قصة الصورة

الكاتب: رامي -
قصة الصورة
لا لست بخير !!
هذا ما قالته فاطمة وهي ممسكة بصورة أبيها وأمها المخلوعة من بروازها ، الصورة المجعدة المصفرة ، التي تكبرها بعشرين عاماً ، والتي التقطت في ليلة زفاف والديها ، بين جذوع النخل المحملة بلمبات الزينة ، في الحوش الواسع لبيت جدها ، في زمن بدا بسيطاً وخالياً من المنغصات .

صورة الأب:
كان أبيها في الصورة في كل شبر من جسده ، فقد ظفر بزوجة جميلة ، تصغره باثنين وعشرين سنة ، وتبدو حييّة كما ينبغي ، ناعمة وبكر وملائمة لأن تكون زوجة للعمر كله ، بعد أن توفيت امرأته وتركت له ابنين ، لا يعرف كيف يربيهما ، لأن التربية هي عمل النساء كما يعتقد ، كان عقاله يميل على اليمين قليلًا ، ولكن من سيلاحظ ذلك ، وعلى وجهه كل هذا الفرح ؟!

صورة الأم :
أما أمها فقد غطت شعر رأسها ، وزينته بعقد من اللؤلؤ ، وقد تذكرت أن أمها كانت قد رددت عليها مراراً أنه للؤلؤ طبيعي ، حيث لا تشبه للؤلؤ أختها ، وكل واحدة تحمل تخصرات وتجعدات وانثناءات تخصها وحدها ، وكانت تقول لها لا يمكن الحصول على عقد كهذا ، إلا في دولة البحرين ، المكان الذي تتواجد فيه حبات اللؤلؤ ، مثل حورية بحر مجنونة ، قررت أن تخوض تجربة الزواج من أرمل على سبيل المغامرة .

ذكريات :
تذكرت فاطمة أنها في إحدى المرات ، كانت تشاهد صور عرس والديها ، مستلقية على سرير والديها المزدوج ، تراقص ساقاها في الهواء من فرط المتعة ، فقالت لها أمها : إذا تزوجت سنزين شعرك بالطريقة نفسها ، ثم ستفعلين نفس الشيء لابنتك ، وسيصير تقليداً عائلياً .

ألم الحاضر :
قالت فاطمة في نفسها ، حينما عاودتها ذكريات كلمات أمها : آه لو تعلم أمي ، كيف تزوجت دون أن ينتبه أحداً ، كما لو كانو يتسترون على فضيحة ، آه لو تعلمين يا أمي ، أني عقيم كأرض بوار لم أنجب ابنة ولا ابن ، ولا حتى نصف ابن ، كيف كنتٍ ستشعرين حينها يا أمي؟

صورة أخرى من زفاف الوالدين :
أمسكت فاطمة صورة أخرى من صور زفاف والديها ، يظهر فيها وجهان آخران ، صقر وفهد ، أخواها غير الشقيقين ، صقر في الرابعة عشر من العمر ، كان يبدو مدور كالكرة ، يبتسم من فمه ويعبس في عينيه ، وفهد ذو العشر سنوات ، يبدو هزيلاً حزيناً ، قتلته الحمى بعد أربعة أشهر من زواج أبيه .

زوجة الأب والعروس :
زوجة أبيها المتوفاة ، أجهضت كل البنات ، وأنجبت ولدين اثنين ، قبل أن تتوفى بالفشل الكلوي ، وانتهت حكايتها عند ذلك ، لتبدأ حكاية أخرى ، فكيف لفتاة في الثامنة عشر من عمرها ، أن تربي الفتى العبوس الذي يصغرها بأربع سنوات فقط ، كيف فعلت ذلك !

فاطمة وأخيها صقر :
عندما ولدت فاطمة ، كانت أمها في العشرين من عمرها ، وأخيها غير الشقيق صقر في السادسة عشر من العمر ، وعندما بلغت سنتين ، كان صقر قد سافر للدراسة ، وعاد بعد سنة واحدة بلحية طويلة وثوب قصير ، وعاقد حاجبيه بغضب دائم ، واضطر أباها لدفع ما تكبدته الدولة من مصاريف لابتعاثه خلال العام ، واكتفى بشهادة التعليم التطبيقي ، وعمل مسئولا للأرشفة في وزارة الداخلية ، في سرداب سحيق يضم آلاف الملفات .

في سن الواحد والعشرين قرر صقر أن يتزوج ، كانت فاطمة في الخامسة من عمرها ، حتى أنها لا تتذكر الأيام التي عاشاها سويًا ، تحت سقف واحد ، لقد تزوج بدرية وأنجبت وضحة التي تصغرها بثلاث سنوات .

وواصلت زوجته انجاب المزيد من الأبناء ، بناء على طلبه ، فهناك دائماً متسع لطفل جديد يقوم بتربيته بالشكل الصحيح ، وهكذا تنهض الأمة ، وهذا هو الهدف من الأمر برمته ، وتلك حكاية لها صورة أخرى .

عودة لصورة زفاف الوالدين :
نظرت طويلاً في الصورة التي تضم أباها وأمها فقط ، أبيها الأربعيني ، الذي تطفر الفرحة من عينيه ، وأمها التي ترفع بالكاد عينيها للعدسة ، وبالكاد تبتسم ، بفستانها ذي الأكمام الدانتيل الطويلة ، وأزرار ثوبها اللؤلئية ، وباقة الزهور في يديها ، لابد وأنهما عاشا متناغمين ، فكرت ملياً في ذلك وهي تتأمل في زواجها الموشك على الانتهاء .

صفقة العمر :
لابد أنهما حظيا بزيجة استثنائية ، حتى استحقا نهاية كهذه ، نهاية يكتب لهما فيها أن يموتا معاً ، في حادث سيارة على طريق عرعر ، بعد عودتهما من الأردن ، لإتمام صفقة شراء لسبع أراضي ، لا يتجاوز سعر الواحدة ألف وسبعمائة دينار ، هذه هي صفقة العمر ، وهكذا قال أبيها الذي يتمتع بقدرة تشمم الصفقات من بعيد ، فقد أنهى صفقة العمر وانتهى عمره تماماً .

شارك المقالة:
51 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook