قصة السجادة الزرقاء

الكاتب: رامي -
قصة السجادة الزرقاء
"في سالف الزمان كان لدى أحد ملوك تركستان ابن وحيد ، قد كبر وترعرع وأصبح شابًا فتيًا وسيمًا ، وكان أبوه كثيرًا ما يفكر في أمره ، فقد طرقت الشيخوخة بابه ، ولم يعد من العمر كما مضى ، فدعا الملك ابنه في مرة ، وطلب منه أن يتزوج ؛ حتى يستقر ويستطيع حكم البلاد من بعده ببال مطمئن ، وقلب مستقر .

واصطحبه إلى قاعة فسيحة بقصره المهيب ، علقت على جدرانها صور عديدة لبنات الملوك والقياصرة الفاتنان ، وكلهن حسان يخطفن الألباب ، ولكن للأسف لم يلتفت الأمير لأي منهن ، ولم تعجبه واحدة يتزوجها ، فقد كان يبحث عن شيء مختلف لم يجدها في إحداهن.

رحلة البحث عن عروس الأمير :
واستأذن الأمير الشاب أبيه ؛ لكي يطوف أرجاء المملكة ويبحث بنفسه عن عروسه التي يتزوجها ، ووافق الملك على اقتراح الأمير ، الذي شد رحاله ، وأخذ يتنقل وسط مزارع الكروم وبين التلال ، ويطوف القرى باحثًا عن أربه ، ورأى من الجميلات الكثير.

حتى خطفت أنظاره فلاحة بإحدى القرى الفقيرة بالمملكة شعرها الأسود بلون الليل يغطي خصرها ، ووجهها الصبوح يعلن عن براءة وفتنة ليس لهما مثيل ، فخفق قلبه على الفور لتلك الفتاة الفقيرة ، وطرق بابها ؛ ليطلب منها الزواج ، فسألته من أنت ، وما حرفتك ؟

فأجابه الشاب بفخر وزهو : أنا ابن الملك وولي العهد ، وليس لدي حرفة ، فأنا لست في حاجة إلى ذلك ؛ أنا من سيحكم البلاد في المستقبل ، ويدير شئونها ، فابتسمت الفتاة وقالت : فلتكن ابن الملك ، لكن هذه ليست حرفة ، فاليوم أنت ابن الملك ، ولكن غدًا ربما تفقد منصبك هذا ، فكيف يمكن أن تعول الأسرة ، اذهب وتعلم حرفة تستطيع أن تقتات منها وقت الحاجة ، وعند تفعل ذلك ، عد هنا في القرية ، ولن أتردد في الزواج منك ، وإذا لم تفعل ، فرجاء لا تعود .

الأمير يبحث عن حرفة :
خرج ابن الملك من بيت الفتاة الفقيرة منكس الرأس ، وحكا لوالده كل ما حدث بينهم ، وابتسم والملك ، وعرف أن مثل تلك الفتاة ستكون أمينة على عرش ابنه ، وبالفعل أرسل في طلب أمهر الحرفيين في المملكة من الحدادين ، والخبازين ، وصانعي البراميل ، والنساجين والنجارين .

حضر الجميع إلى قاعة القصر الفسيحة ، وهما يتساءلون عن سبب وجودهم في قصر الملك ، فخرج عليهم الملك ، وبصحبته الأمير ، وبعد أن حياهم ، قال لهم : أنا أعلم أنكم أمهر الحرفيون في مملكتي ، وقد جمعتكم اليوم حتى أرى من منكم يستطيع تعليم الأمير حرفته ؛ ليتقنها.

فتعجب الحرفيون من الأمر ، وهمسوا فيما بينهم على أن هذه المهمة صعبة ، فكيف يتعلم ابن الملك حرفة الناس البسطاء ، ولما لم يجب أحد ، نادى الملك على الحداد الذي قد صنع بوابات القصر الجميلة ، وسأله كم يستغرق الوقت ، كي يعلم الأمير حرفته ؟

فقال يا مولاي هذا لن يكون في أقل من ثلاث سنوات ، فرد الأمير قائلا ، لا هذا وقت طويل أحتاج حرفة أسهل ، وأسرع ، فنادي الملك على صانع البراميل ، وقال له : وأنت أيها الصانع كم من الوقت ستستغرق في تعليم الأمير ، فرد قائلًا : سنتين يا مولاي ، وهنا أيضا رفض الأمير قائلًا هذا كثيرًا ، أحتاج حرفة أسهل ، وأسرع .

حرفة النسيج تلبي رغبة الأمير :
فتقدم النساج ، وقال أيها الملك ، أنا أستطيع تعليم الأمير حرفتي في ثلاثة أيام فقط ، وهنا قال الأمير فرحًا : نعم ، ثلاثة أيام وقت مناسب ، وذهب الأمير مع النساج إلى بيته ، وعاد بعد ثلاثة أيام ومعه سجاجيد لا تقل روعة وجمالًا عن التي كان ينسجها النساج بالمملكة ، واختار منهما واحدة ، وذهب بها ليخطب الفتاة التي أعجبته بالقرية المجاورة .

ولما ذهب الأمير إليها ، فرحت فرحًا شديدًا ، ووافقت على الزواج ، وانتقلت معه لقصر الملك ، وفرح بها الجميع ، ومرت السنوات وجلس الأمير على العرش وبجواره زوجته ، وأبناءه الاثنين ، وفي مرة من المرات أراد الأمير أن يتفقد أحوال البلاد بنفسه ، ويعرف حال الشعب ، فأخبر زوجته بالأمر ، وترك لها إدارة شئون البلاد حتى يعود.

الملك يتفقد رعيته متنكرًا ، وقطاع الطرق يهاجموه :
وخرج متنكرا من القصر ، ومر بالأسواق والبيوت ، ووجد الحال على ما يرام ، وأثناء عودته في الليل هاجمه بعد قطاع الطرق ، وأخذوه لمغارة نائية تسمى مغارة الثعابين ، فأخبرهم أنه الملك ولكن لم يصدقوه لثيابه الرثة ، وحذاءه البالي ، وطلبوا منه أن يخرج ما معه من مال ، وإلا قتلوه .


فقال لهم لا أملك المال ، ولكنى أملك حرفة ، أجلب بها المال لكم في أقل من ثلاثة أيام ، وطلب منهم إحضار الخيوط ، وأدوات النسيج ، وبالفعل صنع الملك سجادة زرقاء رائعة الجمال تتمازج فيها الخيوط الذهبية مع الخيوط الزرقاء ، وعلى الأطراف ، نقش بعض النقوش البديعة ، فكانت متقنة الصنع ، جميلة الشكل .

وفي اليوم التالي خرج قطع الطرق لبيع السجادة الزرقاء ، ولكنها لشدة جمالها وإتقان صنعها ، كانت باهظة الثمن ، ولم يقدر على شرائها العامة ، فعاد اللصوص خاليين وعازمين على قتل الملك الحبيس ، فقال لهم الملك أمهلوني يومًا ، وأحضر لكم المال ، اذهبوا إلى قصر الملك ، فزوجته تحب هذه الأشياء ، وستجزل لكم العطايا إن أعجبتها.

قطاع الطرق في قصر الملك :
وبالفعل ذهب اللصوص إلى قصر الملك يطلبون مقابلة الملكة ، في البداية رفض الحراس إدخالهم ، ولكنهم حين رأو السجادة الزرقاء مبسوطة أمامهم ، أخبروا الملكة بجمالها ، ودقة صنعها ، وقد كانت الملك حزينة على زوجها الغائب ، لكنها سمحت بدخولهم .

وما إن رأت السجادة حتى علمت أنها من صنع زوجها ، فالنقوش التي نقشت على أطراف السجادة ، لم تكن سوى رسالة من الملك يخبرها فيها ، أنه وقع رهينة لدى قطاع الطرق في مغارة الثعابين ، وطلب منها أن ترسل قوة تقتفي أثارهم ، وتخرجه من قبضتهم ؛ حتى لا يقتلوه.

ذكاء الملكة ، والسجادة الزرقاء ينقذون الملك :
وبالفعل فعلت الزوجة ما طلبه زوجها الملك ، فبعد أن اشترت السجادة ، ودفعت لهم ما طلبوه فيها ، أرسلت الجنود خلفهم ، حتى دخلوا المغارة ، وأخذوا يقتسمون المال ، هجم عليهم جنود الملك ، وأخذوهم للمحاكمة ، وأخرجوا الملك بسلام من مغارة الثعابين .

وعاد الملك إلى قصره ، فاستقبلته زوجته أحر استقبال ، وشكره على ما فعلت ، فقالت له لا تشكرني ، ولكن اشكر الحرفة التي تعلمتها ، فلولاها ما علمنا مكانك ، ولا استطعت أن تخرج من أيدي اللصوص ، وهنا أدرك الملك أن الحرفة تفيد صاحبها ، وشكر الله تعالى على النجاة ، وحكم البلاد مرة أخرى بالعدل والحكمة.

"
شارك المقالة:
48 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook