قصة الأولاد سيضيعون يا صديقي

الكاتب: رامي -
قصة الأولاد سيضيعون يا صديقي
صديق عمري الذي يعلم قدراتي الخارقة في الكذب قصدني بالأمس في خدمة ، لم أكن أتوقع أبدًا !

أعلم أبناءه الكذب :
عندما طلب مني ، والدموع تترقرق في عينيه أن أساعده على ضمان مستقبل أولاده الصغار ، أخذت بسرعة مكوكية ، أفكر في كذبة للتهرب من دفع المبلغ الذي سيطلبه لشراء شقة لأولاده ، لكنه فاجأني قبل أن أطلق كذبتي التي كدت أحبكها ، بأنه لا يطلب لهم مني متاعًا ولا عقارًا ، بل يطلب فقط أن أعلم أبناءه الكذب !

الورع المبكر :
شكى لي الرجل وهو يغالب رغبة مريرة في البكاء ، أن أولاده مهددون بالضياع ، تسألهم أين اختفى الريموت كنترول فيدلونك على مكانه طواعية ، قابلتيهم للإقرار بالذنب مرتفعة للغاية ، الورع المبكر يجعلهم يفعلون ذلك أحيانا قبل اكتشاف ذنبهم  لا يقسمون لك أنهم شربوا اللبن بل يأخذونك ببراءة لكي ترى المكان الذي تعودوا أن يدلقوه فيه .

دائمًا تنعقد ألسنتهم عندما تطلب منهم أن يقولوا لمحصل النور ، إن بابا في الشغل ، أو عندما ترجوهم أن يقولوا لجدهم صاحب الزيارات المفاجئة إن بابا ، يستريح في الداخل بعض الوقت !

الأولاد سيضيعون يا صديقي :
الأولاد سيضيعون يا صديقي ! بحالتهم هذه لن يصبح أحدهم يومًا حاكمًا تاريخيًا أو رئيس برلمان مخضرمًا ، أو وزيراً أو حتى قارئ نشرة إخبارية ، لا أطلب منك احسانًا يا صديقي ، فقط علمهم صنعة الكذب ، وارتكني أرميهم مطمئنًا في بحر الحياة .

لكل حدث حديث :
أي ورطة هذه ؟! هل أقول له أن الكذب حرام ! وليس له رجلين وحبله قصير! الرجل في بيتي ولو رد عليّ بصوت منغم لا يليق بحرمة البيت ، سيضطرني لأن أغلط فيه ، وسيعلو صوتنا ليلفت انتباه زوجتي التي لو سمعته وهو يذكرني بنماذج منتقاة من كذبي ، سأكون في ورطة حقيقية لأنني سأكون مطالبًا بإقناعها أنني توقفت عن الكذب يوم أحببتها .

لو كان في ذلك كذبًا لما كانت هناك مشكلة ، لكن المشكلة بأنه حقيقي ولذلك سأكون مرتبكًا وأنا أقوله وسيدخل الشيطان بيننا ويخرب البيت ، بسبب الصدق بعد أن ظل متماسكًا دائمًا بفضل الكذب ، ليس أمامي الآن سوى مجاراته حتى يخرج هو والشيطان من البيت ، وعندها لكل حدث حديث .

درس في التربية القومية :
عندما طلبت منه أن يدع القلق ويبدأ الحياة ، لأنني سأحول أولاده بعون الله ، وفي زمن قياسي إلى وزراء إعلام ، نظر فيعيني نظرة فلاح لأخواته في ساعة الري متضرعًا : أوعي تكون بتكذيب عليّ
ولأنني كنت أكذب فقد صدقني ونزل من بيتي مطمئنًا ، عندما سألتني زوجتي عما كان يريده قلت لها ، وأنا أنسل مجددًا في بيجامتي : محتاج أن أعطي أولاده درسًا في التربية القومية ! وهي صدقت طبعاً لأنني كنت السبب دائمًا في حصول أبنائنا على الدرجات النهائية في التربية القومية .

زيارة غير متوقعه وتوسلات :
لم أكن أعلم أن العيش المشترك بيننا كل تلك السنين سيجعل صديقي أوعى ، مني بكثير ، في الصباح وأنا أفرك عيني مخضوضًا رأيته على بسطة السلم محتضنًا أبناؤه الذين بكوا حتى أخضلت ياقاتهم ، وانهمرت سوائل شتى من وجوههم : لا نريد أن نضيع يا عمو..نريد أن نصبح كذابين مثل أولادك .. ابنك هيثم أكل المثلجات خاصتي أمام عيني وأقنعني أن الشمس سيحته .. يلعنه ذلك الصدق الذي يجعلنا نعاقب بالتذنيب كل يوم ويتم استدعاء ولي أمرنا .

قرار :
بالقوة صرفته هو وأبناؤه ، بعد أن اضطررت أن أقسم برغيف العيش على عيني أني سأعلمهم ما لم أعلمه حتى لأبنائي فلذات كبدي ، زوجتي نومها ثقيل ولذلك صدقت أنني كنت أقضي كل ذلك الوقت على الباب في التبرع بالدم ، لكن من يضمن أن يمر الأمر دائمًا على خير! سأعلم إذًا أولاده الكذب لكي لا يخربوا بيتي في زيارة مفاجئة كهذه .

ورطة حقيقية :
صديقي لم يصدق أنني الآن في ورطة حقيقية ، كونك كاذبًا عتيدًا لا يجعلك ماهرًا في تعليمه ، أكم من رءوس حربة فشلوا كمدربين ، أنا أصلا لم أتعلم الكذب ، ولم أعلمه لأولادي ، أمي رحمة الله عليها كانت تقول لي أن الكذب يجري في دمنا لأننا ورثناه عن أبي الفقيه الدستوري البارز ، كأن الكذب هبه لن نسع إليها ، فكيف نكسبها لغيرنا !

انبهار عميق :
ليس أمامي الآن سوى أن أشتري نفسي وأقبل ما فرضه القدر عليّ ، أدخل إلى المكتبة لأعد نفسي للمهمة الثقيلة بقراءة كل ما تركه الوالد من مقالات ودراسات وتصريحات وقوانين ، يغمرني انبهار عميق فأشعر بضآلة مهمولة أمام تجربته .

بعد ساعات أفيق على تليفون من صديقي يستعجلني : الأولاد منتظرين بالأجندات وفي انتظارك ! أنظر إلى التلفزيون الذي يذيع خطابًا تاريخيًا ، أقول له بحماس : إلى أن آتي اجعل الأولاد يفتحون التلفاز ويشاهدونه… ثم أغلق السماعة وأستعين على الشقاء بروح أبي رحمة الله عليه !

شارك المقالة:
61 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook