قصة رحمة الكذب

الكاتب: رامي -
قصة رحمة الكذب
تدور أحداث القصة حول المبادئ بين الغنى والفقر ، والتي تتمثل في علاقة الحب التي تجمع رجل ثري ، لكنه كبير بالعمر وحبيبته الفتاة الشابه عشرينية العمر ، وما قد يدور بينهما في تلك العلاقة .

القصة:
حينما ارتعش جسده بقوة خارجة عن إرادته من صدمة الحقيقة ، تذكر أيام طفولته عندما كان يهدده والده بالعقاب ، لقد كانت كلمات صديقته ، مثل الرصاص بقلبه الممتلئ بحبها ، ولكنه كان مضطر للقبول بالقدر .

فما الذي جعله يقوم بإلغاء سفره ومفاجأتها ، فقد تركها البارحه وهي في غاية السعادة بعد تسجيل البيت الأنيق باسمها ، فدعته لوليمة سخية للاحتفال سويا ، لدرجة أنه اعترف لها بأنها البالغة الخامسة والعشرين من عمرها قد علمته هو المشرف على أعتاب الستين فن الحب .

لقد وقف فى الردهة المعتمة كاللص ، دون أن يصدر صوت فقد كتم أنفاسه ، وهو يصغي لحديثها الهاتفي ، كانت الفتاة منبطحة شبه عارية على إحدى الأرائك بالمنزل ، وتمسك بيدها اليسري سلسة ذهبيه معلقه فى رقبتها ، والتي قد أهداها لها فهي تعرف جيدًا كيف تحصل على ما تريد دون أن تطلب .

لقد أدرك أنه من الصعب على رجل في الستين أن يشرح لماذا صار عاشقًا ، لقد جعلته تلك الجنيه يفتح عينيه على الحقيقة ، فلقد كره زوجته بسبب اهمالها لجمالها وأنوثتها ، فلقد اكتسبت من السمنة على مدار السنين ما يكفي لكي تصبح غير مغرية له ، وغير مثيرة أيضًا .

وقد كان ينسي نفسه أمام نظرات تلك الفتاة وهي ترنو له بعينيها ، بنظرات طويلة وملحه ، فقد كان مستعد لأن يدفع حياته ثمن لحظة سعادة كثيفة ، ثم أصغى أكثر إلى المكالمة الهاتفيه ، من ذا الذي تتحدث معه عبر الهاتف ، كما لو أنه هو ، من ذا الذي تستخدم تلك العبارات نفسها وبموسيقي صوتها نفسه التي تتحدث اليه به ، لهذه الدرجة كانت موهوبة وبارعة في التمثيل .

كان مازال مستمرًا فى المدخل ، ويده في جيبه تقبض على العلبة المخملية الزرقاء والتى بداخلها الخاتم الماسي ، الذي أراد أن يفاجئها به ، أنهت المكالمة واتجهت إلى الحمام ، وهي تغني نفس اللحن ذاته وهي تحضر نفسها لحفلة غرام .

هذه المرأة التي حولت حياته وقلبه السميك الى فراشة رشيقة ، وجعلت لحياته إيقاع جديدًا ، فقبلها كان مقتنعا تمامًا بالحياة الأسرية المستقرة وسط أولاده وأحفاده ، مقتنعًا بشريكة عمره الأبدية منتظرًا لشيخوخة بلا أمراض ، كم كانت تلك الحياة بائسة ، لا يتخللها فرح حقيقي .

كم كان مملًا حقًا خوف من حوله عليه ، وهم يوجهون له النصائح بالتقليل من السفر والتدخين ، لأن عمره وكبر سنه لم يعد يحتمل ذلك ، وكم كانت تلك الوصايا الأشبه بالوصايا العشرة عن صحته ودواءه أكثر مل .

إلى أن دخلت تلك المرأة فى حياته ، فشعر كما لو كان يدشن عمرًا جديدًا ، فلم يعرف مشاعر بذلك الزخم من قبل ، رغم علاقاته الغرامية المتعددة ، فقد بدلته تلك المرأة وجعلته يشعر بسعادة حقيقة كرجل .

أما الآن ماذا يفعل ، هل يقتحم عليها المنزل ويفاجئها بسماعه المكالمة الهاتفيه متهم اياها بالخيانة ، هل هو قادر على أن يواجهها بذلك ، وكيف فاته أن فتاة فى عمرها لم تكن تحب رجل فى مثل هذا السن لذاته ، أنها بالتأكيد تهب جسدها إليه مقابل المال الذي يغدقها به ، والهدايا الثمينة والأسفار والمنزل الأنيق الذي سجله باسمها ، فهي لم تعد بالتأكيد بحاجة إليه ، بل قادرة على أن تدعو عشيقها أو عشاقها إلى البيت .

دمعت عيناه وهو واقف متسمرًا في مكانه ، ويملأ قلبه الفضول بمعرفة ذلك الرجل الذي استخدمت معه نفس عبارات العشق التى تقوله له ، خرجت من الحمام ، وقد غزى المكان عطرها المثير ، والذي حرك نيران الشهوة بداخله ، وتذكر كم أتى زاحفًا لتلك الجنية محملًا بالمال والهدايا لمجرد امتلاكها .

وتذكر حياته من قبلها وسط أسرته وأحفاده ، ووسط أصدقاؤه الكهول ، وكم من الوقت الذى كان يقضيه في لعب الورق دائمين الحديث عن الماضي ، اذ انه لا مستقبل لهم ، وفي تلك اللحظة تذكر أيضا أن تلك الشابة كانت محبة للمال لدرجة الطمع ، ولكن كانت ذات ذوق رفيع ، وكانت ذات ثقافة عاليه تجعلها تكتب من النثر كلمات جميله .

وكم كانت تحقد على طبقة الأثرياء ، وكانت تلعن دائمًا الزمان ، فهي ترى أن فتاة مثقفة وجميلة مثلها ، لا يمكن أن تظل فقيرة كما هي ، وأنها سوف تسعى بكل جهدها لكي تصبح من طبقة الأثرياء .

وقد كتبت له ذات مرة شعر خاص به ، وكم كان جميلا كلماته ، فمن قال أن أجمل الشعر أكذبه ، أليس أجمل الحب أكذبه أيضًا ، كم كان مذلًا وصعبًا أن يقف متسمرًا مكانه وهو يرغب بها بشدة ، وكم كان صعبًا عليه أن يقف منتظرًا حتى يأتي عشيقها لتخونه معه ، اتجه إلى خارج المنزل وكأنه مطرود من الجنه .

وظل منتظرًا ذلك العشيق في الخارج ، حتى أتى شاب رشيق ، وعندما حدق في ثيابه هوى قلبه فهو يلبس قميصه ، لقد فهم الآن لماذا كانت تختفي بعض قداحاته وبعض ثيابه ، لقد كان يظن أنها تضيع منه في أسفاره ، لكنها كانت تهديها لعشيقها بوقاحة .

وجد نفسه مجبر على تقبل الحقيقة أنها فتاة فى مثل عمر ابنته ، انها ابنة زماننا هذا زمن الخديعة ، وتذكر أنه دعاها ذات مرة من عامين ، لحضور فيلم سينمائي أعجبه وقد كانت أحداث الفيلم تدور حول رجل ثري أحب فتاة صغيره ، وأهداها كل ما يملك وبعد أن امتلكت كل ثروته تركته ومات من قهره ، وقتها أخذ يسب ويلعن تلك الفتاة ، أما هي ردت عليه معترضة وقائلة (لا تتحدث على المبادئ ما دام هناك فقر) .

وبالفعل كيف لفتاة في مثل عمرها تعاني من البطالة ، أن تحصل على منزل أنيق وأموال ، وأن تصبح ثرية في وقت سريع ، إلا بهذه الطريقة ، حتى لو استطاعت العثور على عمل ستأخذ راتب بالكاد تستطيع منه أكل العيش ، تخيل نفسه وهو يواجهها بالحقيقة ، بحقيقة خداعها وخيانتها له ، وماذا سيكون رد فعلها ، إن ردها سوف يكون متوقع ، ستقول له اسمع المعادلة واضحة ، إنها لم تبخل عليه طوال عامين بمشاعرها وجسدها ، حتى أنه اعترف بسعادته الغامرة معها وهو لم يبخل معها بالمال أيضًا .

كم كانت الحقيقة قاسية لماذا دائمًا يسعى الناس لمعرفة الحقيقة ، إن الكذب أجمل بكثير ومريح جدًا ، انطلق عائدًا الى منزله ولأسرته ، وعندما طلب المصعد ، وضع يده في جيبه فتحسس العلبة الزرقاء وأصابته غصة وهو يعترف لنفسه أن الخاتم لها .

شارك المقالة:
56 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook