قصة الجواد الأبيض

الكاتب: رامي -
قصة الجواد الأبيض
في أوراق السنديانة ، تألقت شمس فضية ، رفع نجوتشي وجهه ، فأعشى الضوء ناظريه ، مباشرة ، وإنما كان يتألق وسط أوراق الشجرة الكثيفة ، وبالنسبة لشجرة سنديان يابانية ، فإن هذه الشجرة كانت أغلظ من المألوف ، وأكثر طولاً ، والتف حولها عدد من أشجار السنديان الأخرى ، وشكلت الأغصان السفلى التي لم تشذب ستارا يحجب الشمس الغاربة ، ووراء منصة أشجار السنديان ، واصلت الشمس غوصها في الأفق .

نبذة عن المؤلف :
من روائع القصص الياباني ، للأديب الياباني والروائي ياسوناري كاواباتا ، ولد كاواباتا في أوساكا ، اليابان في 14 يونيو عام 1899م ، بداية كتاباته أثناء دراسته الجامعية في جامة طوكيو الإمبراطورية ، حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1968م ،  ومن أشهر مؤلفاته : بلد الثلج ، طيور الكركي الألف ، توفي كواباتا في 16 ابريل عام 1972م .

وبسبب أوراق الشجرة الكثيفة على نحو متداخل ، لم يكن بالوسع رؤية الشمس ذاتها ، وإنما كانت الشمس هي ضوء الذي ينشر ذاته وسط الأوراق ، وقد اعتاد نجوتشي على رؤيته بتلك الطريقة ، وعلى الأراضي المرتفعة كانت خضرة الأوراق متوهجة بالحياة كأوراق سنديانة غربية ، وإذ امتصت أوراق السنديانة الضوء ، فقد تحولت إلى خضرة شاحبة ، نصف شفافة ، وأحدثت مويجات متألقة الضوء ، وهي تتمايل مع النسيم .

أشعة الشمس الغاربة :
كانت أوراق الشجرة ساكنة هذا المساء ، وتجمد الضوء فوق أوراق الشجر بلا حراك ، ماذا ؟ .. صاح نجوتشي بهذه الكلمة وقد لاحظ لتوه لون السماء الغسقي ، ولم يكن لون سماء لا تزال الشمس فيها تتوسط منصة أشجار السنديان العالية ، كان لون سماء غربت الشمس عنها لتوها ، جاء الضوء الفضي المتألق على أوراق السنديان من سحابة صغيرة بيضاء ، فيما وراء الأجمة التي عكست أشعة الشمس الغاربة ، وإلى اليسار من الأجمة كانت تموجات الجبال البعيدة تلتف بالقتام ضاربة إلى زرقة قاتمة ناصلة .

القماش الأسود :
انطفأ فجأة الضوء الفضي الذي التقطته الأجمة ، وعلى مهل أسود ورق الشجر ، ومن قمة الأشجار وثب جواد أبيض عاليًا ، وانطلق يعدو عبر السماء الرمادية ، آه آه آه آه .. ولم يكن نجوتشي على هذا القدر من الدهشة ، فلم يكن هذا الأمر الغريب بالنسبة له ، إنها تمتطي صهوته مجددا ، مرتدية رداء أسود مرة أخرى ، رفرف طرف رداء المرأة التي تمتطي صهوة الجواد ، وراءها .. لا طيات القماش الأسود السابغ ، التي رفرفت وراء ذيل الفحل المقوس ، كانت مرتبطة بالرداء ، ولكنها بدت منفصلة عنه ، ما هذا …؟

الجواد الأبيض :
بينما نجوتشي يفكر في ذلك ، تلاشت الرؤية ، ولكن إيقاع قوائم الجواد بقى في فؤاده ، وعلى الرغم من أن الجواد بدا أنه يعدو إلى الأمام مباشرة ، كأنه جواد سباق ، إلا أنه كان هناك إيقاع متمهل في عدوه ، وكانت القوائم جزءًا من الجواد في غمار الحركة وحسب ، وسناكبه مستدقة على نحو حاد .

ذات الرداء الأحمر الوردي :
سأل نجوتشي نفسه في قلق : ذلك القماش الأسود وراءها .. ما هو أكان قماش أصلاً ؟ .. عندما كان نجوتشي في الصفوف العليا من المدرسة الابتدائية ، لعب تيكو في الحديقة ، حيث كان سور الدفلي العطرة مذهرًا ، ورسما صورا معا ، لجياد وعندما رسمت تيكو صورة لجواد يعدو عبر السماء ، رسم نجوتشي ، صورة مماثلة كذلك .

قالت تيكو : ذلك هو الجواد الذي دهس الجبال ، وجعل النبع المقدس يتفجر ماؤه ، ألا ينبغي أن تكون له أجنحة ؟ قالها نيجوتشي متسائلاً ، وقد كان الجواد الذي رسمه ذا أجنحة ، ردت تيكو قائلة : إنه ليس بحاجة إلى أي أجنحة ، لأنه له سنابك حادة ، من الذي يمتطي صهوته ، تيكو ، تيكي هي التي تمتطيه .. إنها تمتطي الجواد الأبيض ، وترتدي ثيابًا حمراء وردية .

تيكو والجواد :
أوه ، إذن تيكو هي التي تمتطي الجواد الذي دهس الجبال وجعل النبع المقدس يتفجر ماء ، هذا صحيح ، إن جوادك له أجنحة ولكن ما من أحد يمتطيه ، هناك .. إذن ، سارع نيجوتشي برسم ولد فوق الجواد ، وتطلعت تيكو من الجانب ، كان ذلك كل ما هنالك ، وقد تزوج نيجوتشي من فتاة أخرى ، وأنجب أطفالاً وتقدم في العمر ، ونسي ذلك النوع من الأمور .

الأب وابنه :
تذكر فجأة الأمر ، في وقت متأخر من ليلة مؤرقة ، وكان ابنه ، بعد أن أخفق في اجتياز امتحان الالتحاق بإحدى الجامعات ، يعكف على المذاكرة كل ليلة ، حتى الساعة الثانية والثالثة ، من بعد منتصف الليل ، وإذا ساور نجوتشي القلق عليه ، فقد جفاه النوم ، مع استمرار الليالي الحافلة بالأرق ، واجه نجوتشي الشعور بالوحدة في غمار الحياة ، فلدى الابن العام المقبل ، لديه الأمل ، بل إنه لا ينام ليلاً ، لكن الأب يرقد مسهدا في فراشه فحسب ، ولم يكن ذلك من أجل ابنه ، وإنما كان يعايش وحدته الخاصة ، وإذا أطبقت عليه هذه الوحدة ، فإنها ما كانت لتدعه يفلت منها ، فقد ضربت جذورها في أعمق أجزائه .

رؤية وراء جفنين مغمضتين في الظلام :
جرب نيجوتشي طرقًا مختلفة للنوم ، جرب للتفكير في تصورات خيالية وذكريات هادئة ، وذات ليلة تذكر ، من دون توقع ، الصورة التي رسمتها تيكو للجواد الأبيض ، ولم يتذكرها بوضوح ، فهي لم تكن صورة طفلة ، وإنما رؤية لجواد أبيض يعدو عبر السماء التي انزاحت وراء جفني نجوتشي المغمضتين في الظلام.

دعوة إلى النعاس :
أهي تيكو التي تمتطيه بالملابس الحمراء الوردية ؟ كان كيان الجواد الأبيض الذي يعدو عبر السماء واضحا ، ولكن شكل من يمتطيه ولونه لم يكونا واضحين ، ولم يبد أنه فتاة ، مع تراخي السرعة التي ينطلق بها الفحل المتخيل عبر السماء الخاوية ومع انحسار الرؤية كان نيجوتشي يجتذب النعاس ، منذ تلك الليلة فصاعدا عمد نيجوتشي إلى استخدام رؤية الجواد الأبيض كدعوة يوجهها إلى النعاس ليوافيه .

مع مرور الوقت :
على امتداد سنين عديدة ، نجا نجوتشي من قبضة الأرق بفضل رؤية الجواد الأبيض ، وقد كان الجواد الأبيض المتخيل يتدفق حياة وحيوية ، ولكن من يمتطي صهوته بدا أنه امرأة أخرى ، ترتدي السواد ، لم تكن فتاة ترتدي ملابس حمراء وردية ، وأوغل شكل تلك المرأة ذات الرداء الأسود في العمر ، وطرأ عليه الضعف ، وازداد غموضا مع مرور الوقت .

ولم يسمع عنها شيئًا :
اليوم التي كانت المرة الأولى التي تراءى فيها حلم الجواد الأبيض لنجوتشي ، ليس بينما هو راقد في فراشه مغمض العينين ، وإنما بينما هو يجلس مفتوح العينين في مقعد ، وكانت تلك كذلك هي المرة الأولى التي رفرف فيها شيء يشبه قماشًا أسود وراء المرأة ، وعلى الرغم من أنه رفرف في الريح إلا أنه بدا سميكًا وثقيلاً .. ما هذا ؟ حدق نجوتشي في السماء الرمادية الآخذة في الظلام ، والتي انحسرت عنها رؤية الجواد الأبيض ، لم يكن قد رأى تيكو في غضون أربعين عامًا ، ولم يسمع عنها شيئًا .

شارك المقالة:
66 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook