قصة الصخور

الكاتب: رامي -
قصة الصخور
كنت أنا وصديقي أسامة نطفو في حديقة الكرم تداعبنا النسمات وترقص أمامنا الظلال وتغمزنا الشمس من خلال الغصون ، كنا نسير فرحين نحمي ظهورنا تحت عناقيد العنب متدلية ونشق طريقنا بين الأغصان المثقلة بالثمار ، وصلنا لأخر الكرم وجلسنا في الظل عند الحجارة المرصوفة نستعيد الذكريات القديمة ، فهذه الحجارة المكسورة كانت فيما مضى صخورًا كبيرة ، تربض على صدر الأرض فتكتم أنفاسها وتحجب كنوزها .

فعاشت الأرض في حزن دائم وهم مقيم لأنها تملك الخير وتعجز عن العطاء ، وعندما اشترى والدي الأرض وشرع يعالج صخورها بالمعول والمطرقة ، سخرت منه الصخور الصغيرة وقالت في نفسها يالله العجب رجلُ ضعيف يقوم بنحت الصخور ، وانهمك ولدي في العمل ودارت رحى الحرب بينه وبين الصخور ، وكان وحيدًا في المعركة يقاوم صخورًا كثيرة تحتل أرضه وتأنى الرحيل .

ثُبت والدي في المعركة وبذل العرق والتعب الشمس تكويه بحرارتها ، والصخور تجره بشظاياها وهو ماضٍ فيما عزم لا يضعف ولا يتراجع ، انكسرت الصخور ولم تنكسر عزيمته  ، في تلك الأيام كنت أزور والدي عندما انصرفت من المدرسة ، حامل إليه طعامًا لا يأكله إلا الفقراء ، وذات مرة نظرت إلى والدي وهو يأكل الخبز الأسمر والبصل وقلت له محزونًا لماذا نحو فقراء ، مد والدي ومسح بكفه على رأسي وقال سأطرد الفقر عندكم يا بني ، بأي شيء ستطرده فقال الوالد بيدي هاتين فقلت متى ، فقال عندما أخرج كنوز الأرض فقلت بائسًا أرضنا لا تحوي كنوزًا بل صخورًا ، قال والدي باسمًا الكنوز مدفونة تحت الصخور .

في أحد تلك الأيام صحبت صديقي أسامة وذهبنا إلى والدي وحينما اقتربنا منه سلمنا عليه فرفع رأسه ورحب بنا مسرورًا وقطرات العرق تلمع على جبينه مثل حبات اللؤلؤ ، لقد كان يعمل في أرض بلا ظل ، مسح عرقه بكمه وألقى المعول من يده وقال لم يبقى سوى هذه الصخرة ، سأله صديقي ماذا ستفعل بها سأحطم رأسها العنيد مثل الصخور الأخرى ، وهل حطمت صخور غيرها ، ضحك والدي وقال له انظر إلى تخوم الأرض نظر أسامة إلى حيث أشار والدي فشاهد سياج كبيرة لجرة مكسورة ، فتح عينه مدهوش وقال هل كانت كل هذه الحجارة في الأرض .

كانت الأرض مغروسة بالصخر ولكنه غرس لا يثمر ، ونهض والدي إلى الصخرة يأتيها من هنا وهناك تارة يحفر تحتها بالمعول وتارة ينهال عليها بالمطرقة فيتطاير الشرر منها وتنكسر أطرافها وبعد جهد اقتلع والدي رأس الصخرة وجعل يدفعه بيديه ويدحرجه نحو طرف الأرض فبادرت أنا وصديقي إلى مساعدته وأخذنا ننقل حطام الصخرة .

وحينما فرغنا من العمل وقف والدي مرفوع الهامة مزهوا انتصاره العظيم ، كانت عيناه تميضان سرورًا لقد تحررت الأرض وكانت أكثر إعجابًا بوالدي فقد كان أقوى من الصخر ، وبعد ذلك حرث والدي الأرض وحفر فيها حفر كثيرة وأودع فيها غراس صغيرًا وأصبح يعتني بها ويرعاها فصارت تنمو وتترعرع ، وبعد بضع سنين ازدانت أرضنا بالأشجار وبدأت تجو بالثمار فأخذنا نملئ منها السلال الكبيرة ونبيعها في المدينة ونشتري بثمنها ما نحتاج فقد أوفى والدي بوعده واستخرج كنوز الأرض وطرد الفقر بيديه ، وتعالى صوت والدي يدعونا إليه فذهبت أنا وصديقي وجلسنا معه في ظل ظليل نأكل مما قطف لنا من ثمار وقلت مسرورًا ما أطيب ثمار العنب والتين ..

شارك المقالة:
53 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook