قصة طريق السلامة

الكاتب: ولاء الحمود -
قصة طريق السلامة

قصة طريق السلامة.

 

كانت المرة الأولى التى يسير فيها سمير مع صديقه “شريد ” في هذا الطريق المهمل شبه المظلم ، ثمة أناس يتسكعون في الطرقات، لهم وجوه غريبة ، آخرون يفترشون الأرض .يشربون النرجيلة، يضحكون وهم يطلقون الدخان الأزرق من أفواههم، يتصاعد إلى السماء راسياً أشكالأ هلامية تشبه رؤوس الشياطين . قال سمير في وجل : أمازلت خائفاً، المفروض انك کبرت یا عزیزی، قلت لك أكثر من مرة، لكنك تصر دائماً أن تشعرنى انك ما تزال صغيراً .

 

الشوارع ضيقة ، ملتوية مياه المجارى الطافحة تختلط بروائح الدخان المتصاعدة والضحكات الصاخبة لبعض الشباب المتسكع. فتح سمیر فمه یرید ان بیتکلم ثم آغلقه ثانیة محاولا کتم مشاعره وخوفه لیثبت لصدیقه شرید آنه رجل ، قلبه متین ، فهو یعلم شرید ولسانه السليط .

كان والد سمير يعمل بإحدى الدول الشقيقة، يريد أن یرفع من مستوی اسرته قال لهم : لابد أن تعمل جميعاً من أجل سعادة الأسرة ورفاهیتها، كل منا له دور يجب أن يقوم به على الوجه الأكمل ، والنجاح بتفوق .

 

قال والد سمير ايضا : هذا البيت هو الحصن ، إياكم وصحبة السوء فإنها تؤدى إلى التهلكة . ثم نظر الأب إلى سمير ووضع يده على كلفه قائلا: وأنت يا سمير ، حافظ على نفسك وحاول أن تبحث لك عن هواية نافعة، فأنا أعلم أنك تحب الخروج والسهر، أطع أمك وحاول ألا تجعلها تغضب عليك .

في الطريق المظلم لا يزال سمير يسير بصحبة صديقه “شريد” ، كان شريد يشعل سيجارة وينفث دخانها في الهواء ، مشكلة سمير أنه يحب أصدقائه ويحب أن يظهر أمامهم دائماً بأنه الولد المدلل الناعم الذى يرتدى أحسن الملابس العصرية، ويحلق شعره بطريقة نجوم السينما الأمريكية، ولکی یؤکد لهم آنه صدیق جدیر بمصاحبتهم كان ينفق عليهم ببذخ شديد، ولا ضير من اقراضهم بعض المبالغ لحين ميسرة.

 

قال سمير : أين نحن يا شريد، هذه الشوارع غريبة ولها رائحة لا تطابق ، ضحك شريد وقال : يجب أن تخجل من نفسك يا صديقي لأنك لم تخرج من بيتك، واذا كنت قد خرجت فليس ابعد من الشارع الذي تسكن فيه او المدرسة التي تذهب اليها، ولكنني وبكل فخر ذهبت هنا وهناك، ركبت فوق اسطح القطارات ورأيت بلاد كثيرة ولي اصدقاء في كل مكان اجلس معهم ، وتتبادل معاً السجائر والنكات المضحكة، والنقود أيضاً.. هل معك نقود يا سمير ؟ هز سمير رأسه قائلاً : معی بضع جنیهات هی کل ما املك، قال شريد : إذن أعطني عشرة جنيهات لأشترى سجائر امریکانی ! ، الشوق یشدنی الیها !!

 

اشتري شريدالسجاير واعطي سمير سيجارة قائلاً : خذ وتذكر هذا الجميل، نظر سمير في ساعة معصمة وهتف : لقد تأخيرت اريد ان اعود الي المنزل انت تعلم امي ومدي خوفها علي ، ضحك شريد وقال : يحق لها أن تخاف عليك، فأنت لا تزال صغير.

 

كان سمير يشعر بالضيق من هذه الكلمة ، لكنه سكت على مضض واستسلم تماماً للشارع المظلم، في الطريق تفابل سمير وشريد بمجموعة من الاصدقاء ، قال احدهم : أشم رائحة سجائر أجنبية، دس شريد علبة السجائر داخل طيات ملابسه بسرعة : لا ، لا.. ليس هناك أى سجائر، ربما، أو لعلك تتوهم . جلسوا جمیعاً علی مقهی قریب وراحوا يلعبون النرد ويحتسون الشاي والقهوة، ويدخنون. قال أحدهم : سمير، ألم يرسل والدك بنقود جديدة ؟ لمعت عينا سمير وهز رأسه فى فخر : والدی یرسل لنا نقودا دائماً، لکن امی تحتفظ بها، تقول لنا القرش الأبيض ينفع في يوم لا شمس له. رفع أحدهم عقيرته بالغناء، كان صوته متحشرجاً لیس جمیلاً، ضحکوا جمیعاً و تمایلوا علی بعضهم .

 

الناس تسير في الشارع ، بعضهم کان یلتفت يقذفهم بنظرات نارية، أو يتمتم في سخط وضيق ، اتجه نحوهم شيخ له لحية ناصعة . ظنوه عابر سبيل ،يريد أن يسأل عن عنوان . لكنه ابتسم في هدوء، وقال لهم فى رفة شديدة: هل تسمحوا لي بالحدیث معکم بعض الوقت . تبادلوا النظرات ، فقال احدهم : تريد أن تلعب النرد؟وقال آخر : معك سجائر اجنبية ؟ لم يجب الشيخ ولكنه ابتسم في هدوء شديد قائلاً :  أنتم مثل أولادى، أردت فقط أن أخبركم أن عدوکم نجح تماماً فی افسادکم !! تبادلوا النظرات، اكمل الشيخ حديثه قائلاً : . نعم ، ألا تعرفون ان هناك عدو یتربص بکم ویتمنی لكم الضعف والجهل والمرض پرید آن تبتعدوا عن دینکم ، لان تمسکنا بدیننا الحنيف يجعلنا أقوياء.

 

رغم كل هذا فقد استطاع العدو أن يحاربنا بالغزو الفکری والتضلیل الفنی ، والسموم التی تبثها وسائل الإعلام ، والأفلام الهابطة ، استطاعوا أن يجعلوا خيرة شبابنا يهتمون بأمور تافهة، يجلسون على المقاهی، یدخنون لیدمروا صحتهم ، یقتلون الوقت بالقيل والقال .. لماذا هذه الأماكن المشبوهة ؟ لماذا اجتمعتم على السوء؟ !! مساجدنا، من يعمرها ؟ .. هذه الكتب والمجلات التى تملأ المكتبات من يقرأها ؟ من يحمل السلاح من يستطيع أن يحمى بلادنا ونساءنا وأطفالنا، من ؟؟. ان الله قد آنعم علیکم بنعم کثیرة ، بلدكم لها أفضال علیکم، آهکذا یکون رد الحمیل … لا، لا یا آبنائی .

 

تأثر سمير بكلام الشيخ فقام رامياً بسيجارته تحت حذائه ، ثم قام ثلاثة آخرون . قالوا للشيخ وهم يسيرون بجوار الأشجار الضخمة: والله معك حق يا عم الشيخ .. إنها حقاً حياة تافهة، فاسدة . ماکادو یسیرون بضع خطوات حتی وقفت سیارة شرطة فجأة وهبط منها بعض رجال المباحث ، قبضوا على كل الجالسين بالمقهى .ثم انطلقت وهى تطلق صرخاتها المفزعة قال الشيخ : أرأيتم، لقد أنقذكم الله أرجو ألا تعودو لمثل هذه الأماكن المشبوهة مرة أخري.كان الطريق أمامهم مستقياً، واسعاً.. ومضيئاً والأشجار تتراقص في سعادة والعصافير من فوقها تغرد .

 

 

شارك المقالة:
1222 مشاهدة
هل أعجبك المقال
1
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook