قصة رسالة إلى ضيفي لأخير

الكاتب: رامي -
قصة رسالة إلى ضيفي لأخير
عذرًا لا تداهمني وأنا نائم ، ولا تتسلل كالضيوف الثقلاء ، فتلتصق بي وتتسمر أمامي ، ولا تدعني أشعر بالانزعاج منك ، ذلك الشعور المزمن الذي علق بجلدي والتصق بروحي ، أتعلم أنني انتظرتك منذ أن وعيت على الحياة ؟!

احترام وتقدير :
لذلك تعالى باحترام وبما يليق بضيف طال انتظاره كل هذه المدة ، كي لا أفقد احترامي لك ، ليكن قدومك هادئا دون صخب أو ضجيج ! حتى لا يشعر أحدًا بقدومك ولا توقظ الناس من سباتهم وأحلامهم ، يكفي أن أعرف وحدي وتعرف أنت أيضًا ، تعال ليكن تصرفك كافيًا لي ، إن قدومك بصمت يلائم الحياة الصامتة التي عشتها طوال عمرى ! سيأتي من أجلي ، لتأخذنني ، وليس من أجل إزعاج الآخرين .

استقبال وحفاوة :
لا تفاجئني وأنا نائم ، حتى أقوم بواجبي في استقبال الضيف الحقيقي والأخير ، والذي انتظرت قدومه طويلاً ، دعني أقوم بما يمليه عليّ واجبي من حفاوة ، فأقف على قدماي وقفة احترام ، لأقول لك تفضل ، وسأقدم لك بنفسي وبإرادتي كل ما تريد أن تأخذه مني .

معاناة :
لا تحملني كثيرًا من العذاب ! فيكفيني ما عانيته طوال عمري ! لقد تحملت ذلك بوجه ضاحك ، ولم أترك مجالا لأحد أن يشعر بمعاناتي ، تحملت أحزاني وحدي ، أما أفراحي فقد كنت أتقاسهما مع الجميع وهكذا أريد أن تكون نهايتي ، أنا أعلم بأنك صعب المراس ، وأن رأسي الذي لم ينحني لأحد يمكن أن ينحني لك ، لكن لا أريد أن ترغمني على ذلك ! ورغم قناعتي بأنك لا تعطي أمانا لأحد ، إلا أنني أنتظر منك هذا العمل الشجاع ، لا تدعني أطأطئ رأسي ، تعال بوجه بشوش ، لأستقبلك بابتسامة .

رجاء :
لا تكمن لي ولا تفاجئني بضربة قوية من الخلف ، بل احملني وخذني مباشرة ، لأني كنت واضحا طوال عمري ، دعنا نتقابل وأنا أقف على قدماي كعادتي ، وتعال إليّ باحترام وهدوء ، حتى أتمنى الذهاب معك ، وليكن مجيئك متزامن مع وقت ذهابنا معًا ، نحن الاثنين ، ولنكن موجودين ، وغير موجودين ، لا تدعني أنتظر ، أسرع لكي ينتهي كل شيء في الحال .

حقيقة مؤكدة :
إنك حقيقة مؤكدة ، ولا يمكن لأحد أن يخدعك ، فأنت تعلم بأنني لم شعر بالغيرة من أي مواطن طيلة عمري ، لست لأنني طيب القلب ، بل لأنني لم أشعر بأن أحدا منهم أكبر مني ، وأنت على معرفة بما فعلته ، وما تصورت أن أفعله ، ولم أقم بفعله بسبب وحشيته ، وإذا كنت قد تأخرت عن القيام بجميع ما تصورته خلال فترة حياتي التي منحتني إياها ، فقد كان ذنبي أنا ، ولا أدخل لأحد في ذلك ، وإن عقابك الآن لي يكفيني ، فهو أكبر عقاب لمن يشعر بوطأته .

تصافح :
دعنا نتقابل كأي شخصين يلتقيان للمرة الأولى والأخيرة ، ولكن لابد أولا من تأمين هذه المقابلة ، أين ومتى وكيف ، فكرت في بعض الأحيان أن أموت كالأبطال الذين لا يسقطون في معاركهم الأولى ، والذين لايخرجون سالمين في معاركهم الأخيرة ، فلتكن مقابلتي معك بمثابة معركتي الأخيرة ، وبما أن الحرب قد استمرت معي طوال حياتي ، حتى خلت أنها حرب بلا نهاية ، لذلك تعال في أي وقت تريده خلال هذه الحرب التي لانهاية لها ، تعال بهدوء لكي أمدّ لك يدي ، وأقول لك مرحبًا .

دون خوف :
فكرت أحيانا في الحياة النباتية لكي أعمر طويلًا ، وحتى أثناء فترة حياتي النباتية ، لم أكن أود معرفة وقت مجيئك ، وأنا الآن لا أرغب في مجيئك أتظاهر بالشجاعة ، إذا كنت ترغب ، تعال في الوقت الذي لا أتوقعك فيه أبدًا ، فلن تفاجئني ، فأنت في عقلي وفي تفكيري ، وداعا تعال إنني أنتظرك بدون خوف .

لقد تصارعت معك طويلًا ، سنا بسن ، ورأسا برأس ، غلبت مرات وتغلبت مرات ، لذا فأنا أرغب في اعطاء روحي قدسية أكثر من أي شيء ، بما يليق بي من شجاعة وأنا أقف على قدماي ، وأنا أهديك إياها ، بدون تسليم ، وعندما تأخذ قلم ذلك الانسان المقهور ، هذا القلم الذي كان كالسيف المسلول أرفع يديك الاثنتين فوق رأسك احتراما وخذني !

قلبي وبابي مشرعان لك :
احترم تلك الروح النظيفة التي حافظت على نظافتها طوال عمري ، ولما كنت أحترمك فلم يسمع أحد مني كلمة تأفف ، فأرجو لا ترغمني على قولها الآن ، لا شجاعة ولا ثبات ، تعال كما أنا عليه الآن ، القلم في يدي ، والورق والآلة الكاتبة أمامي ، تعال في مثل هذا الوقت ، ولا فرق إذا جئت في ليل أو جئت بالنهار ، أو جئت بالصيف أو جئت في الشتاء ، فان قلبي وبابي مشرعان لك !

فلا تدعني أستصغر نفسي ، ألا أستجدي أحدًا لكي أطلب منه ماء ، ألم نتصارع كلانا بشجاعة ؟ إذن يحق لي أن أطلب منك هذا الطلب ، إذا كنت مصرًا على التأفف فدعني أقولها بيننا نحن الاثنين لكي لا يسمعنا أحد .

مواجهة :
نحن نقف الآن وجها لوجه ، كمصارعين أمضيا كل هذه السنين بدون أن يتوقفا عن الصراع ، لقد كان صراعي أعظم من صراعك ، لأنك تعرف مسبقًا أن نتيجة المعركة هي دومًا لصالحك ، أما أنا فقد أدركت بأنني سأسقط مغلوبًا في النهاية ولكن رغم قناعتي هذه ، فقد كنت أتصرف وكأنني لم أغلب ، وأهجم على من يود مصارعتي ، ربما يعترينني الخوف أحيانا ، أو أرغب في الهرب ؟ ربما لكي أعيش أطول ، أو لأعيش حياة أفضل ، وأستمتع بهذا الجمال الذي يملأ وجه الأرض ، إلا أنني لن أتخلى عنك أبدًا .

الموت :
فكما عملت لأستحق الحياة ، فدعني أستحق الموت ، اعترف لي بهذا الحق ، لقد بذلت جهدي في مواكبة هذا الجمال ، في هذا العالم الجديد ، فلتكن مكافأتك لي ، أن تأخذنني إلى إحدى الجزر النائية والجميلة وسط المحيط ، تلك الجزر المتناهية في الصغر لدرجة العدم .

تسألني ماذا فعلت ؟ أنا لم أحول الحجر إلى ذهب كما فعل كيميائيو القرون الوسطى ، فأنا كيميائي حوّلت دموعي إلى قهقهات أهديتها إلى هذا العالم ، تعالى إليّ أيها الموت ، فأنا بانتظارك في سكون الليل .

شارك المقالة:
49 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook