قصة معركة خانوه الكبرى

الكاتب: رامي -
قصة معركة خانوه الكبرى
تعد معركة خانوه الكبرى ، إحدى المعارك الكبرى التي شهدها التاريخ الإسلامي ، إبان فترة القرن العاشر في بلاد الهند ، وانتصر في تلك المعركة المسلمون تحت قيادة ، القائد ظهير الدين بابر علي ، عام 933هـ ، تلك المعركة التي بزغت بعدها دولة المغول ، والتي شهدت تقدمًا علميًا وفكريًا كبيرًا ،دامت قرابة الثلاثة قرون اتسعت خلالهم رقعة الإسلام ، على أيدي القادة لمغول إلى أن جاء الاحتلال الأوروبي ، وأعاد الهند مرة أخرى تحت قيادة الراجبوات الهندوس ، وتلك هي قصة المعركة .

تقسيم ممالك الهند :
تنقسم الهند إلى ثلاثة أجزاء ، لكل منها ملك يحكم بشكل مستقل ، ويعين أمراء يخلفونه على الممالك والأقاليم التابعة له ، فلم تكن الهند تعامل معاملة ملك واحد يتبعه الجميع ، وإنما انقسمت إلى ثلاث ممالك ، كل منها مستقلة بحكمها .

وتنقسم الهند إلى المرتفعات الشمالية ، والسهول الشمالية وشبه جزيرة الدكن ، وكان أمراء الراجبوات هم من يقطنون منطقة الأنهار ، في شمال القارة الهندية ، تلك المنطقة التي تعرف باسم الهندستان ، وكان يدين أهلها بالهندوسية القديمة ، والتي تختلف عن الهندوسية الموجودة حاليًا ، وكان أهلها هم أول من تصدوا للفتح الإسلامي في تلك المنطقة .

وصول الإسلام إلى الهند:
كان أول قدوم للإسلام عن طريق البحر ، حيث عبر التجار المسلمون العرب ، سواحل الهند ، وحملوا دينهم مع بضاعتهم إلى موانئ الهند ، ليصير بكل ميناء هندي مجموعة ، من التجار العرب المسلمين الذين أقاموا ، المساجد ومارسوا شعائرهم الدينية أمام السكان المحليون ، بكل حرية لتصبح مناطق سواحل ملبار وإقليم السند ، من أوائل المناطق التي حظيت ببشائر الدين الإسلامي ، ومعظم سكان تلك الأماكن حتى الآن من المسلمين .

ولكن منطقة الشمال الغربي تختلف قليلاً عن السواحل الهندية ، في كيفية وصول الإسلام إليها ، فكان الفتح بها عن طريق الغزوات ، فقاد محمد بن القاسم الثقفي أولى الغزوات لتلك المنطقة ، عام 92هـ حيث قام بفتح كل من ، إقليمي السند وجنوب البنغال .

وبعد أن استطاع تكوين جيشًا قويًا من راكبي الإبل ، والمجاهدين وتزويدهم بالمؤن والعتاد المطلوبة ، ونجحت غزواته في إسقاط مدن عدة بين أيدي المسلمين ، واكتساح كبير لها ولكن عقب وفاة الوليد بن عبدالملك ، قاد زيد بن أبي كبشة ، الجيش الإسلامي فتم إلقاء القبض على بن القاسم ، وأرسل مكبلاً إلى العراق .

الدول الإسلامية المستقلة في الهند :
توالت العديد من الأحداث على الخلافة الإسلامية بالهند ، وعلى إثرها قامت واندثرت الكثير من الحكومات الإسلامية ، والتي شهدت صراعًا بين كل من الأمويين ، والعباسيين مما أدى إلى تراجع الفتوحات الإسلامية بالهند ، إلى أن عاود المسلمون نشاطهم في تلك المنطقة مرة أخرى .

الدولة الغورية :
بعد فترة استطاع أمراء الراجبوات استرجاع ، جزء مما فقدوه من مملكتهم على أيدي المسلمين ، حتى واجههم السلطان شهاب الدين الغوري ، ولكنهم انتصروا عليه عليه في المعركة الأولى ، ثم عاد إليهم مرة أخرى وانتصر عليهم ، انتصارًا أدى إلى انهيار تام في دولة الراجبوتيين بالهند ، ثم واصل السلطان شهاب تقدمه حتى انسحب أمراء ، الراجبوات إلى الصحراء .

وكانت الأسر التي حكمت ممالك الهند ، كل من أسرة إيلتمش وأسرة بلبن ، وأسرة الخلجيين وأسرة اللودهين الأفغان وأسرة تغلق ، وفي عهد الأخيرة لمع اسم تيمورلينك الذي احتسب على المسلمين قائدًا ، ولكنه تسبب في دمار الكثير من الدول ، وذل أهلها وكان كلما دخل دولة دكها وجعلها مدمرة عن بكرة أبيها ، مما أدى في النهاية إلى تدمير الدولة الإسلامية بالهند ، مثلما حدث بالأندلس .

ظهير الدين بابر :
ولد ظهير الدين بابر قائد معركة خانوه الكبرى ، في محرم عام 888هـ بأنديجان ، وأطلق عليه أحدالشيوخ اسم ظهير الدين محمد ، فكان من الصعب على أبناء عشيرته نطق هذا الاسم ، فأطلقوا عليه بابر وهو اللقب الذي عرف به تاريخيًا ، ويعني النمر .

كانت بداية معارك ظهير الدين ، مع أبناء عمومته لاسترداد حقوقه منهم ، واستطاع خلال سنوات طويلة من الحروب معهم استرداد كافة حقوقه ، ثم قام بتوسعة رقعة مملكة جده تيمورلانك القديمة.

تلا ذلك اصطاد ظهير الدين مع القائد محمد الشيباني ، وقام بطرد بابر إلا أنه قُتل بعد ذلك على يد اسماعيل الصفوي ، فعاد بابر مرة أخرى إلى موطنه ، ليولي وجهه شطر الهندستان التي سبقه إليها أجداده ، وكان من حسن حظه أنه حينما أقبل عليها ، كانت تعاني من اضطرابات وفوضى بسبب حكومتها الضعيفة ، على الرغم من ذخرها بالثروات واتسع رقعتها .

بعد ذلك اتجه السلاطين اللودهيين استعادة بلادهم مرة أخرى ، وانتصروا في معاركهم ونجحوا في ذلك الأمر فعليًا ، وبسطوا نفوذهم على بقعة كبيرة من الأراضي ، التي كانوا قد فقدوها .

ثم خلفهم بعد ذلك السلطان الاسمندر ومن ثم نجله إبراهيم ، الذي كان يميل إلى الانتقاص من قدر الأمراء ، فاتفقوا جميعًا على الابتعاد عن بلاطه ، من أجل إثارة البلبلة والاضطرابات ، في تصريح غير مباشر منهم بالسخط على تكنيكه  في التعامل معهم .

وكانت نتيجة ذلك أن قطعت كل من البنغال ومالوه والكجرات ، العلاقات مع العاصمة وقام أقوى أمرائهم بتزعم حلفًا ، مع أقرانه للقضاء على سلطان المسلمين بالعاصمة الهندية ككل .

هنا انطلق الفريق المكون من الأمراء ، للاستعانة بالأمير ظهير الدين بابر ، من أجل مساعدتهم في دخول الهند والتعاون معهم ، في القضاء على سلطان الهند ومن حسن حظهم ، أن بابر كان يمني نفسه بتلك الخطوة منذ أمد بعيد ، فكان عازمًا على التوجه نحو الهندستان ، حيث كان يرى أنه على الرغم من استعادته لميراث جده ، أنه هو الوريث الشرعي الوحيد للعرش .

مؤامرة الراجبوات :
منذ أن علم ملوك الراجبوات بمطالبة ظهير الدين ، بالعرش من سلطان الهند حتى أرسل إليه رجله ، وطلب منه أن يشارك في هذا الهجوم على السلطان ، إبراهيم لودي ، وكان عرض ملك الراجبوات أن يهاجم آكرا ، في حين يتجه بابر نحو دلهي ، ولكن بعد أن قضى بابر على السلطان إبراهيم ، لم يفي ملك الراجبوات بوعده ، فحطمت جيوش المسلمين بعضها ، وقد ظن ملك الراجبوات أنه بذلك ، ينهك الجيوش المعادية ليتفرغ هو للسيطرة ، على مساحات وبقاع أوسع ، ثم شرع ملك الراجبوات بعمل تحالف ، من أجل طرد بابر مرة أخرى خارج الهند .

تحالف الراجبوات والأفغان :
نجح الملك رانا سانجا في بناء حلف قوي ، ضد بابر وانضم له العديد من ملوك الراجبوات ، بالإضافة إلى اسكندر لودي سلطان الأفغان الجديد ، وهذا ما دفع بابر للتنديد بانضمام الأفغان لهذا الحلف ، فهم في نظره قد صاروا مثل المرتدين .

قام بابر بتحويل معركته مع ملوك الراجبوات ، إلى معركة دينية قام فيها بسكب الخمور في الشوارع ، بعد أن اعلن توبته منها ، ورد المظالم لأهلها ، وأطلق سراح الأسرى من المسلمين ، من سجونه الكثيرة ليعلن في النهاية ، تحالفه ضد الكفار والمرتدين من ملوك الراجبوات ، وفقًا لحديثه بشأنهم .

قام برابر بحلف اليمين هو وقادة جيشه ، بألا يتراجعوا أو يفروا من ساحة المعركة ، فإما النصر أو الشهادة ، وهذا هو ما جعله ينجح في استقطاب الكثير ، من الجنود بساحته .

معركة خانوه الكبرى :
وقعت معركة خانوه الكبرى عام 933هـ ، وقد فحص بابر موقع معركته قبل اللقاء ، حتى لا يقع فيأخطاء فادحة كما حدث معه من قبل ، في معركته ضد الأفغان ، وقام بتعزيز قوته واستخدم السلاسل الحديدية لتوفير المأوى للخيول ، ووفر أماكن لضربات المدفعية ، وعزز الرجال ممن يمكنهم إطلاق النيران في أي وقت ، إذا ما احتاج بابر للمؤازرة في أي وقت إبان المعركة ، مما منح جيش بابر تشكيلاً هجوميًا قويًا .

جمع ملوك الراجبوات الكثير من الجنود ، وكونوا جيشًا ضخمًا جعلهم يشعرون أنهم فائزون لا محالة ، فهاجموا جيش بابر بطرق تقليدية للغاية ، جعلت بابر يحتوي تقدمهم من كافة الزوايا ، بطرق تكنيكية أحدث مما تسبب في زلزلة ، جيش الراجبوات وقتل الكثير من الجنود في ساحة المعركة .

فاز ظهير الدين بابر على أعدائه ، وقام بإقامة برجًا من جماجم أعدائه كما فعل جده تيمولانك من قبل- ثم ارتفع المؤذنون لإعلان الانتصار الكاسح على العدو ،  وكان من عادة المسلمين في هذا الوقت بناء برجًا من الجماجم ، ليس فقط لتسجيل الانتصار ، وإنما لإرهاب أي عدو يفكر في الاقتراب من مملكتهم ، وتم إعلان انتصار الإسلام على الهندوسية ، لتقوم بعد ذلك دولة مغول الهند الكبرى .

شارك المقالة:
72 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook