكم والاستهزاء بكلام سيدنا شعيب ، وقد كان سيدنا شعيبًا عليه السلام فاقدًا للبصر ، وقيل أنه بكي من خشية الله حتى فقد بصره وأن الله قد رد إليه بصره ، ولذلك استضعفه قومه وكانوا يسخرون من صلاته .
فبعث الله تعالى عليهم عذاب يوم الظلة فأهلكهم ، وذكر العلماء أنهم أصيبوا حرًا شديدًا ، ومنع الله هبوب الرياح عليهم سبعة أيام ، فكان لا ينفعهم مع ذلك الحر ظلًا ولا ماءً ولا دخولهم في الأسراب ، فهربوا من مساكنهم إلى البرية ، ثم أظلتهم سحابة ، فاجتمعوا تحتها ليستظلوا بها ، فلما اجتمعوا جميعًا تحتها ، جعل الله السحابة تقذف عليهم شرر وشهبًا ، ورجفت الأرض بهم رجفًا شديدًا ، وجاءتهم صيحة من السماء ، فأزهقت أرواحهم ، وخربت ديارهم .
قال تعالى {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ} صدق الله العظيم .
ونجي الله سيدنا شعيب عليه السلام ومن معه من المؤمنين ، وقد خاطب قومه بعد هلاكهم وقال لهم (يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم) وقال (كيف آسى على قوم كافرين) ، وقال بن وهب : أن سيدنا شعيب عليه السلام مات بمكة هو من آمن معه .
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.