قصة الجدران .. تتمزق

الكاتب: رامي -
قصة الجدران .. تتمزق
قلت للزائرة أن تبحث أمري مع المسئول الكبير ، فوجودي مع هؤلاء النسوة الأكبر مني سناً يرعبني ، أنا لا أنكر أنني اقترفت ذنباً ، وأنني أستحق هذا النفي داخل جدران السجن ، ولكن ! مع هؤلاء تصبح للسجن أكثر من قضبان ..

الزائرة:
كررت رجائي للزائرة : أرجوك .. أريد أن أكمل تعليمي ..لم يبق على نهاية السنة إلا شهران .. أريد الكتب .. وأستطيع أن أمتحن آخر العام ..من هنا ، وعدتني الزائرة التي توسمت فيها نبلاً ما وجدته عند أحد..لا عند أمي التي ماتت وشردتني ، ولا عند أختي التي تحولت في بيتها إلى خادمة .. ولا عند زوج أختي الذي تبرأ منه ضميره .. المجرم ؟!

ألم تكوني قادرة على البوح لأختك بما يفعله زوجها ؟! ، هذا السؤال .. آه لو تدري الزائرة كم طرحته على نفسي ،  وكم ابتدعت من أجل الايحاء به لأختي مواقف علّها تسألني ..فأفرغ شحنة الهم التي تثقل علىّ الليل والنهار ، لكنها كانت صماء ، لا تسمع إلا نداء الجارات والأسواق ، وأولادها ؟!

الأولاد :
سألتني الزائرة .. فحدثتها بكل شيء ، أولادها .. مهملون عندي ، أذهب في الصباح إلى المدرسة ، أفرغ من عفاريت البيت ، لكن مسافة النهار تنتهي إلى حيث أعود خادمة ، ترعى البيت والأولاد ، إنني أعمل أماً بالنيابة عن أختي ، والأمر تتطور ..

الزوج:
زوجها ؟! ، أجل ! بقي في البيت ..يحاورني ..يداورني..يثيرني ، التقطت الزائرة الكلمة الأخيرة : كنتي تشعرين ببعض المتعة ؟! ، حاولت أن أهرب من هذا السؤال ، أن أكذب ، أو أتغابى لكنني أبيت أن أكذب على إنسانة لطيفة ودود ، جاءت لتسمع قصتي ، وتساعدني ، وأبيت أيضاً أن أتغابى ، وأنا التي شهدت المدرسة كلها بذكائي ، وتفوقي ، رغم ما كنت أعانيه من تعب في بيت أختي ..

اعتراف:
نعم ! ، أجبت الزائرة بخجل أحسسته يلسع وجنتي ، أجل أحس ببعض المتعة ، في البداية كنت أستسلم بدافع الخوف ، بعد ذلك صارت العادة جبارة ، وصار استسلامي بدافع تلك الرغبة التي تتفتح حين يبدأ ..

الكارثة:
هكذا .. ، قالت الزائرة ، ودونت ملاحظة في دفترها الأصفر ، ثم أغلقت القلم وهي تلقي باستغرابها قائلة : أنا لا أتصور كيف لم تلاحظ أختك ، أو معلماتك الانتفاخ في بطنك ، وأنتي بعد طفلة لم تكملي عامك الرابع عشر !؟ ، تصورته أختي ورماً ، أو هكذا أقنعها زوجها ، حاول مرات عديدة أن يدوس على بطني .. لكنني أصرخ ! فيخاف صراخي ..أنا ..أنا.. أكملي ، أنا ما كنت أعرف ما هذا الذي أحمل ، لكنني فهمت أنه مصيبة تترصد أيامي القادمة..

آلام المخاض والمدرسة :
كيف احتملت آلام المخاض ، ولم ذهبت إلى المدرسة ذلك اليوم ؟ ، هل جربت آلام المخاض من قبل ؟ سألت الزائرة اللطيفة .. شدت على أسنانها ، وقالت : لا لم أجب بعد ، ولكنني أسمع منذ طفولتي أصوات القريبات ونساء الحي وهن يلدن في بيتنا .

لقد كانت جدتي أم أمي ، قابلة ، يدها مبروكة ، والنساء يفضلن يدها على أيدي الأطباء ، لو كنت أنت التي جربت ! كنت ستعرفين كم تكون اللحظة قاسية ! ، النساء في بيتكم كن يلدن في الفراش ..أما أنا ..فلحظة الميلاد ..كانت في مرحاض المدرسة ..

الولادة والمرحاض :
يارب ..يارب ، يدي تضغط على الحائط ..أختي فعلت هذا ذات مرة قبل أن يحملها زوجها إلى المستشفي .. أكره أختي الآن ..هي ليست معي .. فتساعدني! ، زوج أختي فعلها ..وهو ليس معي ..رائحة المرحاض ، رائحة ذبحي تفوح ، ماء غزير ينسكب من عيني ، عرق ينبت من صدري .

ويصب في مجرى صدري المتكور كنهر حزين ، يدي على الحائط ، أشد .. أشد.. أغرس لحم فمي بين أسناني ، عاصفة دائرية داخل أحشائي ، تتحرك باتجاهات متعاكسة ، دوران موج في يوم عاصف ، موجة تعلو ، تصل حتى كبدي الخاوي ، ثم إلى أسفل بطني ، تنتهي الرعدة العاصفة ، أتنفس ، لا أكاد حتى تعود ثانية أشد ، وأقوى ، كيد تعصر الجبل الشفاف داخل جسدي .

تعبئه بقسوة يتكوم في مكان ، ثم آخر يصعد ، خفيفا ، ثم يرد إلى أسفل ، دوخة تلازم رأسي ، تدور الجدران وتتسع ، وتضيق ،تتفاعل مع حركة الجبل الطري ، ألوان تتشابك في عيني ، خيوط عنكبوت ، أكاد أغفو ، لكن الجبل في داخلي يوقظ النعاس ، يعلو يهبط ويدور ويدور ، رائحة المرحاض رائحة الماء المتدفق ، أتذكر رائحة نفسها ، رائحته ، زوج أختي .. يارب انقذني .. أعصر هذا الجبل .. ليسقط هذا الحمل ، ويحمي جسدي ، وليمت العار ، أتألم ..كيف السبيل إلى الخروج من هذا المأزق ؟؟

هل أصرخ ؟هل أنادي إحدى العاملات ؟ هل اخرج إلى الساحة مستغيثة أجر مائي ودمي ، وفضيحتي ؟! ، صوت معلمة الدين يرن في أذني : وأما السبيل يسره ، إذن هو الله ،هو الله الواحد القادر على أن ييسر الطريق ، يسّره يا ربي ،افتحه ، أخرج هذا الذي في جوفي ، هو ليس لي ، هو لأختي ، لكنه تحدى الأخلاق والضمير والعقل ، وانزرع في بطني أنا ، تأتي العاصفة قويه ، يهتز الجبل ..

يارب.. يسر.. يارب..
ويندفع الجل مرة واحدة ، يخرج الجبل من المضيق ، تتمزق الجدران وأسمعها تشق نفسها ، كما يشق قماش الثوب السميك ، شيط.. شيط ..

المولود :
نزف ! بركان ! عرق ! كله يتختلط بكله ،أصرخ صرخة واحدة  ، و تتكوم أمامي قطعة لحم متحركة ، لها رأس وجسد ، ونبض ، ها هي بين قدمي راكدة ، تتعلق بحبل يمتد حتى داخلي ، اسحب بكسل وتراخ متعب ، تندلق قطعة حمراء أخري ، لكنها بلا رأس ، بلا يدين ، بلا نبض ..

أنظر إلى الطفل ، أتفحصه ولد رجل آخر ، زوج أخت آخر ، أركع ،أشتم الرائحة الشنيعة رغماً عني ، لم يعد ذلك الزمن بعيداً ، كانوا يئدون البنات ، ليتهم وأدوني ، ما كنت أريد أن أكون أُماً بطريق الخطأ .. فلماذا أخطأتني دروب زوج أختي ؟؟ ، ابن من هذا ، ولماذا يعيش ؟؟

الفضيحة والجريمة :
أأحمله وأخرج به ؟ هل سيتكلم ؟ وهل ستغفر لي العيون التي ستحيطني بالدهشة ، وتنعتني بالرذيلة ؟ ، أمد أصابعي المرتجفة ، أبحث عن دائرة العنق الطري أحيطها ، بالأصابع واضغط واضغط ، ولا شيء في ذهني إلا الخلاص من ابن ليس ابني ، صمت النبض.. وسال لعاب ثغره ، الذي لم يلثم ثغراً بعد ، سكتت الحياة التي لم تبدأ بعد ..وسكت بعض خوفي .، أذكر أنني أخذت أطرق الباب بشدة ، وأضرخ ..، وأصرخ..، وآخر شيء رأيته كان وجه الناظرة ، وقد شوهته المفاجأة .

شارك المقالة:
74 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook