المحتوى

قصة أوفى زوج بالمملكة

الكاتب: رامي -
لقد أصبح الوفاء عملة نادرة في هذا الزمان ، فكم من صديق باع صديقه وكم من رجل ترك زوجته وأبنائه من أجل أخرى ، وكم من امرأة انعدم من قلبها الوفاء ، وكم من ابن عق والديه ولم يكن وفيًا معهم ، ولكن كما يعاني المجتمع من هؤلاء ، أحيانًا تشرق في جوانبه بارقة أمل لتجعل النادر ممكن ومتاح .

في قصة اليوم وفاء من نوع أخر وفاء حتى بعد الموت ، فقد كان الدكتور عبد الله عابد شيخ أحد أعضاء هيئة التدريس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران ، يعيش مع زوجته الطبيبة حياة سعيدة وهانئة ، حيث رزقهما الله بطفلين وأنعم عليهما بالرزق والمال .

فجمعهما منزل واحد رسموا به الأحلام وخططوا فيه للمستقبل ، وعاهدوا الحب ألا فراق ولكن لم تطل فرحتهما بهذا العش الهانئ ، فقد أصاب زوجته الطبيبة مرض عضال عانت من شدته وفارقت الحياة على أثره ، لقد انتقلت إلى بارئها وتركته وحيدًا يلاحق الألام ويحقق الأحلام التي شيداها معًا ولكن بدونها .

كانت الأيام تمر ثقيلة والزمن لا يكاد يسير ، وقد مرت على الدكتور عبدالله لحظات شديدة الصعوبة ، بعد وفاة رفيقة دربه وشريكة حياته فقد كانت هي عمود المنزل ومنارة الحياة ، ولهذا اتخذ الدكتور عبدالله قراره الأول والأخير ” الوفاء حتى بعد الموت” ، لقد قطع عهدًا على نفسه بعدم الزواج من أخرى .

وحرص على أن يتفرغ لتربية أبنائه ويكرس حياته لهم ولعلمه ، والعجيب أن الدكتور عبدالله لم يستعين بخادمة حتى كي تساعده في الأمر ، ولم يستقدم سائق ليلبي له مطالب منزله أو تنقلاته ، فكان يطهو الطعام بنفسه ويقوم بأمور المنزل من غسيل وتنظيف وكي .

كما كان يصطحب أبنائه بنفسه من وإلى المدرسة ، فلم يرغب بالابتعاد عنهما حتى لا يشعران بالفقد ، ورغم كل الصعوبات التي واجهت الأستاذ الجامعي والأب معًا استطاع الدكتور عبدالله أن يتطور في عمله ويواصل عمل الأبحاث ونشر الدوريات .

وقد أتيحت له العديد من الفرص للترقي وتولي مناصب إدارية مهمة ، ولكن رفض من أجل أبنائه هشام ونادين ، فأي وظيفة كانت ستكلفه وقتًا إضافيًا بعيدًا عن أسرته ، ولم يكن هذا قرار الرفض الوحيد في حياته فرغم محاولات أصدقائه وأقاربه لإقناعه بالزواج ، إلا أنه ظل على عهده القديم ورفض الزواج مطلقًا .

وقد كان عزاءه الوحيد في طفليه اللذان يكبران أمام عينه يومًا بعد يوم ، مرت أكثر من ستة عشر عاًما والأطفال أصبحوا شبابًا ، كل شيء تيسر الآن لم يعد هناك صعبًا ، وجد الدكتور عبدالله في أولاده رفاقًا جدد يحلم معهم بالمستقبل ، فكانوا له أصدقاء قبل أن يكونوا أبناء .

لقد سقطت عن كاهله كل أعباء الماضي ، لاسيما وهو يشاهد ابنيه يكبران ويتفوقان في الدراسة كما كان هو وزوجته ، وكانت ابتسامتاهما هي الضوء الذي ينير أعماقه إن طرقت العتمة بابه في أي حين ، لقد شعر أن زوجته تركت له هديتين قبل الرحيل .

فكيف يفكر بأخرى وأولاده في قلبه وزوجته في عقله لا تفارق مخيلته ، فرغم الفراق ورغم الرحيل ظل منها كل شيء جميل ، لذا اختار الدكتور عبدالله أن يكون وفيًا لذكرى الحبيبة ، ليضرب بذلك مثالًا للرجل الشرقي الأصيل ، الذي أثبت أن الوفاء عملة يمكن تداولها .

فقد أثبت ابن المملكة الشرقي ، أن الحب لا يعرف الموت والوفاء لا يعرف الرحيل ، لقد تلخص بتجربته تجارب كثير من الشعوب ، وأثبت أن العرب هم أهل الوفاء ، وأن المجتمع الشرقي أكثر إنسانية ونبلًا من شعوب أخرى تتخذ من القيم شعارًا لها .

شارك المقالة:
76 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook