قصة غار حراء

الكاتب: رامي -
قصة غار حراء
"إذا ذكر نزول القرآن الكريم ذكر غار حراء ، ذلك المكان المبارك الذي كان يتعبد فيه الرسول صّل الله عليه وسلم في شهر رمضان من كل عام حتى قبل الرؤيا ونزول القرآن ، وللغار مكانة دينية عظيمة في نفوس المسلمين ؛ لأن ذكره ارتبط بذكر الرسول صّل الله عليه وسلم ، ونزول الوحي على سيدنا محمد به ، ويعرف هذا الغار بجبل النور وهو يبعد عن المسجد الحرام مسافة أربعة كيلومترات تقريبًا .

موقع الغار :
الغار عبارة عن حفرة موجودة في الجبل ، يقع بابها ناحية الشمال ، ويبلغ طولها أربعة أذرع ، أما عرضها فيبلغ ذراع وثلاثة أرباع ، وهي تتسع لخمسة أشخاص في نفس الوقت ، ويمكن للواقف على الجبل أن يرى مكة المكرمة ، حيث يقع الغار في شرق مدينة مكة المكرمة أعلى جبل النور ، وهو جبل شديد الوعورة والانحدار .

وقد وضع في طريق الغار استراحة بدائية لجلوس الصاعدين إلى الجبل والنازلين من عليه ، ويستطيعون في هذا المكان أن يلتقطون أنفاسهم ويروون ظمأهم ، وهناك العديد من المحاولات الدائمة والمستمرة ؛ لتعبيد الطريق من وإلى الغار بمشاركة بعض المتطوعين الذين يقومون بأعمال الصيانة والتعبيد ، كما يمكن للوافدين على الغار أن يشتروا بعض الصور التذكارية لمعالم المكان ، فالغار منطقة أثرية يتوافد عليها المسلمون من جميع أنحاء العالم .

رهبة الغار :
يعد الغار منحدر شديد الوعورة أعلى جبل النور ، وهو ليس بالمكان الآهل ، لذا كان يعد من الأماكن المرعبة لأهل مكة ، فكان يبتعدون عنه وينأون بنفسهم عن خطره ، وهذا عكس ما فعل رسولنا الكريم فقد اختلف معهم في طرقهم وأعرافهم وخلق لنفسه طريقًا أخر يسلكه وهذا ما تحمله كلمة عائشة رضي الله عنها بقولها : “حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ”. أي أنَّ الله عزوجل حَبَّب إليه أمرًا لا يحبُّه الناس في المعتاد.

الرسول والخلوة بالغار :
رُوي عن السيدة عائشة أنها قالت أن  الرسول صّل الله عليه وسلم كان محبٌب إليه الخلاء بالغار لفترات طويلة ، فكان يتزود بالطعام والشراب ، ويعطي للمساكين الذين يذهبون إليه ؛ حيث كانت تقول السيدة عائشة رضي الله عنها : “ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا ، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ”.

والسيدة عائشة كانت تقول أن حب اعتكاف الرسول بالغار جاء بعد الرؤيا الصادقة ؛ أي قبل البعثة بستة أشهر ، وهذا يختلف مع رواية ابن اسحاق الذي قال فيها أن الرسول كان يعتكف في غار حراء شهر رمضان من كل سنة قبل الرؤيا ، وغالب الأمر أن الرسول صّل الله عليه وسلم كان يختلي بنفسه شهرًا في السنة قبل البعثة بعدة سنوات ، ويتضح هذا من رواية عبيد بن عمير في ابن إسحاق حين قال:

“فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُجَاوِرُ ذَلِكَ الشَّهْرَ مِنْ كُلَّ سَنَةٍ يُطْعِمُ مَنْ جَاءَهُ مِنَ الْمَسَاكِين ، ولكن في الشهور الستة الأخيرة حُبِّب إليه الخلاء كما تقول عائشة رضي الله عنها.

سبب الخلوة :
كان الرسول صّل الله عليه وسلم يبغض الأصنام التي يعبدها قومه ، ويُدرك أنها ليست الطريقة السليمة للوصول إلى الله عزوجل ، وقد ظهر هذا البغض للأصنام في قصة حياة الرسول الكريم قبل أن يبشر بالنبوة ، ويشهد لهذا موقفه مع زيد بن حارثة رضي الله عنه ، وكان هذا قبل البعثة ، فعن زيد بن حارثة رضي الله عنه قال:

“وَكَانَ صَنَمَانِ مِنْ نُحَاسٍ يُقَالُ لَهُمَا: إِسَافُ وَنَائِلَةُ. فَطَافَ رَسُولُ اللهِ صلّ الله عليه وسلم -أي بالكعبة- وَطُفْتُ مَعَهُ ، فَلَمَّا مَرَرْتُ مَسَحْتُ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلّ الله عليه وسلم: “لاَ تَمَسَّهُ”. وَطُفْنَا فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لأَمَسَّنَّهُ أَنْظُرُ مَا يَقُولُ. فَمَسَحْتُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلّ الله عليه وسلم: “لاَ تَمَسَّهُ أَلَمْ تُنْهَ؟” قَالَ: فَوَالَّذِي أَكْرَمَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ مَا اسْتَلَمَ صَنَمًا حَتَّى أَكْرَمَهُ بِالَّذِي أَكْرَمَهُ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابُ

فكان صّل الله عليه وسلم يذهب إلى الغار ليتفكَّر في خالق هذا الكون ، ويتعبد له دون أن يعلم به أو يراه، فقد فطر قلبه على الإيمان والبعد عن المعاصي والمكفرات ، لكنه لم يكن يدري كيف يعبد الله ، ولا على أي شريعة ، ويتضح هذا من قوله عزوجل{وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى} [الضحى: 7] .

وقد كان هذا الاختلاء في الغار يريح نفس الرسول ، فينظر للكعبة من بعيد ويتذكر قصتها ، وقد كانت قريش تعلم علم اليقين بوجود الله ، فهم لم يدعوا أنهم غير موجود ، ولكنهم لتخذه معه أصنامهم آلهة أخرى للتقرب من الله ، ولما كانت ديانة سيدنا إبراهيم قد اندثرت نأى سيدنا محمد بنفسه عن وحل الأصنام وعبسها ، وابتعد عن شرائع النصرانية واليهود ، ولعل هذا من حفظ الله حتى لا يقال أنه نقل عنها شيء ، وأن ما أنزل إليه الحق.

خلوة الرسول بعد البعثة :
وبعد البعثة لم يعد الرسول يختلي بغار حراء ، ولكنه كان يعتكف في العشر الأواخر من شهر رمضان بالمدينة ، وكأنه فعل ذلك ليعطي درسًا مهما للدعاة ليقوموا بعملهم ويخالطوا الناس ، وفي نفس الوقت يحافظوا على نقاء سريرتهم بالاختلاء ولو أيام معدودة في السنة ؛ لكي يعيدوا فيها ترتيب أوراق حياتهم ويصلحوا من أنفسهم ؛ حتى يستطيعوا بعدها إصلاح المجتمع.

موقف خديجة بنت خويلد رضي الله عنها من خلوة الرسول :
ضربت السيدة خديجة رضي الله عنها أروع الأمثلة للسيدة الصالحة التي توأزر زوجها وتقف إلى جواره ، فقد كانت تقف إلى جوار الرسول صّل الله عليه وسلم في خلوته ، وتشجعه عليها رغم أن هذا كان أمرًا مستغربًا في مكة ، ورغم أن الغار كان في مكان موحش ، ولكنها كانت تثق بقرارات زوجها ، ورغم غيابه الكثير عليها لم تنهه عن الخلوة ، بل كانت تُشَجِّعه وتُسانده ، وهذه في الحقيقة صفة مهمة صفات الزوجة الصالحة ، حيث تقف مع زوجها فيما يريد ، وتُؤَيِّده وتُشَجِّعه ، وتكون عضدًا له في اختياراته ، فهذا من أفضل الأمور التي تقوي الرابطة بين الرجل وزوجته.

"
شارك المقالة:
68 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook