قصة الحرب الكورية

الكاتب: رامي -
قصة الحرب الكورية
لن أطلق عليها الحرب الكورية وإنما الحرب المنسية ، فهو الاسم الذي أطلقته وسائل الإعلام الأجنبية وبعض المؤرخين الذين تحدثوا عن تلك الحرب التي نشبت بين الكوريتين الشمالية والجنوبية في مطلع عام 1950م ، حيث أنها لم تحظى بنصيبها الكافي من التغطية الإعلامية كتلكالتي حدثت في الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال .

بداية الانقسام بين الكوريتين:
تبدأ قصة الانقسام بين الكوريتين في أعقاب الحرب العالمية الثانية عام 1945م حيث قامت روسياباحتلال الجزء الشمالي من شبه الجزيرة الكورية لتؤسس بها نظامًا شيوعيًا ، بينما سيطرت الولايات المتحدة  الأمريكية على الجزء الجنوبي وأسست به نظامًا ديمقراطيًا ، وكان يفصل بين الجزأين الكوريين خط العرض 38 .

وفي ديسمبر عام 1948م انسحبت روسيا من الجزء الكوري الشمالي مطالبة الولايات المتحدةبالانسحاب هي الأخرى من الجنوب الكوري ، وهو ما حدث فعًلا وبعدها انتهزت كوريا الشمالية التي كانت أكثر قوة وتسليحا من كوريا الجنوبية الفرصة في محاولة لتوحيد الكوريتين تحت قيادتها ، لذا أطلقت العنان لقواتها يوم 25 يونيو 1950 متجاوزة خط العرض 38 .

ومن هنا بدأت الأزمة الكورية في التفاقم ، وتحولت بسرعة إلى أزمة دولية في ظل الحرب الباردة ، وقد ظلت الحرب بين الكوريتين مشتعلة نيرانها لمدة لثلاث سنوات حتى يوليو 1953م ، حينما وضعتالحرب الكورية أوزارها ، ولكن بعد أن فتكت بأرواح حوالي خمسة ملايين شخص مدني وعسكري ، وما زالت شبه الجزيرة الكورية مقسمة حتى يومنا هذا .

موقف الولايات المتحدة الأمريكية :
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية قامت بعد يومين من غزو كوريا الشمالية لجارتها الجنوبية بالتوجه إلى مجلس الأمن الدولي واستصدار قرار ينص على اتخاذ عقوبات عسكرية ضد كوريا الشمالية ، فتشكلت قوة من 16 دولة وفق ذلك القرار ، وكان ذلك في غياب من الاتحادالسوفيتي الموالي لكوريا الجنوبية .

بعدها قام الرئيس الأميركي هاري ترومان بدعوة قوات حلف الشمال الأطلسي والقوات البرية الأمريكية المتمركزة باليابان للتدخل ومساعدة كوريا الجنوبية  ، لكي تحمي جزيرة تايوان من خطر الغزو الشيوعي القادم .

واستطاعت أمريكا حشد التحالف المكون من أستراليا ، وبريطانيا ، وبلجيكا ، وكندا ولوكسمبورغ ، وكولومبيا واليونان ، وهولندا ، وأثيوبيا ، ونيوزيلندا ،وجنوب أفريقيا وتايلند وتركيا

وكان ذلك تحت غطاء من الأمم المتحدة ، في حين قامت كل من الدنمارك والهند والسويد  بإرسال فرق طبية للمساعدة ؟ وترأس كل هذه القوات الجنرال الأميركي دوغلاس ماك آرثر  ، والذي كان يشغل منصب الحاكم العسكري لليابان آنذاك .

أحداث الغزو :
استطاع المخطط العسكري الكوري الشمالي بعد خمسة أيام من الغزو اقتحام مدينة سول عاصمة كوريا الجنوبية ، وأحكم الحصار على خصومه في قطاع أرضي ضيق حول المدينة الساحلية “بوسان” الواقعة بالجنوب الشرقي من شبه الجزيرة الكورية .

وبعد شهرين ونصف ، وبالتحديد في 15 سبتمبر عام 1950م قام الجنرال الأميركي ماك آرثر بتوجيهقوة بحرية كبيرة خلف خطوط كوريا الشمالية الدفاعية ، فحاصرها وتحصنت قواته قرب إنشون بغرب كوريا الجنوبية ، والتي تبعد عن العاصمة سول بنحو أربعين كيلومترا غربًا.

ولم يمض سوى أسبوعان حتى استطاعت أمريكا الانتصار على الكوريين الشماليين فتم استعادة العاصمة سول يوم 28 سبتمبر ، وإرغام الكوريون الشماليون  على التراجع إلى حدود خط العرض 38 في الثلاثين من الشهر نفسه ، وقد كانت الحرب الكورية في البداية مجرد محاولة لردع الهجوم الكوري الشمالي .

الموقف الصيني:
بعدها أمر الرئيس الأميركي الجنرال ماك آرثر وقواته بتخطي خط العرض المحدد سلفًا وتتبع جيوش كوريا حتى إخراج الشيوعيين  منها ، ومع قيام قوات الأمم المتحدة تحت الزعامة الأميركية بدخول كوريا الشمالية في أكتوبر عام 1950م ، وتمكنها من احتلال بيونغ يانغ ، ووصول قواتالجنرال ماك آرثر حتى نهر يالو الذي يفصل بين الصين و شبه الجزيرة الكورية .

قررت الصين المشاركة في الحرب وشنت هجمات شرسة ضد الأمريكيين وحلفائهم في معركة حاسمة جعلت الأمريكيين يعودون أدراجهم ، الأمر الذي شجع الصين بالهجوم على الأراضي الكورية خاصة في ظل الظروف المناخية التي رجحت كفة الجيش الصيني حيث كان البرد قارسًا ما تسبب في تشتيت جنود الجنرال ماك آرثر وإرهاقهم ، كما أن الجيش الصيني كان معد عسكريًا ويبلغ نحو 340 ألف جندي .

وبفضل تلك الهجمات التي شنها الجيش الصيني عادت بيونغ يانغ إلى أيي الشيوعيين بعد سبعة أسابيع فقط من الاحتلال الأميركي ، ولم تقف الحرب عند ذلك فبعد شهر من ذلك أعاد الصينيون احتلال سول في الرابع من يناير عام 1951م .

الرد الأميركي :
بالطبع لم تقف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي أمام ما حدث ، وففي يوم 21 يناير عام 1951م قامالجيش الأميركي الثامن جنبًا إلى جنب مع القوات الأممية بهجوم كاسح على الجيش الصيني المتمركز في كوريا الجنوبية في عملية أطلق عليها اسم “عملية كيلر” .

واستطاعوا استعادة مدينة سول مرة أخرى يوم 14 مارس من العام نفسه بعد الانسحاب الصيني منها ، وظل الجيش الأميركي يواصل زحفه إلى الشمال حتى وصل إلى خط العرض 38 وتجاوزه بقليل في 22 أبريل عام 1951م ، وقد كان الجنرال ماك آرثر حريصًا على استكمال هجومه العسكريفعُزل وعُين الجنرال ماثيو ريدغواي الذي كان أكثر اعتدالًا من سلفه ، وهي إشارة أمريكية إلى تغيير في الإستراتيجية .

كانت أعداد الجيوش المحاربة في الأزمة الكورية كالتالي : الولايات المتحدة 260 ألف جندي ، وشاركت الأمم المتحدة بـ 35 ألف جندي أما كوريا الجنوبية فقد بلغ عددهم 340 ألف جندي ، وبلغ عدد جنود كوريا الشمالية والصين مجتمعتان 865 ألف جندي ، ويعد السلاح الجوي في الحرب الكوريةأحد الوسائل التي لعبت دورًا هامًا وخطيرًا ، فلأول مرة عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية يتم استعمال الطائرات العسكرية بشكل مكثف .

وكان الطيران الصيني الجوي هو الأشد في مجال الهجوم الجوي ، فكان لديها نحو 1400 طائرةعسكرية ، ولم تستطيع أمريكا التغلب على قوة الطيران الصيني إلا بعد أن طورت في نفس السنة طائرة أف/86 وبها استطاعت مكافأة الميغ/15 التي كان يمتلكها الصينيون .

وقد كانت استراتيجية أميركا قائمة على قطع طرق إمدادات الجيش الصيني ، وتدمير مطارات كوريا الشمالية وخطوط السكك الحديدية والجسور والمعامل الكهربائية وغيرها من المراكز الصناعية ، كما قامت بقصف القواعد الكورية الشمالية المتمركزة بالقرب من الشواطئ .

ولأن الحرب دائمًا لا أخلاقية عرفت الحرب الكورية معاملات وحشية من كلا الجانبين ، فقد اتهمت كل من كوريا الشمالية والصين أمريكا باستخدام الأسلحة البيولوجية في الحرب ضد جنودهما ، كما تعرض الأسرى الأميركيين وحلفائهم على أيدي الشيوعيين إلى أبشع أنواع التعذيب.

وقد قدرت الخسائر البشرية ما بين قتيل ومفقود وجريح آنذاك نحو أربعة ملايين شخص ، وكان الضحايا المدنيون أكر كثيرًا من الضحايا العسكريين ففي كوريا وقع 147 ألف جندي (كوري جنوبي) قتيل ، و210 آلاف جريح و ثلاثمائة ألف جندي (كوري شمالي) قتيل و220 ألف جريح ليتجاوز بذلك عدد الضحايا المدنيين الكوريين مليوني قتيل .

أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد قدرت خسائر الأرواح فيها بنحو 157 ألفا و530 ضحية ، وبلغ عدد ضحايا جيش حلفاء الولايات المتحدة (الجيش الأممي) نحو 16 ألف و532 ضحية ، منهم 3094 قتيلا ، وقدرت خسائر الصين بنحو تسعمائة ألف ضحية منهم مائتا ألف قتيل .

المفاوضات والسلام :
وقد دام الصراع الكوري فترة طويلة بين طرفين لم يكن فيهما غالب ولا مغلوب ، فلم يستطع الأميركيون وحلفاؤهم ايقاف المد الشيوعي في شبه الجزيرة الكورية ، ولم يستطع الشيوعيون الكوريون وحلفاؤهم الصينيون توحيد شطري كوريا تحت اللون الأحمر .

وظل الأمر عالقًا حتى عرض ممثل الاتحاد السوفييتي في الأمم المتحدة مبادرة لوقف إطلاق النار ، ولم يتم الاتفاق بين الأمم المتحدة والصين على ايقاف الحرب إلا في 27 يوليو 1953م بقرية “بانمونغوم” ، والتي تقع في المنتصف على خط العرض 38 الفاصل بين الكوريتين .

شارك المقالة:
49 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook