كانت “سلمى” فتاة جميلة تبلغ من العمر عشر سنوات ذات عيون زرقاء ، و شعر اسود ناعم طويل تحب القراءة كثيرا فتقضى معظم وقتها بين القصص المصورة ، والروايات الخيالية التي تقرئها باستمرار أو مشاهدة التلفاز وأفلام الكرتون ، لقد تعلمت “سلمى” الكثير من الأشياء المختلفة من القراءة ومن التلفاز ولكنها لم تتعلم شيئا هام في حياتها و هو إطاعة والديها ومساعدة الآخرين .
فكانت دائما مشغولة بالقراءة و المطالعة أو مشاهدة التلفاز ، واللعب على الحاسب الآلي و لم تهتم يوما بمساعدة أمها في أعمال المنزل المتعددة أو مساعدة من يحتاج إليها ، فكانت الأم غاضبة منها بشدة لأنها كسولة ، ولا تسمع الكلام و لم تحاول يوما مساعدتها ، في أعمال المنزل كشقيقها الصغير”سالم “الذي كان يحب مساعدة أمه في أعمال المنزل الكثيرة .
ومساعدة والده والآخرين فكان “سالم” الصغير يستيقظ مبكرا ، فيصلي الفجر في وقته ، فهو لا يحب أن يؤخر فروضه اليومية أبدا ، ثم بعدها يقوم بترتيب فراشة و تنظيف غرفته ، وبعدها يذهب إلى أمه ليقبل يديها و يسألها إن كانت تحتاج إلى المساعدة في شيء وهنا تبتسم الأم بحنان قائلة: جزآك الله خيرا يا “سالم” و بارك الله فيك يا ولدي وهنا تنظر الأم بحزن إلى غرفة “سلمى “ثم تكمل قائلة: يا ليت “سلمى “شقيقتك مثلك يا “سالم “وتحاول تقليدك فيما تفعل يا بني.
و لكن سلمى الكسولة لم تتغير أو تحاول تقليد شقيقها الصغير في شيء ، فترد ” سلمى” قائلة عندما تطلب منها الأم مساعدتها في شيء:إنني مازالت صغيرة على العمل بالمنزل يا أمي و عندما أكبر ، سأساعدك في كل شيء فلا تتعجلين الأمور وبعدها تترك “سلمى” أمها ثم تذهب لتقرأ في كتبها ، وتعيش مع أبطال قصصها ،فتتخيل نفسها أحد الأبطال الخارقين الذين يطيرون في الهواء.
وربما ذهبت لتشاهد أحد أفلام الرسوم المتحركة الخيالية ، و في أحد الأيام دخلت الأم إلى غرفة “سلمى” لتجد الفوضى تعم المكان فالقمامة هنا و هناك ، و كانت “سلمى “مشغولة بقراءة إحدى القصص المصورة و هنا نظرت لها الأم غاضبة ثم قالت:لماذا لا تنظفين غرفتك يا “سلمى ” ، ألا تعلمين أن النظافة من الإيمان يا بنيتي ، فترد “سلمى “قائله:أنني مازلت صغيرة يا أمي فأرجوا أن تنظفيها لي من فضلك ، فأنا مشغولة الآن بقراءة تلك القصة الممتعة.
وهنا نظرت الأم بغضب إلى ابنتها ثم قالت : لن أنظف شيئا يا “سلمى ” فلقد كبرت ، و لابد من الاعتماد على نفسك فأنت لست صغيرة كما تدعين فشقيقك “سالم “أصغر منك ،ولكنه يرتب غرفته ويحافظ على نظافتها باستمرار ،كما أنه يحافظ على صلاته و يؤديها في أوقاتها دائما، ليس مثلك يا سلمى ، فأنت فتاة مهملة و كسولةو لا تحافظين على شيء ، و لذلك سأتركك في المنزل مع والدك.
و أذهب إلى بيت جدتك لمدة يومين ،حتى تعتادي أن تعتمدي على نفسك ، و تعتادي أن تنظفين المكان الذي تجلسين فيه، حتى لا تصابي بالأمراض المتعددة و بعدها رحلت الأم غاضبة من المنزل و أخذت معها “سالم” الصغير و تركت “سلمى “وحيدة بالمنزل ، و هنا شعرت “سلمى” بالسعادة فأخيرا ستقرأ بحرية ، و تشاهد الكرتون طوال الوقت وتلعب بدميتها و تفعل ما تشاء ، فلن يضايقها أحد أو يأمرها بفعل شيءو يقول لها أفعلي هذا ولا تفعلين هذا .
وهنا جلست لتكمل قراءة في غرفتها ،فشعرت بالغثيان و شمت تلك الرائحة الكريهة ، فنظرت باشمئزاز إلى بواقي الطعام على فراشها ،فلقد تعفن الخبز ويقف عليه الكثير من الذباب و بعض يرقات الديدان البيضاء.فقامت “سلمى” فزعة من على فراشها بسرعة ، وهي تشعر بالاشمئزاز من تلك الرائحة الكريهة ، و كل هذا الكم من الذباب والديدان وقررت الذهاب إلى حديقة المنزل ،حيث الهواء المنعش ،و رائحة الفل و الياسمين لتكمل قراءة تلك القصة الممتعة هناك ، فتركت الغرفة كما هي و لم تحاول تنظيفها أو إزالة بواقي الطعام من على الفراش .
و ذهبت إلى حديقة المنزل مسرعة، فكانت تغني وتصدر صفير من فمها بفرح ، فجلست على أحد المقاعد بالحديقة الجميلة ثم نظرت باستمتاع إلى ذلك المنظر البديع ، فالزهور و الورود متفتحة بألوانها الزاهية و ، صوت الطيور تغني على الأشجار ، و رائحة الياسمين تملا المكان ، و هنا نظرت إلى تلك الشجرة الخضراء بتعجب ، فمنذ شهرين كانت خاليه من الأوراق ، والزهور ولكن اليوم سبحان الله مليئة بالأوراق الخضراء و الزهور الجميلة.
فقالت “سلمى” بفرح :انه فصل الربيع حيث تتفتح الأزهار ، والورود فيا له من فصل جميل ، وهنا نظرت باستمتاع إلى تلك الشجرة الكبيرة ، وهنا شاهدت ظله على الأرض ، يقف خلف الشجرة العالية ، فقامت “سلمى” مفزوعة من على المقعد حتى كادت تسقط على وجهها وهي تسأل بتعجب من هناك خلف الشجرةهل عدت يا سالم ؟
وانتظرت “سلمى “الإجابة كثيرا ، ولكنها لم تتلقى أي رد ولم تسمع صوت أحد ، وهنا دققت النظر كثيرا في تلك البقعة أمام الشجرة ، فوجدته كما هو يقف هناك ، أنه ظل لطفل صغير يختبئ خلف الشجرة الكبيرةو لكنها لا تراه فهي ترى ظله وانعكاسه على الأرض فقط ، وهنا ذهبت ،لتبحث عن ذلك الطفل الصغير وهي تعتقد بأنه شقيقها “سالم ” و قد تركته الأم معها بالمنزل .
حتى لا تشعر بالخوف ووالدها لم يعد العمل ، اقتربت “سلمى” من الشجرة وهي تنادي :”سالم “هل هذا أنت يا أخي الم تذهب مع أمي إلى بيت جدتي “سعاد “و هنا سمعت صوت طفل صغير يرد عليها قائلا: لا يا سلمى أنا لست “سالم” شقيقك .
الكاتبة منى حارس