قصة الخروج من عامل الصمت

الكاتب: رامي -
قصة الخروج من عامل الصمت
عندما كان عبد الحميد يبلغ من العمر عشرة أعوام ، وبينما كان يلعب من ابن الجيران على دراجتهما ، وكان الوقت يقترب من العصر كانا الاثنان يتسابقان ، ويحاولان اللحاق ببعضهما دون أن يدركا ، أنها يبتعدان عن المنزل .

وحين بدأت السماء تمطر ، فجأة انفجر من خلفهما دوي شاحنة ، وانتفض عبد الحميد وحاول أن يفرمل لكنه فقد السيطرة ، على دراجته التي كانت تنطلق مثل الحصان الهائج ، وبعدها لا يذكر شيئاً .

فأدرك عبد الحميد بعدها مستيقظاً في المستشفى ، وتفطن أنه لم يعد لديه قدرة على السمع ، وما يصله من حوله فقط إشارات من أياديهم وغمزات من أعينهم ، وفي اليوم الأول وبعد تلك الحلقة المفقودة في سجلات ، عمره أكتشف عبد الحميد أيضاً أنه صار يعاني ، من صعوبة في الكلام عندما صدمته الشاحنة .

كان والد عبد الحميد يعمل حرفياً ، يعمل في ورشه حياكة وكان دخله لا يكفي لتوفير العلاج بالكامل لعبد الحميد ، وبعد تلك الحادثة لم يعود عبد الحميد إلى مدرسته ، ولازم غرفته الصغيرة التي صارت عالماً صامتاً ، ولم يعد كما كان يسمع وقع خطى والدته ، وحينما كانت تقترب من غرفته بل لم يعد يسمع صوت أمه ، حين كانت تردد الأغاني التي تحبها ، أتناء قيامها بأعمال المنزل .

بدا والد عبد الحميد وكأنه أستسلم ، وسلم أمره لله وكان يقول لكل من سأله عن ولده عبد الحميد ، أن ما حدث هو قدراً وعليه قبوله وفي عالم الصمت ، الذي دخله عبد الحميد ، حاول أن يجعل من كتبه المدرسية أنيساً ، لكن ما لبث أن تسلل الملل إلى نفسه ، بل لاحظ تلاشي تضامن أفراد أسرته ، مع حالته يوماً بعد يوم .

وبعد مرور عامين لم يعد يزوره صديق ، أو قريب ولزم العزلة في غرفته فقرر والده ، أن يخرجه من عالم الصمت ، بأن يلحقه للعمل معه في ورشة الحياكة ، ظناً منه أن ذلك سينقذ عبد الحميد من الضياع ، وحين علمت أمه بذلك بكت فقد تمنت أن يكون مسار ولدها مختلفاً وكانت ككل ، أم تريد لفلذة كبدها الأفضل من الحياة .

على مائدة العشاء فاتح والد عبد الحميدة ابنه ، برغبته في اصطحابه معه لورشة الحياكة واستشعر في وجهه ، حزن عميق وعن نظرة امتلأت بالحسرة ، ربما قد استرجع آماله وطموحاته التي جرفتها الحياة .

وفي ورشة الحياكة كان والد عبد الحميد ، يعمل مع شابين مساعدين له وأنتقل عبد الحميد للعمل مع والده ، وانتقل معه عالم الصمت حيث يمضي الفتى ، ساعات طويلة يراقب والده ثم صار ، بالتدريج يشارك في العمل .

وذات مرة أرتكب عبد الحميد خطأ في ترتيب الخيوط ، والحياكة فصاح والدة في وجهه ولكن عبد الحميد لم يكن قادراً على سمعه ، فلم يلتفت إليه فغضب والده وتوجه نحوه ورفع يده ، وأصاب ولده عبد الحميد بصفعة على قفاه .

فأنتفض عبد الحميد ونظر من خلفه ، وإذ به والده ينظر له بعينان جاحظتان ، فأحس عبد الحميد بغضب ، والده فأسرع بالخروج من الورشة ، وطلب والده من أحد مساعديه أن يلحقه لكنه لم يعثر له على أثر .

فظن أن ولده سيعود إلى المنزل ، وسيلحق به في العشاء ليشرح له سبب تلك الصفعة ، وعندما حل المساء غادر الورشة ، وعاد إلى منزله وعندما سأل زوجته عن عبد الحميد ، أخبرته أنها لم تراه منذ خروجه في ، الصباح للعمل معه في الورشة .

تغير وجهه وحكى لزوجته عما فعله في ذلك الصباح ، وكانت نبرة صوته تدل على ندمه الشديد ، وخرج يبحث عنه وظل ساعات طويلة ، يطوف في الشوارع حتى وجده يجلس القرفصاء ، مستنداً على عمود نور وقد غلبه النوم ، فأسرع نحوه وأمسك بيده ليوقظه وعندما ، نهض ضمه إلى حضنه وبكى .

وفي المنزل حاول عبد الحميد أن يشرح لوالده ، أنه لم ينتبه للخطأ الذي فعله لأنه لا يسمع ، فبكت والدته وكان والده يغالب المزيد من دموعه ، فكان يعرب عن ما يريد قوله بالإشارات ، وفي اليوم التالي عاد عبد الحميد إلى الورشة ، وبدأ والده يعلمه أسرار الحياكة بأدق تفاصيلها .

وذات مساء جاءت زارتهم امرأة من عائلتهم ، وحكت لوالدته عن حالة طفلة في مثل حالة عبد الحميد ، وقد تمكن طبيب أجنبي من معالجتها ، بإجراء عملية تكلفت 30 ألف درهم فدب الامل فيقلب والدته ، وفكرت مسرعة في بيع حليها ، لتوفير المبلغ .

ولما أبلغت والده بذلك ، تذكر مسرعاً محامي قضية التعويض الذي أوكله لها ، وفي اليوم التالي أسرع والد عبد الحميد ، إلى مكتب المحامي وهناك أحضر المحامي ملف القضية وفتح الملف ، وراح يقلب في أوراقه حتى عثر على ورقة الحكم .

وكان الحكم بأحقية عبد الحميد ، لتعويض قدره 35 ألف درهم بل أخبره المحامي ، أنه أرسل لهنسخة من الحكم عبر البريد ، لكن نفى والد عبد الحميد وصولها ، وكان كل ما يفكر فيه والد عبد الحميد هو قيمة التعويض ، التي ستمكن ولده من الخضوع لتلك العملية .

بل ولم تضطر زوجته لبيع حليها ، وبعد الحصول على التعويض أجرى عبد الحميد العملية ، وتوجت العملية بالنجاح وصار عبد الحميد ، يسمع كل ما يدور حوله وخرج من عالم الصمت والعزلة ، الذي كان يعيش فيه ، وكادت تقضي على حياته .

شارك المقالة:
51 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook