على مدار قرنين من الزمان ، تم إجراء العديد من التجارب غير الإنسانية ، على الكثير من البشر ، مِن قِبل من نسميهم نحن بملائكة الرحمة ، تحت مسمى البحوث العلمية الطبية ، أو الحروب البيولوجية ، وكان من الطبيعي أن يروح ضحية لتلك الأبحاث ، الكثيرون من الفقراء والمعاقين و أسرى الحروب ، أو السجناء ممن حكم عليهم بالسجن الأبدي ، وهم إما متطوعين أم مجبورين ، ولكن في النهاية يتم قتلهم ببطء شديد .

إبان محاكمة نورمبرغ للأطباء النازيين ، والتي عقدتها أميركا ، ضد الأطباء الألمان ممن تجاوزوا في تجاربهم ، ضد الأسرى الأميركيان ، وفقًا لقانون نورمبرغ للتجارب الطبية ، كشف الأطباء الألمان أنفسهم ، عن تجاوزات الولايات المتحدة الأميركية ، وارتكابها لجرائم تشبه ما اتهمت به ألمانيا ، إبان فترة الحرب العالمية الثانية ، وصعود النازية آنذاك .

تجارب قاتلة :
إثر كشف النقاب عن جرائم الولايات المتحدة الأمريكية ، وعنصريتها ضد العبيد الأفارقة والتمييز العنصري ، تم اكتشاف أن الطبيب جايمس ماريون سيمز ، طبيب أمراض النساء ، قد أجرى عددًا من التجارب الطبية ، في عام 1845م على النساء الأفارقة ، بإجراء تجاربه على التخلص من الناسور، وذلك بدون إعطاء تخدير للمريضات ، ظنًا منه أن العملية غير مؤلمة .

وفي المقابل افترضت أميركا أن تلك التجربة ، لم تكن سوى تجربة فردية ، إلا أن الحكومة الأميركية فيما بعد ، دعمت عددًا من التجارب على البشر بعدها ببضعة أعوام ، بل وموّلتها أيضًا بالمال وصرفت عليها الكثير ، حيث تم حقن عددًا من المسجونين المحكوم عليهم بالإعدام ، بفيروس الكوليرا بحجة التوصل إلى مصل مضاد قوي لهذا المرض ، وكانت النتيجة أن راح ضحية تلك التجارب أكثر من ثلاثة عشر شخصًا .

ولا تقل التجارب الأميركية إبان فترة الحرب العالمية الثانية ، عن بشاعة تلك التي أجريت ، حيث تم استغلال جنود البحرية الأميركية أنفسهم في تلك التجارب ، دون علمهم بها ، حيث اختبر غاز الخردل السام Mustard Gas ، بحجة التوصل إلى كيفية تصنيع قناعًا قويًا مضادًا لهذا الغاز .

تلك التجربة كانت قد حصدت ملايين القراءات ، بعدما نشرتها صحيفة الإندبندنت ، ووضعت أهم تفاصيل المعاناة بها ، خاصة لكل من جلين جينكينز و ناثان سنورمان ، أحد جنود البحرية الأميركية الذين خاضوا تلك التجربة المريعة ، من بين ألفي وخمسمائة جنديًا ، تم تجربة هذا الغاز السام عليهم .

كان جينكينز يبلغ من العمر ، سبعة عشر عامًا ، عندما تم سحبه إلى إحدى الغرف المغلقة ، أمام مرأى ومسمع من قادته ، في مشهد تسبب له بأزمات نفسية فيما بعد ، أما سنورمان فقد تم إقناعه ، بعدما انتهى من تدريبه ، بأنه سوف يخوض تجربة بزي البحرية الجديد ، ثم أرسلوه إلى معسكر تابع للجيش ، في الميريلاند حيث تعرض لتجربة غاز الخردل المميت .

تعرض سنورمان لتجربة الغاز حيث ألبسوه قناعًا ما ، كان بدائي الصنع وأقنعوه أنه مقاوم للغازات ، وسوف يحميه ثم وضعوه داخل أحد الأكواخ ، له باب واحد يفتح من الخارج فقط ، ثم رفعوا درجة حرارة المكان حوله ، وبدؤا في إطلاق الغاز ، ولم تستمر التجربة سوى بضع دقائق ، حتى بدأ سنورمان في الاستغاثة بالقادة  ، وطلب منهم أن يخرجوه من الغرفة ، فالغاز يصل إليه والقناع غير داعم أو واق له ، إلا أن القادة رفضوا مطلبه ، حتى بدأ سنورمان يتقيأ داخل القناع وفقد وعيه ، إثر إصابته بأزمة قلبية حادة .

بالطبع لم تكن هي التجربة الوحيدة للولايات المتحدة ، على البشر حيث بقيت على رعايتها ، لمثل تلك التجارب حتى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، وكانت إحدى تجاربهم على البشر ، في اختبار تأثير مرض الزهري على المرضى غير المعالجين منه ، مع تجربة عقاقير كيميائية ، تستهدف عدم انتشار المرض بالجسم ، وبالطبع أجريت التجارب على عدد من السجناء والعاهرات ، تعاونت فيها أمريكا مع حكومة جواتيمالا ، وراح ضحية تلك التجارب الخطيرة أكثر من ثلاثين شخصًا ، هم فقط المسجلون ممن لقوا حتفهم على إثرها .

وعن التجارب الأكثر شهرة ، قامت الولايات المتحدة في عام 1932م ، برصد أكثر من ستمائة رجلاًأفريقيا لا يعانون من مرض الزهري ، في مقاطعة ماكون بولاية ألاباما ، وكانوا جميعًا من الذكور الفقراء الأميين ، لا يعلمون شيئًا ولم يتم إبلاغهم بالتجربة ، بل أخبرهم الأطباء أنهم سوف يخضعون لعلاج مجاني ، وذلك في عام 1947م .

ولكن حتى بعد تقنين البنسلين لم يتلق هؤلاء علاجًا ، حتى عام 1972م بعدما أخبر هؤلاء الرجالالصحف ، وتم تسليط الضوء عليهم ، فاضطر الرئيس بيل كلينتون ، آنذاك أن يخرج باعتذار رسمي لهم ، إلا ان الاعتذار لم يُجد شيئًا ، فزوجات هؤلاء الرجال الذين تم حقنهم بالمرض ، قد التقطوا منهم المرض ، حتى الحوامل من بينهن التقطوا العدوى ، وللأسف ولدوا جيلاً من الأبناء يحملون المرض بشكل وراثي .