قصة حارس القطيع

الكاتب: رامي -
قصة حارس القطيع
على مدى عشر سنوات أو أكثر كان زغران ، يمشي وراء القطيع ويحميه من الذئاب والواوية واللصوص ، وخلال هذه المدة التي تولى فيها زغران الحراسة ، لم ينقص القطيع ولا رأسًا .

زغران حارس القطيع :
في الحر والبرد ، كان زغران بخاصرتيه المجوفتين وفمه الواسع وشدقيه المتهدلتين من قسوة العظام العارية الآدام والنباح ، حارسًا شديد البأس والوفاء والأمانة ، لصاحب القطيع وقطيعه وأهل بيته ، هذه المهمة القصوى التي أوكلت له ، جعلته دائم القلق والتوتر ، يشنف أذنيه وحواسه الأخرى ليتفادى الأخطار المباغته التي من شأنها المساس بأصحابه ، قبل وقوعها ، ولذلك كان بالكاد يغمض له جفن ، كما أنه لا يتمادى بأحلامه بعيدًا عن مؤخرة القطيع ، وعتبة الدار والعظمة العارية كالريح الملقاة اليه ، إلى أخرى مكتظة باللحم والدهن .

نكران الذات والوفاء :
كما كان يطمس بقهر رائحة زغرانه ، التي تهف اليه من مسافات بعيدة وتدعوه بإلحاح إليها ، كأنه أدرك بفطرته الكلبية المجبولة على نكران الذات ، والوفاء والإخلاص للصاحب : أن قدره أن يكون زغران حارس القطيع ،  ولا شيء غيره .

الحراسة :
وعندما كان القطيع يعود إلى حظيرته سالمًا في آخر النهار ، كن زغران يستلقي على جنبه أمام عتبة البيت مطمئن البال ، يمد قوائمه المتعبة ، يغمض عينه  نصف إغماضه ، ويستلقي قليلاً قبل قدوم الليل ، الذي يعني له بداية الشوط الثاني من الحراسة كان زغران معنيًا بسلامة عالمه وناسه الذين قصّوا له ذنبه المعوج بالمقص لأنه لا يتقولب إلى الاستقامة التي يطمحون إليها .

ولو وضعوه في القالب أربعين سنة ، يومها كان زغران جروًا ، نبح نباحًا مؤلمًا ونزف دماءً كثيرة من عصّه ، ومع الأيام تأقلم مع وضعه الجديد ، حتى أنه نسي ذنبه وشكله والآلام التي سببها اجتزازه منه ، وازداد تعلقًا بصاحبه وقطعانه .

في السهر :
بقدوم الصيف يكبر ضوء القمر ، وتكثر السهريات على السطحيات ، تعج سطحية صاحبه بالأصدقاء الذين كانوا يتحدثون بأصوات عالية وكلمات مبهمة ، لا يفهم زغران معظمها وهو مستلقي أمام باب البيت ، رغم ذلك كان يشنف حاسة شمه وأذنيه لكي لا تفوته ولا كلمة من تلك الأحاديث .

المدح  :
يقاوم إغراء الرقاد ليسمه اسمه ينطلق من فم صاحبه ، وهو يكيل له المديح ، ويقول عنه أمام الجميع ، أن أصل الزغران كان ذئبًا ، وأنه أصبح زغران منذ أول عظمة رماها له وتمزق شدقاه وتدمى فمه من قسوتها ، لم يكن لزغران ذنب ليهلل به طربًا على مديح صاحبه له ، وفي نفس اللحظة كان زغران يغتم وتقطر نفسه حسرة من أصحاب القطعان الذين حولوا الذئاب إلى كلاب! وليتهم اقتصروا على هذا

فصاحب القطيع وأهله وجيرانه وكل سكان القرية ، اذا أرادوا أن يوجهوا الشتائم والسباب والتحقير لشخص دون غدر بهم يقولون له : كلب ابن كلب ؟؟ .. يحتار زغران : كيف يتهمونه بالغدر وهو على هذه الدرجة من الوفاء ؟ غريب أمر هؤلاء البشر الذين لا يخجلون من لصق صفاتهم بالكلاب !!

الكبر والشيخوخة تلاحق الزغران :
بعد عشر سنوات كبر زغران وهرم ، أقعدته الشيخوخة ، وقاعسته عن الحراسة والنباح والسهر ، يومان فقط من التقاعد القسري ، خبت فيهما عيناه وكل جسده ، ونباحه إلى حشرجة وأنين ، ليس من حق كلاب الحراسة التقاعس والتقاعد يا زغران ، حتى وإن كانوا أفنوا أعمارهم وزهوتها في الحراسة .

النهاية :
حاول زغرن أن ينسل من شيخوخته ومرضه ويلحق بالقطيع ، رأي صاحبه مقبلاً عليه وهو يدكّ بارودته بالخرطوش ، برك الزغران في مكانه مستسلمًا لقدره الزغراني ، قرّب صاحبه من فوهة البارودة السوداء من صدغه ثم ضغط على الزناد .

شارك المقالة:
71 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook